الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ورطة غرامية: ما بين العشق والاحتلال

نورس كرزم
باحث وموسيقي متخصص في علم الدماغ والأعصاب

(Dr. Nawras Kurzom)

2013 / 1 / 11
الادب والفن


ورطة غرامية: ما بين العشق والاحتلال

نورس كرزم

عندما أتذكر خصلات شعرها، تدبُّ في أوصالي رعشة غريبة. عندما استذكر صوتها الذي هو في الواقع خرير نهرٍ أثيري، أغيب في دهاليز الذاكرة، وأتوه بين شظايا ذاكرة محطمة. ضفائر شعرها الشقراء تجلب إلى مخيّلتي شتى أنواع التصورات الجميلة: فهي ذلك المحيط الفسيح، وأنا سمكة ضائعة في مياهه، اتجنب في كل حين الوقوع في شباك الصياد اللعين.

لكني ومع ذلك، لا أخفي شعوري بدفء مياه هذا المحيط، ولا أتخيّل نفسي يوماً ما وقد وطأت اليابسة، فاليابسة لمن جفت ينابيع أفئدتهم، وعصرت الحياة قلوبهم فكوّرتها إلى تفصيلة هامشية.
لم أنبّش في حقيقة الأمر عن ماضيها، ولا وطنيتها ولا انتمائها، فقد فرضت هالتها الملائكية عليّ نوعاً من الحظر، فكل ما هو منوطٌ بالدماغ أضحى محظوراً بشكل لا شعوري.

وحدث أن أضفتها على الموقع الشهير “الفيسبوك”. والفيسبوك، بلونيه الأزرق والأبيض يجعله -رغماً عني- مُسيّساً، ويمنحني دوماً ذلك الانطباع القريب من مشاهدة العلم الاسرائيلي الذي يحمل نفس الألوان، لذلك أتحسس في باطني ذلك التوجس الوطني كلما ولجتُ عالم الفيسبوك.

ولعله ليس من الفراغ في شيء أن يصطبغ حديثي عن الفيسبوك بهذا اللون السوداوي، فما حدث لي في ذلك اليوم شظّى ما تبقى ما فتات نفسي، وجعلني حائراً حيال الحياة برمّتها.

فبينما كنتُ في يوم رائقٍ أتصفح صفحات الفيسبوك، وقعت عيناي على صورة مجندة اسرائيلية، لم أعرها اهتمامأً في البداية، وقد كان أصحاب الصفحة يكيلون عليها الشتائم واللعنات، فقلتُ في داخلي: لعلها إحدى المجندات المدسوسات، وما أكثرهم في “اسرائيل”. فتناسيتُ الموضوع، كأي أمر عابر يمر علي يومياً.

إلا أنه، ولسبب خفي، لم تتمكن رياح ذاكرتي الهوجاء، من مسح تلك الصورة كلياً من ذهني. فعدتُ إلى الصورة بعد حين، مدفوعاً بإحساس غريب ما فتأ يتنامى في نفسي. كبّرتُ الصورة، توغّلتُ في تفاصيلها…إنها هي!.

ولك عزيزي القارئ أن تتصوّر ما خالجني من انفعال، كيف لا و ثياب التجنيد الاسرائيلي قد اغتصبت جمال من كنتً عاقداً عليها أحلامي!، كيف لا وتلك الضفائر العسجدية التي ململت رقادي أصبحت الآن تنسدلُ على رداءٍ قتل أعز الناس على قلبي: خالي الشهيد!.

بسرعة جنونية فتحتُ حسابها، ودخلتُ على تفاصيل حياتها التي أشاهدها لأول مرة الآن. فقد كنتُ في الماضي مسلماً تسليم الأعمى بتفاصيلها وهي حاضرة، ولم يساورني أبداً شك حيال ماضيها أو انتمائها، فقد كان قلبي هو المكان الوحيد الذي تنتمي إليه.

الديانة: يهودية، الجنسية: اسرائيلية، العمل: في الجيش الاسرائيلي…هذا ما كُتب على صفحتها، وهو أيضاً ما سطّره الزمان على هيئة قروحٍ لا تفارق إحساسي حتى اليوم.

اكتشفتُ حينها كيف ومتى يصير الإنسان فيلسوفاً، وكيف بمقدور المرء أن يغوص في كنه الحياة. يُقال الحب الأعمى، إلا أنه في هذه الحالة ارتدى نظارات، وهي من النوع الذي يجعلك ترى تفاصيلاُ ما بحجم مهول، بينما تتراجع التفاصيل الأخرى خجلاً.

حينها كنتُ أراقب صراعاُ مريراُ: فوحش الوطن يقف بسيفه المسلول أمام وحش الغرام غير المسلح. ولكم أن تتخيلوا نتيجة هذه المعركة المحسومة، والتي لم تدم أكثر من ثوانٍ معدودات.

إلا أن أمراً آخر أشد إلحاحاً بان لي من هذه الواقعة. فالوطن هو الأنثى الأولى التي لا حياد عنها، وإن توهمنا لبرهةٍ بأننا منفصلون عنه، وهذا هو النفاق بعينه.
أمام جدائل الوطن الملائكية، يخبو ألق ضفائرها التي كانت يوماً ما ذهبية. أمام ابتسامة الوطن الدافئة، تضيع ملامح ثغرها. أمام حنوّ نظرات الوطن، يتضائل بريق مقُلتيها.

وبعد هذه التجربة الأليمة، أنظر مع كل إشراقة صباح إلى نبض فؤادي، أراقبه، فاستشعر به شذوذاً غامضاً عن الانتظام الطبيعي. هنالك خدوش ما في خارطة فؤادي، هي غير جليّةٍ تماماً، إلا أنها تبعثُ في الدماغ بين الفينة والأخرى صوراً مشوّهة، تُضفي على يومي إحساساً ما هو خليط ما بين الكآبة وما بين إنجلاء الحقيقة….

فلسطين المحتلة
2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب