الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة العراق

مهدي جابر مهدي

2013 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


يثير المشهد السياسي العراقي اليوم المخاوف والاسى في آن . فالتساؤلات كثيرة عن حقائق الامور – التي يضيع الكثير منها في تفاصيل الصراعات والازمات – وتداعياتها مع تحول البلد الى ملعب كبير نزلت اليه اطراف الازمة في تنافر لافت مقترن بتعمق الانقسام المجتمعي في المسارين العمودي والافقي ،القومي والديني ، الطائفي والمذهبي ، الاجتماعي والسياسي ، والثقافي والنفسي . وتغذي ذلك الانقسام عوامل داخلية – كالاستبداد والفساد وفقدان الامن – وعوامل اقليمية ذات اجندات ومصالح مؤثرة ، وعوامل دولية – خاصة الامريكية – التي فشل مشروعها في تحقيق الديمقراطية التي ادعت انها جاءت من اجله بل وزاد الشك حول جديتها اصلا في ذلك التوجه .
أدى تفاعل هذه العوامل والتواطؤ بينها الى الاخفاق الشامل : فشل سياسي / فشل امني / فشل خدمي ، وتراكم المشكلات بالارتباط مع تشابك المقدمات بالنتائج والاليات مثل تحول الريع الى رشوة وفساد ( المال السياسي ) لينتج عوائق جديةامام التحول نحو الديمقراطية ، خاصة مع تحول التوافقات السياسية الى محاصصات اثنو- طائفية جاءت بعناصر فاسدة وضعيفة الى مركز صنع القرار ليتصدر المشهد اناس لا يملكون مؤهلات ادارة الدولة واصبح همهم السلطة والحفاظ عليها ، ليس من خلال المؤسساتية الديمقراطية وآلياتها وانما عبر الولاءات الضيقة من خلال عسكرة وتسييس الطوائف واذكاء العصبيات التي امتدت من النخب الى الى المجتمع حيث تحولت الطائفة الى شكل من اشكال الاعتصاب الاجتماعي وتوسعت الطوائفيات حتى اصبحت اوتكاد ،هويات بديلة تلغي وتطمس الهوية الوطنية - التي هي اليوم في اضعف حالاتها – حيث التصعيد الطائفي ، وبروز الطائفية السياسية كلما كانت الحاجة ضرورية للتغطية على الفشل ، ويترافق معها صعود متزامن للعشائرية الساعية لتصدر المشهد عبر مقايضة الولاء بالمصالح .... كل هذا وغيره الكثير يذكرنا بما قاله ادونيس عن تحول السياسة الى شركات وتحول الدين والثقافة الى مجرد ادوات .
فالعراق بعد عشرة اعوام من سقوط صدام حسين ونظامه الدكتاتوري ، ورغم ماتحقق من منجزات ومكاسب سياسية واقتصادية هامة ، يواجه تحديات جسيمة على الصعيدين الداخلي والخارجي ، وفي المقدمة منها التحدي الامني ،وحصاد العقد المنصرم يؤشر سلسلة من خيبات الامل والاحباط منذ الاحتلال الامريكي للعراق في 2003 وهانحن في العام 2013 نجد ازمة نظام سياسي – ازمة حكم وازمة مجتمع ، ازمة نخب وازمة معارضة ، ازمة فكر وثقافة وازمة برامج ، ازمة انجاز وازمة شرعية – ومن كل ذلك نصل الى ازمة دولة .
فالمصدر الاساسي لكل تلك الازمات يكمن في الصراع على السلطة والثروة والنفوذ وامتداداته الخارجية . كما تؤكد مقدمات ونتائج ذلك الصراع ان الذي سقط في 2003 ليس الطغيان وانما شكل من اشكاله .
والجرد السريع لبعض الممارسات توضح ذلك ومنها على سبيل المثال لا الحصر : هيمنة ثقافة التهميش والاقصاء والتكفير والتخوين والاتهامات المتبادلة وتغذية التحريض واذكاء الكراهية ( ويذكرنا ذلك بمقولة هوبس : حرب الكل ضد الكل ) وقادت هذه التوجهات الى الاحتقان السياسي والمجتمعي والى تقديم المزيد من القرابين البشرية خدمة للطبقة السياسية ودفاعا عن مصالحها .
وجراء ذلك وصلت البلاد الى حافة الحرب الاهلية بل ودخلت احيانا في اتونها وهانحن اليوم نقف من جديد على مشارفها .
وبدلا من تحليل الاوضاع ونقدها والغوص في فهم اسبابها وتداعياتها ومعالجاتها ،حلت المواقف الجاهزة والانفعالية العالية والسرعة المفرطة في التخوين ، وكل ذلك يعبر عن اشكالية في الثقافة السياسية للنظام السياسي والمجتمع . وكما يقول الكاتب اللبناني حازم صاغية في كتابه الجديد (الانهيار المديد ) : نشهد وصول السياسة المصنوعة رسميا الى ذروة كارثتها ، خصوصا وان خطابها الايدلوجي اثبت ازمته في الجمع بين واقع متغير ومقولة ثابتة .
وبدلا من ان يتخذ المجتمع وقواه الحية موقفا رافضا لكل تلك الاوضاع ، نجد الانسياق الجارف وراء المؤثرات العاطفية بفعل عملية تلاعب منظمة بالرموز –دينية / طائفية / قومية / حزبية / قبلية .... – وتوظيفها سياسيا - ونجد الجماهير احيانا تتظاهر ضد نفسها – وهي مايسميها الدكتور فؤاد زكريا : محنة العقل - وتسير تحت عواطف جياشة في اللاوعي عبر تحكم قوى النفوذ السياسي والمالي التي تعتمد هذه الوسائل كونها اسهل الطرق لاقامة جدار تحتمي به وتصرف الانظار عن مأزقها وعجزها عن تحقيق الامن والتنمية والاستقرار .
اللافت هنا ان النظام السياسي لم يعد يأبه او يكترث للسقوط اليومي لضحايا الارهاب وبات ذلك مجرد مشهد يومي تتكرر صوره في الفضائيات ، كما اصبح المجتمع متعايشا معه دون ارادته وصولا الى انتهاك براءة الطفولة .
ولم نجد من يتحمل المسؤولية او يقف وقفة جادة ، يضاف الى هذا وذاك الانتهاكات المريعة لحقوق الانسان التي يتم ذكرها في بورصة المنافسات السياسية ... انه لمن المخيف حقا ان هذه الاوضاع تكاد تنسينا حجم الضحايا في عراق كان حلمنا ان يكون آمنا ومزدهرا ومتسعا لكل ابنائه بعد زوال الطاغية صدام حيث ذاق العراق وشعبه الويلات خلال سني حكمه .واليوم اكثر ما يخيفنا هو الاحتمال السيء الذي رجحت كفته خلال نهاية العام المنصرم وبداية العام الحالي .
بعد هذا التوصيف السريع لمحنة العراق وللازمة والمأزق والاستعصاء – سموه ماشئتم – الذي تمر به العملية السياسية ، يطرح سؤال الحل والافق والضوء في نهاية النفق ... وبأعتقادي ان هذا السؤال وجوابه يخصان اولئك الذين يقفون خارج اطراف الصراع المتناحرة من سياسيين ومثقفين ومستقلين ورجال دين واحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني وطاقات شبابية ونسائية واعية لمصائر الشعب والوطن ، اضافة الىالصامتين من العراقيين من مختلف القوميات والاديان - وهم بأعتقادي اغلبية – فالاغلبية الصامتة تدرك عجز الطبقة السياسية وفشلها في بناء دولة جديدة تقوم على اسس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، دولة تكون لمجموع مواطنيها .
فالمطلوب من هؤلاء ان يشكلوا تيارا شعبيا يعلنوا من خلاله موقفا رافضا لما يجري من تدهور وتداعيات خطيرة تهدد بما لا يحمد عقباه ، وان يضغطوا على الطبقة السياسية – القوى المتنفذة من كل الاطراف – واجبارها على الانصياع لصوت العقل والاحتكام الى مباديء الديمفراطية ورفض الطرف والاقصاء والالغاء والاحتكار والتمييز وتجييش المشاعر والكراهية ونبذ استخدام القوة والتهديد باستخدامها . وكل ذلك على طريق صياغة عقد اجتماعي – سياسي جديديقوم على الرضا لا على الاكراه ، يجسد حقوق المواطنة المتساوية في دولة تقوم بتعريف الناس بكونهم مواطنين لا بكونهم جماعات مغلقة ، وتعتمد الديمقراطية كمنهج والية وقيمة تهيءالارضية المناسبة للتداولية السلمية عبر انتخابات حرة نزيهة وتحدد بوضوح طبيعة العلاقة بين السلطة واسلوب الممارسة على مستوى الافراد ، وطبيعة العلاقة بين السلطة والمؤسسة على مستوى المجتمع وتصويب الفهم المتعلق بالعلاقة بين السلطة والقانون وعلاقات القوة بين الناس ، والاعتراف بالتعدد والاختلاف .
بقي ان اشير الى ان الهروب الى الامام - بأتجاه حل المؤسسات القائمة رغم عجزها ، واجراء انتخابات مبكرة – ليس حلا كافيا ، فذلك لا يؤدي الا الى اعادة انتاج الازمات . والمطلوب ان يسبق هذه الخطوات تهيئة الارضية السياسية والقانونية المناسبة واعادة جسور الثقة بين مكونات المجتمع .
وعسى ان نتعلم جميعا الدرس المهم ، وهو ان نتقن اختيار من يمثلنا في مؤسسات الدولة عبر الانتخابات ، وان يدرك المواطن ان الصوت الانتخابي هو حق وبذات الوقت الوقت هو مسؤولية ، وعند ممارسته ينبغي ان لا نكون اسرى الولاء الضيق مهما كان ، بل ينبغي التوعية بفداحة المخاطر المحدقة الكامنة وراء التخندقات الضيقة .
هذا هو الحل الافضل – وفق رأيي - لخروج العراق من محنته ، فهل هو عصي على التحقيق ؟ وهل هو دعوة غير واقعية ام استجابة معقولة لواقع مأزوم يبحث عن مخرج مناسب يجنب البلاد والعباد الويلات والكوارث ؟
أسئلة اتركها برسم اجابة العراقين انفسهم ......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عشرة اعوام من غسيل الادمغة المنهكة اصلا
البدراني الموصلي ( 2013 / 1 / 11 - 10:38 )
استاذي الفاضل
المقالة رائعة جدا , ومثلما احتوت المشهد بكامله فقد اشرت باصبع مبين الى الحل . ولم تكن في حاجة لتطعيمها بادونيس او هوبز او غيرهما لانها بذاتها بليغة ومعبرة اكثر مما قالوه
تساؤلك هل الحل عصي على التحقيق . جوابي نعم بل شبه مستحيل . الا اذا بلغنا اليوم الذي اتكلم فيه بأحدى الحسينيات في الناصرية واقول بأن المشي الى كربلاء هو طقس خارج اصول المذهب الشيعي وان المراد منه هو تغييب الوعي وصرفه عن رؤية الكارثة التي يعيشها هؤلاء المشاؤون انفسهم ,وعندما استطيع ان اسأل اهلي في الانبار او الموصل: يااخوتي ما الفرق في ان تكون عائشة بريئة او منتهكة لحرمتها كزوج لمحمد ؟؟
وعندما يقتنع بنصيحتي اهل الذي دهسته سيارة بأن في البلد قانونا واضحا جليا يأخذ لهم حقهم وليست العشيرة هي القانون
عشرة اعوام من عملية غسيل الادمغة في جميع الاتجاهات الدينية والقومية والمناطقية وغيرها , مارسها من يمتلكون المهارة ثم السلطة ثم المال , وعلى ادمغة هي في الاساس منهكة من عقود الجور والحروب والتعسف.
كيف للعقل ان ينضج وان يستعيد وعيه وملكاته وقدراته ويكون تيارا فاعلا
انا معك , لست يائسا بل متحفزا,
تحياتي واعتزازي


2 - لا اعتقد
نيسان سمو الهوزي ( 2013 / 1 / 11 - 14:33 )
لا اعتقد الذي ذكرته هو الحل يا سيدي ولكن اعتقد ارسال الاخضر الابراهيمي هو الحل الامثل ... لأننا لم نتعود ان نحل مشاكلنا بأنفسنا وبلغة الحوار بل بشيخ عشيري من الخارج او بحذاء قوي على رأس الجميع ... عيب على كل من اولهم وحتى آخرهم ممن الذين كانوا يبكوا ليل نهاراً في الازقة والشوارع من اجل التخلص من صدام وبعد ان نالوا ذلك تحول كل واحد منهم الى عدي ابن صدام .... ولعنة الله على الذي يقول اميريكا هي السبب في كل شيء .... تحية لك ولقراءك والمعذرة على الحرقة التي انا فيها ..


3 - من اين ياءتى الوعى
ابو محمد ( 2013 / 1 / 11 - 17:36 )
من اين ياءتى الوعى يااءخى 35 سنه جيش شعبى و8 سنوات قادسيه وجيش قدس وحصار 13 سنه من اين يااءتى التثقيف والتوعيه الوطنيه من حب القائد الضروره وعبادة الشخصيه وهؤلاء الذين اتو الى السلطه عديمى الخبرة بادارة الدوله والدليل على وضعهم للدستور وكتابته اساءلك بالله لبلد مثل العراق متعدد القوميات والاقليا والاديان والمذاهب دستوره يكتب ب 6 اشهر ومن الاحتلال ولحد الان يافضائيه تقوم بتوعية الناس وتثقف بروح المواطنه العراقيه معظم الفضائيات هى ذات نفس طائفى وخرجت مظاهرات فى العام الماضى كانت تطالب بخدمات لجميع الشعب العراقى فهل الشعب العراقى ساندهم ووقف الى جانبهم وذهب ضحية هذة المظاهرات المرحوم هادى المهدى اليس كذلك فالقيمين على المذهب ولا استثنى احد متخذين الدين كوسيله للوصول الى سدة الحكم من اجل الحصول على الامتيازات والمناصب فشاهدهم اين كانو بالامس وما هم عليه الان من سرقة هذا الشعب المغيب عن الوعى باسم الدين فالذى يذهب الى كربلا ءمشيا على الاقدام ولايذهب الى المنطقه الخضراء للمطالبه بحقه فالذين كانوا يعا رضون صدام ليس ضد سياسته وانما من اجل الكراسى وشفناهم وجربناهم وشفنه بعيونه وشكر


4 - شعب لاينتج يرعد ويزبد اينكم من صدام
القلماوي ( 2013 / 1 / 11 - 22:32 )
الزمن سيؤدب من نهشوا لحم الشعب بعد سقوط الصنم وصارت الأحزاب تصنع أصناما جديده وابتلينا بمئات منها وكل منها يخرق هذا الثوب الجديد الذي لبسه الوطن ليدنسوه من جديد وظهرت دولا داخل دولة العراق وكل ينادي بدولته المزدوجة والثمن الذي استلمه من الجوار العربي والعثماني والفارسي تسيل له اللعاب وخاصة لعاب هؤلاء الحثالى واللذين جميعهم ينادي بالتهميش والظلم ولاأدري لمن إذا تلك المليارات والعقارات والاطيان في عمان ومصر ودبي وليس آخرها في أوربا بل اشتروا مدنا في أوربا يشاطرهم كل هذه الشطاره والفرعنه أخوة لنا في الوطن يسكنون أعالي العراق وينهلون من كل بقاعه وخيراته ويصيحون لقد همشنا وظلمنا وهل المالكي وحده بطل الفساد وانتم ملائكه اي بشر خارق هذا الذي يفترس العراق وحده وكلكم مظلومين وهل خيرات ومغانم الرمادي والبصرة واربيل نهبها وعساكركم وميليشياتكم وجيوش الترك وحمد والمجوس لاحول ولاقوه عجيب هذا الرجل وقوته ولو كان هذا الرجل كما تقولون لارتجف حمد وموزه ولكان اول المدبرين سماحة السيد قدس الله مليشياته صوب المجوس بلا رجعه لكن المالكي غبي يارجل سيب الجمل بما حمل ودعهم يستلمون الكرسي ليقتتلوا ونخلص منهم

اخر الافلام

.. تعرف على تفاصيل كمين جباليا الذي أعلنت القسام فيه عن قتل وأس


.. قراءة عسكرية.. منظمة إسرائيلية تكشف عن أن عدد جرحى الاحتلال




.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: العمليات حققت أهدافها وكانت


.. ماذا تعرف عن طائرة -هرميس 900- التي أعلن حزب الله إسقاطها




.. استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم بلاطة