الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حريم السلطان بين العمل الفني والتاريخي

اميرة بيت شموئيل

2013 / 1 / 10
الادب والفن


المسلسل التركي القرن العظيم او( حريم السلطان ) كما يسمى بترجمته العربية، يشهد الكثير من التجاذبات الحوارية والخلافات في الواقع والمواقع الانترنيتية المختلفة (التويتر ، الفيسبوك، اليوتيوب، الفورمات المختلفة) والتي تعلوا اصواتها احيانا كثيرة وتتحول الى قضايا مرفوعة ضد طاقم المسلسل وخاصة كتاب السيناريو .
هذا المسلسل المشوق والذي بدأت بكتابة السيناريو له الكاتبة التركية ( ميرال اوكاي) ولم يتوقف حتى بعد موتها في 9/نيسان/2012 ، تعرض الى الاف الدعاوي التي قدمت ضده من مختلف الجهات والشخصيات لاسباب عديدة ومختلفة اعتراضا على تقديمه (اكثر من 70 الف دعوة)، منها اعتراض البعض على الدخول في الحرملك وحياة حريم السلاطين ، المحذور الدخول فيه اساسا . ومنها يعترض على اعطاء الدور للسلطانات كمسيرات لحياة السلاطين وتصوير السلاطين كضعفاء خاصة السلطان (سليمان) الذي سمي بالقانوني والعظيم والخليفة وغيرها وصور في اغلب كتب التاريخ كاقوى قائد في الامبراطورية العثمانية والعالم. كذلك هنالك من يعترض على ملابس النساء وخاصة السلطانات والتي يعتبرها فاضحة ولا تليق بحريم السلطان الاسلامي. كما ان هنالك من يعترض على حياة البذخ وشرب المحرمات (الخمرة) والرقص والعربدة في قصور الحريم وغيرها من الافعال المحرمة ، ناهيك عن الموأمرات واساليب القتل العديدة التي مورست في الحرملك. وغير ذلك من الاعتراضات.
ويظهر ان السيد اردوغان ، رئيس الوزراء التركية قد تدخل ايضا وانتقد المسلسل واعتبره مغالطا للتاريخ التركي في تصوير هذه الحقبة والتقليل من شأن السلطان سليمان ومقامه ، كذلك انتقد الملابس النسائية وسفور النساء في باحات القصر او الحدائق.
لنقف عند كلمة كاتبة السيناريو ، السيدة (ميرال اوكاي) عندما دافعت عن قصتها قائلة انها من جنح الخيال، حيث اشتقتها من البعض القليل من المعلومات التاريخية التي عرفتها سواء من الكتب او من الباحثين التاريخيين الذين استشارتهم . وهنا نجد ان الكاتبة كانت واضحة جدا مع نفسها ومعنا كجمهور واوضحت ان كتابة السيناريو كان خيالا مشتقا من بعض الدراسات، لانه لم يتجرأ احد من الكتاب تاريخيا الدخول الى الحرملك والكتابة عن طبيعة الحياة والعلاقات بين من يعيش فيه من السلطانات ومحضيات وجاريات وخادمات ورجال مخصيين وحراس اشداء ، فالحرملك ككل كان من حق السلطان فقط التجوال فيه بحرية ومتى ما يشاء وقد شددت عليه الحراسة ومنع الاخرين من الدخوله والتجوال والخروج منه.
لكن حتى لو فرضنا ان كتاب السيناريو قد اطلعوا طويلا على التاريخ ، فلن يتمكنوا من الدخول الى الحرملك الا باستخدام الخيال الى جانب التاريخ والسبب كما قلنا هو التعتيم على الحرملك نفسه ، وعدم وجود كتابات تاريخيا حول طبيعة الحياة فيه، الهم الا بعض الاحداث التي زرعت الاستنتاجات من حولها، هذا بالاضافة الى انه حتى كتب التاريخ تخالف بعضها البعض في وصف حقبة معينة، فعلينا ان لا ننسى ان كتاب التاريخ ايضا كان عليهم رؤساء او كتبوا ما كتبوا وفقا لظروفهم او مصالحهم كما يجري اليوم بالضبط. فمن اين ستأتي الكاتبة بالخبر اليقين او الاحداث الحقيقية.
كعمل فني ، يعتبر المسلسل باخراجه وابطاله وطاقمه ، رائع ويأخذ المشاهد الى عالم لم يراه من قبل ، من حيث ان جميع المشاركين في التمثيل من الابطال الى اخر ممثل ، يعيشوا الاحداث بكل احاسيسهم.
المكان والديكور الذي يمثل القصور اكثر من رائع وكذلك الالبسة والاكسسوارات، وان وجدنا احيانا بانهم يعيدون الالبسة والاكسسوارات والديكورات ولكن لابد وان يكون العمل قد كلفهم غاليا وما دامت محتفظة بجمالها فلابأس.
اما لو تابعناها كقصة ، فبالرغم من انها قد مزجت الخيال مع بعض الحقائق التاريخية واخرجت عملا فنيا ممتعا ، نجد انه فعلا هنالك بعض التجني في بعض الاحداث من حيث انها ابتعدت عن المنطق.
1- ليس من المعقول ان تقيم زوجة السلطان ( هورام او هويام) عدة لقاءات سرية مع الوزراء او مسؤولي الحرملك من الرجال او غيرهم ، وفي غرف تطرد منها حتى مرافقاتها. فالحرملك اشترط على الرجال الذين يتعاملون معهم نساء الحرملك ان يكونوا مخصيين، والوزراء ومسؤولي الامن ليسوا كذلك، فما الفائدة من المخصيين اذا كانت نساء السلطان يعقدن لقاءات سرية مع السويين من الرجال دون وازع . الافضل لو كان هنالك دور اكبر لزوجات الوزراء اللواتي كانت هورام تشاركهن في مشاريعها ، ويجعلوا منهن حلقة بينها وبين ازواجهن ، بدل لقاءاتها السرية بالرجال.
2- التقليد العثماني كان ان لايتزوج السلطان من امرأة حرة لئلا تقع يوما في اسر السلاطين او الملوك ويهينوه في زوجته كما حدث لاحد جدود السلطان سليمان ، وربما هو بايزيد الاول، وعندما قرر الملك سليمان خرق التقليد العثماني وأعتق احدى زوجاته (روكسانا والتي سميت هورم اي الباسمة) حيث حررها ومن ثم تزوجها وهي حرة ، استنتج الناس انه لابد وان يكون قد احبها اكثر من الاخريات، دون ان يلاحظوا بانه قد يكون هنالك سبب اخر وهو انه قد اطلق حرية احداهن لتستطيع مثلا زيارة المدن المقدسة ( كالكعبة مثلا) وتقديم الخدمات لزوار بلاد الحرمين ( فقد ساهمت في اكمال بناء مناطق تجمع المياه العذبة لتسقي عطش زوار الديار المقدسة كما فعلت زبيدة زوجة هارون الرشيد) وكذلك بناء المساجد وغيرها من الاعمال الخيرية التي لن تستطيع تقديمها الجواري.
3- كذلك نجد ان وجود بعض الرسائل الغرامية من سليمان لهورم قد يقودنا الى الاستنتاج بانه كانت زوجته المحببة ، ولكن الم يكن سليمان يكتب الاشعار حتى قبل لقائه بهورم ؟؟ هل بدأ بكتابة الاشعار بعد وجود هويام في حياته؟؟ احقا لم يقل شعرا لجاريته وام ولده مصطفى (ماه دوران) والتي سماها ( وردة الربيع) حيث شبهها بوردة الربيع لجمالها ؟؟؟ احقا لم يقل لها الاشعار وهو الذي شببها بوردة الربيع ؟؟ ولكن هذه الاشعار غير موجودة ... فلماذا لا نستنتج بانه قد كتب لماه دوران الاشعار الغزلية ولكنها احرقتها بعدما امر سليمان بقتل مصطفى ابنهما. هنالك من قال ان ماه دوران كانت اجمل زوجات سليمان ولكن هورم كانت تملك وجها مبتسما فقط ، وليس كل من يحمل وجها مبتسما يكون جميلا.
4- الوالدة الام ( ام السلطان سليمان) حكمت الحرملك حتى توفيت دون منغصات، اي لم يتم قتلها او اغتيالها، وهذا يقودنا الى ان (هورام ) لم يكن لها دور في ادارة الحرملك ولا غيرها.
5- المسلسل ابتعد، مع سبق الاصرار، عن تصوير المنافسات الرجالية بين الملك وابنائه او بين ابنائه ، على القوة والحكم، حيث صورهم متحابين اغلب الاوقات، مع العلم ان هكذا منافسة ليست بعيدة عن تاريخ السلطنة العثمانية ، فوالد السلطان سليمان وهو الملك سليم الاول قام بمطاردة اخوته والقضاء عليهم واحد واحد ولم يبقي احدهم على قيد الحياة لئلا ينازعوه الحكم، فلماذا لا يكون مقتل ابراهيم ومصطفى بامر من سليمان نتيجة للمنافسة بينهم على القوة والحكم ، فمصطفى اخذ يتقوى ويتقرب الى الانكشارية (كما فعل جده سليم الاول) وابراهيم كوزير اعظم تقرب الى قوة مصطفى ، فخشى السلطان سليمان من قوة ابنه ورئيس وزراءه فأمر بالقضاء على رئيس وزرائه اولا، وهنا تم اختيال محمد ابن هورام الاكبر ( من قبل مطصفى او اعوان ابراهيم او من قبل سليمان نفسه) وبعدها اعطى سليمان الامر باعدام ابنه مصطفى. قد يكن النساء تدخلن في تنافس الرجال كل الى جانب ابنائها ولكن ليس من المعقول ان يكون الملك وابناءه والوزير الاعظم سمن على عسل وبعيدين عن التنافس على القوة والحكم. لاننسى انه حتى بعد ان توفيت هورام امر السلطان سليمان بقتل ابنه منها وهو بايزيد عندما شعر بخطره في التنافس ولم يهتم لذكرى حبيبته هورام ولا هم يحزنون.
6- تقرب السلطان من رستم باشا لابد وان يدخل كنتيجة للصراع بينه وبين ابراهيم ومصطفى. كذلك دخول رستم باشا في دائرة الصراع لابد وان كان لاجل منصب الوزير الاعظم او رئيس الوزراء فيبدأ باحاكة الدسائس من اجل منفعته الخاصة ولكن وجود هورام الى جانبه لابد وان يأتي بعدما تزوج من ابنتها لتتمكن من الاتصال به بسرية وليس قبل ذلك.
طبعا هنالك العديد من الملاحظات الاخرى ولكننا نكتفي هنا بعرض ماسبق من الملاحظات التي قد تلقي الضوء على ضرورة النظر الى المسلسل كعمل فني درامي اكثر من كونه عمل تاريخي ، والسبب هو افتقاره الى المنطق في العديد من مشاهده .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي