الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسكوت عنه فى مسار الثورة... جبهة «إنقاذ» من؟

هانى جرجس عياد

2013 / 1 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تجاوزت جبهة الإنقاذ الوطنى فكرة مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة، وانتقلت مباشرة إلى البحث فى تفاصيل خوض «المعركة الانتخابية» بقائمة واحدة أو قائمتين. والنتيجة عند الجبهة محسومة، الحصول على أغلبية برلمانية تؤهلها لإعادة التوازن إلى الدستور الإسلامى المفروض قسرا على مصر.
لست أعرف من الذى أوهم قادة جبهة الإنقاذ بقدرتهم على هزيمة ماكينة الانتخابات الإخوانية ومواجهة أساليبهم المبتكرة فى التزوير، ولست متأكدا ما إذا كان قادة الجبهة يدركون حقيقة أن أحزابهم وتياراتهم غير موجودة إلا فى التجمعات السكانية الحضرية، بينما المتأسلمون منتشرون فى قرى ونجوع وأرياف مصر، يجيدون استغلال الفقر والأمية فى حشد الأصوات، ولا أعرف ما الذى يمكن أن يفعله قادة الجبهة إذا ما ظهرت أساليب تزوير جديدة (بعد قطع التيار الكهربائى، والناخب الدوار، والطوابير التى بلا نهاية)، لكننى أعرف بالقطع أن الجبهة، التى كانت معقد آمال ملايين المصريين، تسقط للمرة الثانية فى فخ خوض الصراع على أرضية سلطة دينية ديكتاتورية، أو ربما كان الأصح أن السلطة الديكتاتورية الدينية تنجح، للمرة الثانية، فى جر الجبهة لخوض المعركة على أرضيتها.
كانت المرة الأولى فى الاستفتاء على الدستور الإسلامى، عندما خذلت الجبهة الجميع، واختارت المشاركة فيه، بوهم إمكانية إسقاط الدستور بالاستفتاء.
خذلت جبهة الإنقاذ الوطنى ملايين المصريين الذين خرجوا فى شوارع مصر من أقصاها إلى أقصاها، متجاوزين مطالب إسقاط الإعلان الدستورى المشبوه والدستور الإسلامى المفروض، مطالبين بإسقاط حكم المرشد، وخذلت الجبهة آلاف القضاة الذين رفضوا الإشراف على الاستفتاء، ومئات الدبلوماسيين المصريين فى الخارج الذين اعتذروا عن عدم الإشراف على استفتاء على دستور سالت بشأنه دماء المصريين، ثم أنها خذلت قبل كل هؤلاء دماء الشهداء وآلام المصابين الذين سقطوا أمام قصر الاتحادية، فأسقطوا معهم شرعية رئيس ونظام، خذلت الجبهة الجميع فمنحت قبلة الحياة لدستور مطعون فى شرعيته (وليس فقط مُختَلف على بعض مواده) ومنحت بالتالى قبلة الحياة لنظام هرب رئيسه من مئات الألوف الذين حاصروا قصره.
لم تستوعب الجبهة معنى امتناع ما يقرب من 68% من المصريين عن المشاركة فى مهزلة الاستفتاء، ولا فهمت دلالات عمليات التزوير الفجة التى رصدتها عيونها، ولا توقفت أمام مغزى «فحص» ألاف الطعون ورفضها فى أقل من 48 ساعة، فقررت المشاركة فى انتخابات معروفة نتائجها سلفا، لتمنح الديكتاتورية الدينية شرعيتها بعدما منحتها قبلة الحياة.
ولئن كانت قيادة جبهة الإنقاذ لم تستوعب بعد الدروس المباشرة لمشاركتها فى الاستفتاء على دستور باطل، فربما يكون من المفيد، أقول «ربما»، إعادة تذكيرها بالدرس البليغ الذى لقنه المصريون دائما لكل الطغاة الذين تناوبوا على كرسى الحكم، حيث لم ينجر المصريون أبدا إلى ساحة صراع يحددها الطاغية، وقاطعوا كل استفتاءاته وانتخاباته، ومراجعة سريعة لأعداد المشاركين فى الاستفتاءات على رئاسة الجمهورية، وبضمنها «الانتخابات» الرئاسية اليتيمة، التى جرت فى عهد مبارك، تؤكد حقيقة أن الشعب كان دائما يرفع شعار «المقاطعة هى الحل» فى مواجهة مسرحيات انتخابية معروفة نتائجها سلفا. وحتى نتائج انتخابات مجلس الشورى، بعد الثورة، تؤكد هذه الحقيقة حيث لم يشارك فى انتخابه أكثر من 7% ممن لهم حق التصويت، فلا أحد يعرف له دورا، ولا أحد يقتنع بجدوى وضرورة وجوده. وكذلك شهد الاستفتاء على الدستور الإسلامى أقل نسبة مشاركة جماهيرية فيما بعد الثورة (باستثناء انتخابات مجلس الشورى).
ويبدو أننا نشاهد الآن مهزلة إعادة التاريخ لنفسه، فبعد أن كانت مشاركة الأحزاب الكرتونية، أو المعارضة الورقية، تمنح استفتاءات وانتخابات مبارك بعض شرعية افتقدها بسبب انخفاض أعداد المشاركين فيها (المقاطعة الجماهيرية)، أصبحت جبهة الإنقاذ، فيما بعد الثورة، تلعب ذات الدور، لتضفى شرعية مفقودة على مسرحيات الإخوان الانتخابية.
