الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للأسف.. أميركا دائماً أقوى

سامر خير احمد

2005 / 3 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


لا نروج للاستسلام، ولا نعبر عن هزيمة ذاتية، لكن أليس من الضروري بعد كل هذا الذي يجري أن نسأل أنفسنا عن سبب هزيمتنا الدائمة؟ منذ أن "استقلت" دولنا عن الاستعمار العسكري المباشر ونحن نتلقى الهزيمة تلو الهزيمة. تلك هي الحقيقة ولا تغرنكم "النفخة الكذابة".
قبل خمس عشرة سنة، على سبيل المثال لا الحصر، كان صدام حسين يتوعد أميركا بالويل، وبدأ "أم المعارك" بالإعلان عن إسقاط (101) طائرة معادية دفعة واحدة. كان الشارع العربي المؤيد له يحس أنه سيخرج إلى فجر العرب والمسلمين، لكن تبيّن أن قوة العراق المزعومة لا تساوي نقطة في بحر قوة وإمكانات أميركا، وانتهت جولة الحرب ولم ينجح جيش صدام فعلياً سوى في إسقاط طائرة أميركية واحدة.
"معركة الحواسم" لم تكن بأفضل حال، وعلى أية حال فإن أحداً لم يتوقع من صدام أكثر مما فعل، فقد كانت الحقيقة بيّنة للجميع: أميركا هي الأقوى. لكن –وللغرابة- اصطف كثيرون، ولا يزالون، خلف ما يفترض أنه مقاومة إسلامية في العراق باعتبار أن الإمكانات ليست ضرورية بذاتها ما دامت المسألة مربوطة بعون الله. افترض هؤلاء أن المقاومة قادرة على إخراج المحتل الأميركي جرياً على ما حدث في فيتنام مثلاً، متناسين أن حرب فيتنام وقعت في خضم الحرب الباردة ولم يكن المقاومون الفيتناميون عندها مكشوفي الظهر كما هو حال العراقيين الذين يعاديهم العالم كله، فهل يمكن أن ينصر الله قوماً دون إمكانات، هذا على افتراض أن تلك المقاومة إسلامية فعلاً، مع أن اعتقادي الشخصي إنها مقاومة تراثية تريد أن تتمثل الحدث الجهادي في تاريخ المسلمين لا أن تقدم فعلاً جهادياً يناسب الإسلام في الواقع المعاصر، بمعنى إنها تريد أن تعيد الزمن إلى الوراء وذلك أمر مستحيل الحدوث كما أن من غير الطبيعي أن ينصر الله فعلاً كهذا وهو الذي أنزل ديناً صالحاً لكل زمان. وهكذا سيكتشف مناصرو المقاومة العراقية بعد قليل أن أميركا هي الأقوى، وسيحبطون –للأسف- كما أحبطوا دائماً، وسيتبين أن أميركا ليست –أبداً- غارقة في وحل العراق، وأن في جعبتها من الحلول العسكرية الكثير. ولا تغرنكم –مرة أخرى- الأحاديث عن استعداد الجيش الأميركي للرحيل من العراق، وعن الأوجاع التي يتلقاها تحت ضربات المقاومة، ولا تغرنكم "التحليلات" التي يطلع علينا بها من استولوا على منابر المفكرين الحقيقيين ليروجوا لأحلامهم، فذلك كله من المكابرة ومن دفن الرؤوس في الرمال ابتعاداً عن الواقع، فالحقيقة التي يجب أن نعترف بها وللأسف أن أميركا هي الأقوى وهي التي تملك الإمكانات التي صنعتها باحترامها لإنسانها وبنهضتها العلمية وبإخلاص قياداتها وبالتخطيط الاستراتيجي الذي يخدم مصلحتها.
هل يعني ذلك الاستسلام لأميركا والقبول بها قدراً؟ لا. أبداً لا. ولكن المطلوب رؤية الواقع على حقيقته وإدراك السياقات التي قادت إليه، ثم الإجابة بمنطق عن سؤال الهزيمة المحيّر.
البعض يرى أن سبب هزيمتنا هو "ابتعادنا عن الله"، والمقصود التقصير في العبادة وارتكاب المحرمات، ولذلك يقولون أن النصر سيتحقق أوتوماتيكياً إذا صرنا "إسلاميين"، وقد حاولوا فعلاً أن يصيروا "إسلاميين" فإذا بهم يريدون إعادة إنتاج زمن الصحابة ليس إلا، وذلك –طبعاً- ليس الإسلام، فهُزموا وسيهزمون. والبعض رأى أن سر النصر هو تمثل الحضارات المعاصرة المنتصرة، خاصة الأميركية، بما فيها من تفاصيل اجتماعية واقتصادية فضلاً عن السياسية لا بمجرد منهجها فقط، أي بمعنى أنهم أرادوا إعادة إنتاج الآخر في واقعنا ومكاننا، لكن ذلك عكس طبيعة الأشياء، فرغم أن بعضاً من أنصار تلك الرؤية وجدوا في السلطة في أكثر من بلد عربي وإسلامي، وكان خيارهم دائماً "أميركياً" إلا أنهم لم يخرجوا من حالة الهزيمة.
لم يجرب العرب والمسلمون أن يكونوا "هم" أي أن لا يقلدوا أحداً سواء عاش في ماضينا أم في حاضر أميركا. فالحقيقة أن لا شيء جعل أميركا قوية ومنتصرة دائماً إلا أنها كانت –على الدوام- هي. ولا شيء جعلنا مهزومين إلا أننا لم نكن نحن وأردنا دائماً أن نقلد الآخرين ونعيد إنتاجهم في ذواتنا.
هكذا فإن أول النصر هو أن نقطع علاقتنا بالماضي على مستويي الفكر والسلوك الاجتماعي. في الفكر علينا أن نتوقف عن ترديد المحفوظات من أقوال الذين سبقونا بالإيمان، فالقرآن نزل إلينا تماماً كما نزل إليهم، ونحن رجال تماماً كما هم رجال. أما في السلوك الاجتماعي فالمطلوب التوقف عن اتباع "التقاليد" فهذه للمتاحف لا للواقع، وما التقاليد إلا "دليل الأغبياء إلى حياة أفضل" فالأغبياء غير قادرين على التعامل مع الحياة ويحتاجون تقليد آخرين أحسنوا صنعاً في حياتهم علّهم يحسنون مثلهم! إن القطيعة مع التقاليد تستوجب العيش وفق ما يناسب المكان الذي يعيش فيه المرء، فمن يعيش في مدينة –وأكثر العرب يعيشون في مدن لا في البادية- عليه أن يتصرف بطريقة مدنية لا بدوية، كما أن القطيعة مع التقاليد تستوجب من المرء التصرف وفق ما تقتضيه مصلحة الإنسان واحتياجاته لا وفق ما يفرضه عليه المجتمع (المتخلف بالضرورة، لأن من يسعى لفرض السلوك على الناس إنما يصدر عن عقل متخلف لا يدرك قيمة الإنسان وأهليته). ومن جهة ثانية تتعلق بالسلوك الاجتماعي ينبغي التوقف عن تقليد الأميركان في مظاهرهم والتوقف أيضاً عن المفاخرة باستعمال مصطلحات إنجليزية/ أميركية في التخاطب فيما بيننا وهي التي تنطلق من اعتبار ذلك تحضراً (!) والعودة إلى الذات الحاضرة وفق ما يناسبها، وقد يناسبها بعض ما لدى الأميركان لكن ليس كله، خاصة استعمال لغتهم!
إذا أردتم أن تهزموا أميركا، فتخلصوا من الخزعبلات التي أنتجت لنا دينناً خارج العصر والزمان وسيطرت على عقول الناس بالترهيب والتخويف من عذاب يأتي من الله جزاء أشياء لم يحرمها الله، فعطلت قوى الناس عن الفعل. وإذا أردتم أن تهزموا أميركا، فتخلصوا من البداوة التي تُشيّئ الإنسان وتجعله رقماً في قطيع لا فرداً منتجاً ذا عقل راجح قادر على الفهم والفعل. فأميركا تحاربنا بعقول علمائها ونحن نواجهها بالحسب والنسب والخرافات!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بيسان إسماعيل ومحمود ماهر.. تفاصيل وأسرار قصة حبهما وبكاء مف


.. إسرائيل تتوغل في جباليا شمالا.. وتوسع هجماتها في رفح جنوبا |




.. واشنطن: هناك فجوة بين نوايا إسرائيل بشأن رفح والنتيجة | #راد


.. الكويت ومجلس الأمة.. هل أسيء -ممارسة الديمقراطية-؟ | #رادار




.. -تكوين- مؤسسة مصرية متهمة -بهدم ثوابت الإسلام-..ما القصة؟ |