الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديموقراطيون العُزّل والمبادرة المصفّحة

ياسر محمد أسكيف

2013 / 1 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الديموقراطيون العُزّل والمبادرة المُصفّحة
ياسر محمد اسكيف
مبادرة تنطوي على تصوّر لحلّ الأزمة السورية , تلك التي تضمنها خطاب الرئيس بشار الأسد بتاريخ 6 – 1 – 2013 , ولكنها مبادرة يمكن وصفها بالمدرّعة , أو المُصفّحة , لجهة عصيانها النسبي على قبول المشاركة , نتيجة الحدود الاشتراطية المُختلف عليها سلفا ً . ووصفها باللاواقعيّة من قبل الائتلاف ومن يدور في فلكه , تساوقا ً مع الاجماع الأوربي الأمريكي على هذا الوصف , لا يقدّم جديدا ً في مواقف هذه الأطراف , وإن كان من جديد فهو أن الواقعي واللاواقعي أضحت مفاهيم أخلاقية , لا مفاهيم علميّة ,أو فلسفيّة . وحتى لم تعد مفاهيم سياسية . وعلى أطياف المعارضة السورية , التي وكأنما فوجئت بأن هذه المبادرة ليست مبادرتها , أن تنتبه إلى أن الواقعي واللاواقعي في القاموس السياسي الأمريكي – الأوربي , هو غير الذي تقصده تلك الأطياف في تأتأتها السياسية بكل تأكيد . إذ أن التاريخ الحديث , والأحدث , علّم من أراد أن يتعلم , قانون الحركة والتحوّل في المفاهيم الذي تعتمده أمريكا والغرب الأوربي , وهو الأقرب إلى مفهوم المعايير المزدوجة .
في الأمس القريب , وكانت هذه الأطياف ما زالت لا تمتلك من متكأ سوى تثقيلها الإعلامي من جهات معروفة , أسقطت الشرعية عن السلطة السورية , وعن رأس هذه السلطة . بل وطالبت بتنحية هذا الرأس كشرط لازم وواجب للدخول في أي حوار , أو أية تسوية . وكانت , وما زالت , ترى في طرحها هذا منتهى الواقعية , بل ومنتهى البراغماتية . لكنها ترى اليوم في مبادرة السلطة السورية بعدا ً عن الواقعيّة والواقع . لأنها طرحت تصوّرات السلطة للحلّ , ولم تطرح تصوّرات المعارضة . أي أن هذه المبادرة لم تأت , كي تكون واقعيّة , بمثابة دعوة إلى التوقيع على صك هزيمتها . وكأن من يرسم سياسة هذه الأطياف , أو من ينطق باسمها , يدفع إلى الشك بأنه ليست لديه أدنى معرفة بديناميكية المفاوضات وجريانها , وأنه لم يسمع يوما ً المثل القائل ( تمسك بطلب الألف لتحصل على المئة ) . وربما كان الأمر غير هذا تماما ً , وأن المسألة في جوهرها مجرّد انتحال لصفة واضع العصا في الدولاب , كي لا ينكشف الادعاء , وكي لا يتبيّن العجز عن التأثير في سير الأحداث . إذ على المفاوض ( أقصد المفاوض ) إن تمّت المفاوضات , عاجلا ً أم آجلا ً , أن يجلس على الطاولة وجيوبه مُنتفخة بالأوراق التي يملكها , أوراق الضغط , لا أوراق التواليت . وهنا يقلّ عسر الفهم إذا كان المقصود هو موقف البعض من أطياف المعارضة , المسلّحة منها على وجه الخصوص , في رفضها لأية تسوية , وإصرارها على إسقاط النظام بأية طريقة كانت . وهنا أنتهز الفرصة للتكهن بأن تسوية قد تفاجئ الجميع , إذا أصرّت المعارضة الديموقراطية , الرافضة للحوار , على موقفها , وستكون هذه التسوية على حسابها بالدرجة الأولى , وعلى حساب السوريين بشكل عام تاليا ً . ولكن الذي يبقى عسيرا ً على الفهم هو موقف الطيف الذي يدعوا إلى حلّ سلمي , أو تسوية سلميّة , وفي الوقت ذاته يرفض أية مبادرة , أو أي اقتراح , من شأنه تدوير الزوايا , وتقريب المواقف , التي قد تسهم , ولو بالحدود الدنيا , في بدء الحوار . والحجّة دوما ً أنه لا يعترف بهذا النظام . وكأنما السياسة أمنيات ورغبات و " ركوب رأس " . فهذا النظام حقيقة قائمة , وواقعا ً لا يمكن القفز فوقه , إذ أن أي قفز من هذا النوع فإلى المجهول . وهذا النظام طرف في الأزمة وليس الأزمة , كما يطيب للفانتازيا التنظيرية أن تردّد , على الأقل في المرحلة الراهنة . وهذا الطيف المذكور يبدو أنه لا يحبّذ مواجهة مبادرة بمبادرة , أي طرح سياسي بطرح سياسي , وكأنما مبادرته الوحيدة , هو الآخر , هي مشروع إسقاط النظام . وهو حتى في مشروعه هذا يفتقر إلى أيّة خطط إجرائية تخصّه وتميّزه ( غير تلك العسكرية التي تعتمد على الدعم والتمويل الخارجيين , والتي يقف حيالها موقف المحايد , ولنقل المُنتظر ) كما يفتقر إلى الرؤى الاستراتيجية , والبرامج المستقبليّة التي تتلمّس ملامح سوريا ما بعد السلطة الحالية .
وبالتالي فإن لم يكن هناك من رؤى أو برامج , على أن ذلك سينبثق من وحي اللحظة ( لحظة إسقاط النظام ) , ومن راهنيّة الحدث وأشكال تطوّره , فإننا سنجد أنفسنا ثانية في موقف ( اللحاق ب ) الذي عاشته كلّ قوى المعارضة السورية دون استثناء , وأخصّ الديموقراطيّة منها , إذ وجدت نفسها لاحقا ً ( ليس له غير هذا الاسم ) بالعفوية الشعبيّة التي استعل بها الحراك السوري . وصارت هذه المعارضة من التبعيّة , أو ( الإلحاقيّة ) بمكان جعل الكثير من أطيافها لا يتبيّن طريق العودة , حتى بعد أن بدأ الحراك العفوي بالتمايز وفق خطط , وأهداف , ورؤى سياسية , تتعارض تماما ً مع ما تنسبه هذه الأطياف لنفسها . وذلك بدعوى الأمانة الثورية , وتجنيب نفسها التلطخ بعار خيانة الثورة . على أن خيانتها لمبادئها أمر تكتيكي وكفّارتها جاهزة , إذ لا تتعدى اكذوبة ( التحالف التكتيكي ) لإسقاط النظام . ومرّة أخرى نجد التبعية والالتحاق قدرا ً لأية علاقة , إذ ما من علاقة تقوم على النديّة , وتضمن الاستقلالية , التي تحافظ على الخصوصيّة , يمكن أن تتأسس على مبدأ أخلاقي , بل عاطفي , وليس سياسي . وهذه العلاقة حينما تحصل فلا بدّ أن تقود إلى الانقلاب على القيم والتراث الديموقراطيين بما في ذلك معاني الثورة ومبادئها .
إن هذه التبعية ستزيد من عزلة القوى الديموقراطية , وستجعلها أبعد عن إمكانية التأثير على الأحداث أو توجيهها , وليس العكس , كما يتوهم البعض . وستبقى عاجزة عن المبادرة , بل ستقف عزلاء أمام مبادرات الآخرين , ومنها المبادرة المُصفّحة التي طرحتها السلطة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون الموريتانيون يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد • ف


.. سكان بلدات لبنانية تتعرض للقصف الإسرائيلي يروون شهادتهم | #م




.. أمريكا ترسل 14 ألف قنبلة زنة ألفي رطل لإسرائيل منذ السابع من


.. هل ستتجه إيران لجولة انتخابية ثانية؟




.. شركة بيانات: مشاهدات مناظرة بايدن وترمب أقل من المتوقع بكثير