الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-المليونية- تخطي لحاجز الخوف لا حاجز الرقم

حسام أبو ستة

2013 / 1 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


صدر الثوار المصريون في ميدان التحرير وسط القاهرة للعالم العربي الكثير من التسميات والهتافات الثورية، والتي من أبرزها ربما مسمى "المليونية" والهتاف الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام"، وإن كان من غير الدقيق إرجاع تلك المسميات للثوار المصريين، لكن وبلا شك يعود لثوار ميدان التحرير – كما يحلوا للبعض تسميتهم - الفضل في انتشار مثل تلك الجمل والمفردات الثورية في عالمنا العربي.

لكن مفهوم "المليونية" في حد ذاته شكل تحديا كبيرا لمن أطلقه، حيث أن تلك المظاهرات التي خرجت ضد الأنظمة الحاكمة في بعض الدول العربية وأطلق عليها مسمى "مليونية" لا يمكن لأحد أن يتأكد من صدق الدلالة الرقمية لمسماها، حتى أن كل الاجتهادات التي بذلت للتأكد من ذلك غلب عليها الطابع النظري من خلال معرفة مساحة المكان الذي اجتمع فيه الحشد وقدرته الاستيعابية، إلا إن هذه المحاولات كانت غير موضوعية في الكثير من الحالات وعادة ما كانت تعبر عن الموقف السياسي للجهة المشرفة عليها من تلك المظاهرات.

إذا بغض النظر عن الحجم الحقيقي لتلك المظاهرات "المليونية" إلا أن هذا الاسم أطلق عليها كدلالة على كبر حجمها الذي يعتبر سابقه في حد ذاته، فتلك المظاهرات إضافة إلى أنها حشد ضخم بشكل غير متوقع، فإنها شكلت كسرا لكل حواجز الرهبة والخوف السائد داخل المجتمع التي تخرج منه، فهي بطبيعتها دائما موجهة ضد نظام الحكم السائد بالمجتمع، وهذا ما يبرر على سبيل المثال عدم نجاح الإخوان وأنصار حزب الحرية والعدالة في مصر بإطلاق تسمية "المليونية" على المسيرات التي خرجت لتأييد الإعلان الدستوري الذي أعلنه الرئيس محمد مرسي، على الرغم من أن عددهم لم يكن أقل بكثير ممن خرجوا في "مليونية" معارضي الإعلان الدستوري.

هل يمكن إذا أن نطلق على ما حدث في ساحة السرايا "مليونية غزة"؟

يتفق الجميع على أن الحشد الكبير الذي حضر حفل الذكرى الـ48 لانطلاقة حركة فتح، لم يسبق وأن اجتمع من قبل في أي مناسبة فلسطينية مضت، وإن اختلف البعض في تقدير الرقم الحقيقي للذين حضروا هذه التظاهرة الوطنية، فمنهم من قدره بـ 400 ألف شخص على أعلى تقدير، ومنهم من دعى أن الحاضرين تجاوزوا المليون بمئتي ألف شخص. كل التقديرات بنظري غير دقيقة ولا يمكن التأكد من مصداقيتها، وإن كنت أتفق مع من يرى بأن الحضور كان أقل من المليون لأن من غير المنطقي أن تستوعب ساحة السرايا والشوارع المحيطة فيها هذا العدد الكبير، لكن في ذات الوقت لو نظرنا للأعداد الهائلة التي وطأت بأقدامها ساحة السرايا ومحيطها في اليومين اللذين سبقا الموعد الفعلي للحفل بقصد المشاركة بمناسبة ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية وانطلاقة حركة فتح، لوجدنا بأنها تجاوزت المليون وأكثر.

بغض النظر عن الرقم الدقيق لعدد المشاركين إلا أنه بكل تأكيد شكل سابقة في عدد المشاركين فيه، إضافة لأنه كان مفاجئاً خاصة لحركة حماس التي تحكم قطاع غزة منذ أكثر من خمسة أعوام، والتي أقامت حفل انطلاقتها على أرض الكتيبة قبل ما يقرب من شهر، وشارك فيه عدد كبير جدا من أعضائها وأنصارها في قطاع غزة، لكنه لم يخرج عن المألوف ليس لأن حجم المشاركة فيه أقل فقط، لكن لأن المشاركة فيه لا تحمل أي تحديا لحاجز الخوف والرهبة والدعوة للتغيير، وهو بذلك لا يختلف عن حفل انطلاقة فتح في رام الله حتى لو شارك فيه أكثر من مليون فلسطيني، فلا "مليونية" لحماس في غزة ولا "مليونية" لفتح في رام الله، وهذا ما يدفعني للقول بأن الحشد الذي حضر حفل انطلاقة فتح على أرض السرايا في غزة يوم الجمعة الماضية كان أول "مليونية" خرجت في فلسطين.

الأسباب التي دفعت بهذا الحشد نحو السرايا:

يمكن الحديث عن ثلاث عوامل أساسية وقفت خلف مشاركة هذا العدد الهائل من الجماهير في حفل ذكرى انطلاقة حركة فتح لهذا العام، الذي احتضنته أرض السرايا في قطاع غزة، بعض من تلك العوامل له علاقة مباشرة بحركة فتح في قطاع غزة وجماهيريتها، وبعضها الآخر مرتبط بالمناخ السياسي والاجتماعي للقطاع إبان تحديد موعد الحفل.

أولاً: التحدي الجماهيري الأول لفتح بعد هزيمتها في انتخابات 2006: مما لا شك فيه بأن نتائج انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 اعتبرت هزيمة قاسية لحركة فتح ، ومنذ هذا التاريخ وحتى ما قبل الانطلاقة بقليل لم تتح الفرصة أمام حركة فتح في القطاع لترفع عنها ما لحق بها بعد الانتخابات، فكان هذا الحفل التحدي الأول لحركة فتح لإثبات وجودها في قطاع غزة بعد ما أن اعتقد البعض بأن جماهيريتها تلاشت في قطاع غزة، خاصة بعد أن بسطت حركة حماس نفوذها بشكل كبير على القطاع بعد أن حسمت الأخيرة صراعا دمويا على السلطة لصالحها.

هذا ما دفع الحركة لأن تستنفر جميع أنصارها لإنجاح المهرجان، وجعلها تنحي جانبا بعض خلافاتها الداخلية ولو قليلاً، لتثبت بأنها ما زالت قادرة على استقطاب الغالبية الفلسطينية.

ثانياً: حماس وحكومتها ساعدتا فتح على الحشد للمهرجان: فبعد أن ساد لدى الشعب الفلسطيني شعور بقرب انفراج الحالة الوطنية المتأزمة بفعل الانقسام، خاصة بعد العدوان الأخير على قطاع غزة والذي تلاه معركة أخرى دبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة، وما نجم عنهما من أجواء إيجابية إلى حد ما في الساحة السياسية الداخلية، ماطلت حركة حماس وحكومتها بالسماح لحركة فتح بإقامة مهرجان انطلاقتها الـ48 في قطاع غزة، حيث رفضت أن يقام الحفل في ساحة الكتيبة، ومرة أخرى رفضت إقامته في ساحة السرايا بل إنها اقترحت مكان ثالث رفضته بدورها حركة فتح التي فكرت أكثر من مرة بإلغاء الاحتفال.

هذه الحالة التي أظهرت حركة حماس على إنها غير راغبة في إقامة الحفل ولا تسعى لتعزيز المناخ الإيجابي للمصالحة، وهذا ما استنكرته قطاعات واسعة من شعبنا الفلسطيني بمن فيهم الكثير من مؤيدي وأنصار حركة حماس خاصة في الضفة الغربية، مما شكل تعاطفا كبيرا لدى الجماهير الفلسطينية بمختلف أطيافها السياسية والحزبية مع حركة فتح في قطاع غزة، الذي ترجم هذا بإصرار الغالبية من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على المشاركة في الحفل، وإن اختلفت مع الخطاب السياسي للحركة.

ثالثاً: قطاع غزة المخزون الوطني الأكبر: فبرغم ما لحق بغزة من دمار وحصار وظلم وإهمال حتى من ذوي القربى، إلا إنها تأبى أن تستكين أو أن تتخلى عن دورها الريادي في العمل الوطني الفلسطيني؛ فغزة لا تخذل أحدا حتى وإن خذلوها، لكنها لا تقبل بأن تسلب إرادتها أو أن ترضخ بالقيد والحديد لحكم أحد، وغزة ليست لأحد بل هي رهن للكل الوطني المقاوم.

فما أن لجأت حركة فتح لقطاع غزة لتتذكر معه التاريخ المشرف للثورة الفلسطينية وانتصاراتها ورجالاتها وتضحياتها، وخاطبت العقل الجمعي له التواق لإنهاء الانقسام بخطاب الوحدة الوطنية، حتى بادرت غزة بإغداق العطاء لفتح في ذكرى انطلاقتها، وذكرى الثورة الفلسطينية التي لا يجوز لأحد أن ينسبها لنفسه دون الآخر، كما ليس من حق أحد أن يزورها أو ينكرها.

هذه العوامل وغيرها التي وقفت خلف دفع كل تلك الجماهير للمشاركة في حفل انطلاقة فتح في غزة، ليست متاحة بدون شك لحركة فتح دون غيرها، بل ليست متاحة دائما لحركة فتح، فكما دفعت الظروف الشعب الفلسطيني هذه المرة للتعاطف مع حركة فتح، فقد تدفعه مره أخرى للتعاطف مع غيرها كما فعلت بالسابق مع حركة حماس، لذا من غير السليم النظر لتلك الجماهير من خلال المعايير الانتخابية، فلو كان الأمر كذلك لأصبح عدد سكان قطاع غزة خاصة بعد حفل انطلاقة حركتي فتح وحماس يفوق عدده الفعلي بمليون أو أكثر!!!

في الختام... فإني على قناعة تامة بأن الرهان يجب أن يكون على الشعب لا القيادات والأحزاب، لذا يبقى التساؤل مشرعا أمام المستقبل، هل ستشهد المدن الفلسطينية بالقريب العاجل "مليونية" من أجل إنها الانقسام؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل عشرات المدنيين الفلسطينيين في غارات جوية إسرائيلية على


.. رويترز: مقتدى الصدر يمهد لعودة كبيرة من باب الانتخابات البرل




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وسلوفينيا| #عاجل


.. انطلاق فعاليات تمرين الأسد المتأهب في الأردن بمشاركة 33 دولة




.. اليوم التالي للحرب في غزة.. خطة إسرائيلية وانتقادات لنتنياهو