الطريف فى الأمر، إن كان ثمة ما يمكن أن يكون طريفا فى هذه الأجواء، أن جبهة الإنقاذ لا تقوم –وحسب- بذات الدور الذى كانت تقوم به أحزاب المعارضة الورقية فى زمن مبارك، لكنها تمارس أيضا ذات التفاصيل، حيث تحذر قبل الانتخابات من تزوير متوقع، ثم تشارك فى الانتخابات، ثم تخرج علينا بعد انتهاء الانتخاب/الاستفتاء، بعشرات المؤتمرات الصحفية تكشف فيها ما جرى من تزوير خلال العملية الانتخابية، وتتقدم بالطعون، ثم ينتهى الأمر بانخراطها فى المنظومة التى أفرزها الانتخاب، أو فرضها الاستفتاء.
الأكثر طرافة، فنحن حقا أمام مسرحية عبثية، أن بعض قادة جبهة الإنقاذ يأخذون على الحكم الإسلامى أنه مازال يفكر ويعمل من داخل صندوق مبارك، بينما هم جميعا يمارسون فعل المعارضة من داخل صندوق «معارضة مبارك».
لم يعرف التاريخ أن صناديق إبداء الرأى كانت هى الساحة المناسبة والفعالة والمؤثرة فى مواجهة الطغاة، وربما كانت «انتخابات» أخر برلمان فى زمن مبارك، نوفمبر 2010، درسا بليغا لمن يريد أن يتعلم من هذا الشعب «القائد والمعلم»، فالذين شاركوا فيها، ملأوا الدنيا بعدها صخبا وضجيجا على ما شهدته من تزوير، ثم ذهب كل إلى حال سبيله، وانتظم الجميع فى المنظومة التى أفرزتها الانتخابات المزورة، وأطلق مبارك نكتته السمجة «خليهم يتسلوا»، إلى أن صفع الشعب الجميع، النظام ومعارضته الكرتونية، وقال كلمته فى 25 يناير 2011.
الطموح إلى السلطة ليس عيبا ولا عارا ولا تهمة، بل هو مبرر وجود الأحزاب وسبب قيام المعارضة، ومن لا يطلب السلطة، عليه الاستقالة من منصبه، إن كان حاكما، أو أن ينصرف إلى عمله إن كان معارضا. وإذا كان على الدكتور محمد مرسى أن يكف عن ترديد عبارة أنه ليس طالب سلطة، أو أن يستقيل من منصبه ويعود داعية فى جماعة مشبوهة، فعلى المعارضة بالأحرى أن تعرف كيف يجب أن يكون سعيها إلى السلطة فى مواجهة حكم ديكتاتورى.
الصناديق بالقطع ليست هى الوسيلة المناسبة لصراع «ديمقراطى» مع سلطة فاشية، تسعى بدأب ونهم لتكسير كل قواعد وأسس الديمقراطية (التى أوصلتها إلى السلطة)، وجر البلاد إلى مربع الحكم الدينى الديكتاتورى، والمعارضة التى تنجر إلى «صراع ديمقراطى» مع سلطة ديكتاتورية سوف تنتهى إلى مجرد «دكان» يفتح أبوابه فى موسم الانتخابات والاستفتاءات، ثم يغلقها بعد أداء موشح الولولة على ما وقع من تزوير (هل تتذكرون دكاكين المعارضة أيام مبارك؟ اليسارى منها واليمينى والدينى؟). وأربأ بجبهة الإنقاذ الوطنى بمن فيها من رموز وطنية أن تصبح مجرد «دكانة» يفتحها الحكم الديكتاتورى الإسلامى وقتما يشاء، ويسمح لها بأداء معزوفة التزوير المملة، لينصرف أعضاؤها بعد ذلك كل «يتسلى» بعمله.
مواجهة الديكتاتوريات تكون بالرفض والمقاطعة والتظاهر والإضراب والاعتصام، بمواصلة تضييق المساحات المتاحة أمامها للمناورة والتضليل، فلا صراع ديمقراطى مع أقلية ديكتاتورية. (هل تذكرون كيف كانت مفاصل مبارك تتخلخل من مجرد فكرة المقاطعة؟ وكيف راح رجاله يتوسلون الأستاذ خالد محيى الدين لخوض انتخابات الرئاسية عام 2005؟ هل تعرفون –الآن على الأقل- متى ولماذا يبحث «الزعيم» عن منافس له؟).
أتركوا الإسلاميين ينتخبون برلمانهم، ويصدرون قوانينهم، فلهم البرلمان ولنا الشوارع والميادين. لا تتستروا وراء مقولة أننا أمام رئيس منتخب، فدماء الاتحادية أسقطت شرعية الانتخاب (حد يفكرنى كده هو مبارك ليه فى السجن دلوقتى؟)، والتاريخ عرف هتلر وموسولينى «رؤساء» منتخبين، ولعلنا لم ننس أن بضع مئات الألوف من الأصوات حالت دون وصول جنرال موقعة الجمل إلى منصب الرئيس، فماذا لو كان أحمد شفيق هو الفائز فى جولة الإعادة؟ هل كان علينا أن نلعب معه لعبة الديمقراطية، ونتركه رئيسا لأربع سنوات، فقط لأنه «رئيس منتخب»؟
الآن الآن وليس غدا يتعين على جبهة «الإنقاذ» أن تحدد ما إذا كان هدفها «إنقاذ مصر» أم «إنقاذ الإخوان».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قضية احتجاز مغاربة في تايلاندا وتشغيلهم من دون مقابل تصل إلى


.. معاناة نازحة مع عائلتها في مخيمات رفح




.. هل يستطيع نتنياهو تجاهل الضغوط الداخلية الداعية لإتمام صفقة


.. بعد 7 أشهر من الحرب.. تساؤلات إسرائيلية عن جدوى القتال في غز




.. لحظة استهداف الطائرات الإسرائيلية منزل صحفي بخان يونس جنوبي