الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاهتمام بالتراث مسألة أصول أم ردة فكرية.

الاعرج بوجمعة

2013 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


يعتبر موضوع النهضة من الموضوعات الفكرية العميقة شديدة التشعب والاتساع، حيث ظل هاجس النهضة والإصلاح صفة ملازمة لثقافات الأمم، هذه الاشكالية (النهضة) التي ظلت تقلق وتفزع المخيال العربي، كانت نقطة انطلاقها هو سؤال جوهري: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ تناسلت عن هذا السؤال أسئلة اخرى منها كيف نتعامل مع الترات؟ هل هذا الاهتمام المتزايد يعبر عن ردة فكرية؟ رغم الاجابات على هذه الأسئلة تختلف من مفكر اصلاحي إلى أخر، إلا ان الهدف واحد، هو الوقوف على هذه الهوة السحيقة بين الكينونة العربية والآخر.
فليس التقدم المطلوب والنهضة التي يحلم بها كل عربي، مجرد رغبة نفسية للذات التي أتعبها السبات التاريخي المرير من جهة، وتقدم الأخر المروع من جهة أخرى، وإنما التقدم والنهضة في تحرير الوعي العربي من الحالة الخطيرة للعطالة الفكرية وتقليد الآخر بدون القدرة على ممارسة حق وضع الحواجز الجمركية في وجه كل من ينتزع من حياتنا الاستقلالية، ويسلبنا – من تم – الحق في التمتع بخصوصية هويتنا المتميزة.
لاشك أن البحث في إشكالية النهضة، خاصة في علاقته بمواضيع مثل التراث والهوية والحداثة.. تمليه المرجعية التاريخية المركبة الناظمة لنسج الخطابات العربية المعاصرة، فأي كتابة من داخل فكرنا العربي لا بد لها أن تستوعب محاولة التوفيق بين منظومة التراث التي لا يمكن البتة الاستغناء عنها وبالتالي تجاوزها، ومنظومة الحداثة الوافدة من عند الآخر. فالذات العربية متمزقة الأحشاء التي ظلت تعاني ويلات الاستعمار وحرقة التخلف، كانت عرضة لأي إيحاء إصلاحي عابر، فشمل الاصلاح تطوير الوعي العربي والمراهنة على إنشاء الدولة الحديثة القادرة على مسايرة الركب الحضاري العام، مرورا بكل القطاعات المشكلة لنسج الحياة الاجتماعية. هذا السجال المطروح الذي تم بين من يعتبرون أنفسهم حداثيون، هل استطاعوا الاجابة على الأسئلة أو بالأحرى السؤال المطروح: هل الانسلاخ عن الماضي والابتعاد عن العقيدة (القرآن – السنة)، ومن تم محاكاة النموذج الغربي الحداثي كفيلان بتحقيق ثورة الإنسان العربي وبلوغه مرحلة النهضة على الطريقة الغربية؟؟
1. إشكالية الأنا والآخر، بؤرة الصراع.
ننطلق من القاعدة التالية في مقاربتنا هذه، "إن نقد "الأنا" يتطلب نقد "للأخر"، ونقد "الأخر" لا يكون جذريا إلا إذا كان أولا وقبل كل شيء نقدا لصورته في "الأنا" الناقد" .
إشكالية الثنائيات هي ما ميز الفكر المعاصر ( الذات – الأخر، شرق – غرب..)، وكفية التعامل مع هذه الثنائيات وما هو المنطق الذي ينبغي اتباعه، مناشدة النكوص وتأليه الذات العربية والبكاء على الأطلال، وهذا ما دعى إليه العديد من المفكرين، أي العودة إلى التراث والسلف الصالح، وهناك من رأى في هذه العودة والنكوص بيت القصيد في تأخرنا، فرفع شعار القطع مع الماضي والانفتاح على الأخر رغم هويته المختلفة عنا، ما دام قاسمنا واحد هو النهضة وتحقيق التقدم.
لقد نشأ هذا النوع من التفكير مع اول نكسة تعرضت لها الأمة العربية بعد "هزيمة يونيو 1967" ، فكانت هزيمة على مستوى جميع المجالات وليس العسكري فقط (هزيمة الجيش المصري)، كانت هزيمة فكرية وعلمية، زعزعت الثقة في كثير من القيم التي عاش الإنسان يتمثلها ويسعى إلى تحقيقها، فكثرت الخطابات والشعارات الفارغة من المعنى التي كانت ترددها الأنظمة الكاطونية، والأحزاب السياسية الحالمة إلى الاستحواذ على الحكم، لكن سرعان ما أصبحت هذه الثماني عبارة عن أضغاة أحلام خصوصا بعد وفاة جمال عبد الناصر، وبناءا عليه يظهر بوضوح كيف أسهمت هذه المحنة في بروز الكتابات النقدية بداخل الفكر العربي المعاصر، الذي اتخذ من التراث والماضي عموما مجالا للبحث عن الأسباب والملابسات، بل وشروط الهزيمة والانتصار، فكانت الاجابة إما صراحة أو بشكل ضمني، حيث ان المشكل الأكبر يكمن في العلاقة الحميمية مع هذا التراث، فصارت التيارات الليبرالية والعلمانية تصرخ وتقول بضرورة القطع مع الماضي، حيث ركزوا على الدين خصوصا كتراث إسلامي ميز مرحلة من مراحل الإنسان العربي التواق إلى التحرر والمنسلخ عن الماضي والمتجه نحو الحداثة والتحديث. غير أن هذا الأسلوب في التعامل مع الذات والغير لم يعطي النتائج المتوقعة ولم تتحقق المدنية العربية، وإنما بقي المجتمع العربي على حاله، كما بقيت دار لقمان عى حالها.
الصراع اليوم بين الأنا والأخر لم يقف عند حد التراشق بالكلمات: (كافر – متخلف، مسلم – ملحد ..) وإنما الحرب اليوم هي حرب ثقافية ترتدي جلباب ديني، بمعنى اليوم أمام صراع ثقافي حاد يحاول كل طرف تسويق ثقافته بمختلف الطرق سواء بنظام عالمي جديد متمثل في العولمة، والزحف المستمر من أجل خلق مستعمرات تابعة للدول العظمى.. أو من خلال حرب إرهابية مستترة تحت لواء الدفاع عن الدين أو ما يسمى بالحركات الجهادية.. هذه الحرب المفتعلة بين الطرفين أساسها عقدي ديني، مثلا نرى اليوم الهجوم الممارس من طرف النظام الفرنسي على الأقلية المسلمة، على اعتبار يرى اليوم الفرنسي في الدين الإسلامي على أنه استعمار من نوع جديد.
2. صدمة الحداثة.
لقد استيقظت الأمة العربية من سباتها التاريخي على مظاهر التقدم الأروبي الذي كانت معالمه الكبرى مع الحملة الفرنسية بقيادة "نابليون بونابارت" على مصر والشام من جهة، والبعثات الطلابية التي تم ارسالها إلى الخارج. حقا كان التقدم الأوروبي صرخة في وجه "الرجل المريض" الذي استدعت حالته التدخل السريع من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، حفاظا على وحدة الأمة وتماسكها، لذللك كانت أغلب المواقف تركز أن إشعاع نور العقل العربي الحديث تم بمجيء الحملة البونابارتية إلى مصر، عن هذا الاحتكاك زرعت البذور الأولى لولادة عصر التنوير العربي التي لم يقدر لها النمو إلا في عهد الإصلاحي محمد علي، الذي يعتبر في نظر البعض من المثقفين العرب، صاحب أول مشروع نهضوي متكامل، لما قام به من انجازات على مستوى المجال العكري والبنيات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية.
هناك من يرى في هذا الهجوم المتتالي على العقل العربي خصوصا أن القرن العشرين حافل بالأحداث ساهم في اغتياله –العقل العربي – سواء الاستعمار أوهزيمة 1967 وفشل التجربة الناصرية، كل هذه الأزمات والحروب كان نتاجها هو تغريب الذات العربية وتشيؤها، وخلق مجتمع منمط خنوع أو بعبارة محمد جسوس :"خلق جيل من الضباع"، غاب فيه الابداع وروح النقد. كل هذه المفارقات جعلت الأمة العربية تعرف نوعا من التمزق في بنيتها الثقافية وتشتت بخصوص مثقفيها، فظل مشكل العلاقة مع التراث أو القطع مع هذا الأخير إشكال يؤرق كل عربي.
من بين المساهمين بغزارة في هذا المجال، علاقة الحداثة بالتراث نجد المفكر المغربي محمد عابد الجابري، "فالحداثة في نظر هذا الأخير لا تعني رفض التراث ولا القطيعة مع الماضي بقدر ما تعني الارتفاع بطريقة التعامل مع التراث إلى مستوى نسميه "بالمعاصرة"، يقول كيف نجعل التراث معاصرا لنا؟ أعني مواكبة التقدم الحاصل على الصعيد العلمي" .
فالحداثة اليوم في العالم العربي هي في أمس الحاجة إلى نقد من الداخل، أي نقد الثقافة العربية نفسها، وذلك بهدف تحريك التغيير فيها من الداخل، الحداثة التي يناشدها الجابري هنا حداثة المنهج والرؤية، وليس القوالب الجاهزة وإعادة الماضي كما هو ، أي تنوير المثقف العربي ومده بأسلحة وأدوات الاشتغال، أي تحويلهم –العرب – من كائنات تراثية إلى كانت لها تراث، لها ثقافة.
ختاما، يمكن القول أن إشكالية الحداثة أو التحديث من المسائل العملية التي تحتاج إلى إرادة، نظرا لزئبقيتها لا يمكن الامساك بها، سوى باعتماد رؤية ومنهج صحيح يمكننا من قراءة الماضي بأعين الحاضر, ويجعلنا في سكة الحداثة، لأن قطار هذه الأخيرة يخطوا أراضينا شئنا أم أبينا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