الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يرتجف الثلج تحت قدميه الحافيتين.

فواز قادري

2013 / 1 / 12
الادب والفن


في مخيّم الزعتري، طفل سوريّ يمشي حافياً على الثلج، يلخّص كل مأساة الشعب السوري.

الطقس الثلجيّ العاصف، لا يعرّي مأساة الشعب السوري، العارية أصلاً، لكنّه كشط ما تبقّى من جلدها العالق بالجسد المُثخن! ولم يكن الطفل الحافي يمشي على الثلج، الطفل كان يمشي على ضمير العالم الجليديّ الجامد. لم تكن العاصفة الثلجيّة أقل رحمة، من سماسرة دم أطفالنا، كانت فرصة أخرى لمزادات كلاميّة رخيصة؛ لا تمنع موتاً، ولا تُطعم جائعاً، ولا تُدفئ جسداً مبلّلا يرتجف، ولا تُوقف خيمة واقعة على قدميها. حين نتكلّم ونختصر هذا الجحيم الفريد والنادر، بأحد وجوهه الكثيرة والمأساويّة، نكون كمن يرى ويتكلّم عن جرح صغير في قدم الطفلة السوريّة في مخيّم الزعتري، ويصمت عن قدمها الثانية المبتورة! الطفلة التي تتحرّك على قدم واحدة في جحيم الزعتري الجليديّ والقاتل، رغم البرد والصقيع والطين والوجع وأشياء كثيرة أخرى لا يعرفها إلّا من يموت هناك! تتحرك الطفلة على قدم واحدة وبلا عكّاز، قدم واحدة فقط! تتحرّك الطفلة وتهزّ السماوات في عيوني وتُرجف الأرض تحتي، تتحرك الطفلة بعناد من يتحدّى هذا العالم الدميم، وكأنها تبصق على لغو وخساسة ساسته. تتحرك لأنها لم تصدق بعد أن قدمها لن تعود إلى مكانها، تتحرّك لتتأكّد من أنّها مازالت على قيد اللعب والفرح رغم كلّ هذا الموت المتربّص بها، وبالناس الذين تعيش معهم في جحيم جليديّ متعدد الوجوه! ناهيك عن وجوه المأساة الأخرى الكثيرة والكثيرة جدّاً، في بقيّة مخيمات اللجوء، عادة تحظى المخيّمات ــ ركّزوا معي على كلمة "تحظى" ــ بالقليل القليل من تسليط الضوء على ما يحدث فيها، كونها بعيدة عن متناول مسوخ الجزّار، ولكن حين نريد تناول مآسي شعبنا في الداخل، سيكون الأمر في غاية الصعوبة، لكوننا سنتحدّث عن ملايين السوريين الهاربين بأرواحهم، ليس من الموت المتعدد الذي تتكرّم به طائرات ومسوخ المجرم وحسب، بل من أشكال الموت البطيء الأخرى: المأوى، الجوع، الحاجة، إلى آخر الموت. حين نتواصل مع أهلنا وأصدقائنا ومعارفنا وأبناء مدينتنا المشرّدين على الجغرافية السوريّة الدامية، نسمع منهم قصصاً لا يستطيع تحمّلها بشر ولا آلهة! قصصاً أقلّها ألماً، حالة الفرار الدائم بأرواحهم من مكان إلى مكان بعد أن خسروا أخوة وأقارب وجيراناً وجيرة دون أن يستطيعوا يحزنوا على فقدهم، ناهيك عن خسارتهم لكلّ شيء يملكون. هكذا حال بقيّة أهلنا في المدن والقرى السوريّة الاخرى والذين لا يختلف حالهم عن ما ذكرنا. أعداد السوريين الذين يعيشون هذه الحالة بالملايين، والعالم يرى ويسمع ويتفرّج.

أينهم؟
نفتقد ويفتقد السوريّون مئات ألوف المعتقلين والمختفين الذين لا نعرف عن أخبارهم شيئاً، لكننا لن نتعب ولن نملًّ من مناداتهم بأسمائهم التي تجرح الغياب وتلوي عنق الظلام.

ليس من أجل أن لا ننسى.. نحن لم ننسَ ولن ننساهم

ولكن، من أجل أن يبقوا بيننا! يربتون على قلوبنا كلّما اشتدّ الوجع!

يا عبد الله الماضي.. أينهم؟ أينكَ يا صديقي؟

عبد الله.. يا عبدالله
لا نحتاج إلى غيابك
لنحنَّ إلى فرات
يتخبّط "كالمزهور" فينا
على براعمكَ
تقوّت الفراش
وعاج نحل السكوت
أينك؟
لا وردة تدلّ عليك
ولا الفرات يصغي
وقع خطاك قريب
عين ترى وقلب يسمع
وحين أضمّكَ
تلتقي ذراعاي على فراغ
ويجفف دمعتي السؤال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس


.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام




.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد