الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


2012 .. أمال عريضة ، وخيبات كبيرة

نجيب الخنيزي

2013 / 1 / 12
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


قبل عام وفي مقال لي تحت عنوان "2011 عام العرب بامتياز " تناولت فيه المسار المتعرج للتغييرات الثورية السريعة أو ما بات يعرف في العالم بثورات الربيع العربي، التي شهدتها العديد من البلدان العربية مع مطلع عام 2011 ، والتي تتشارك في وجود سمات عامة مشتركة لأنظمتها الاستبدادية الحاكمة من جهة، ووجود قواسم وقضايا مشتركة جمعت ما بين الثورات والاحتجاجات الشعبية المناهضة لها من جهة أخرى ، غير انه وجدنا تنوعا في طرق وأساليب وأشكال التغيير في العالم العربي، هناك السلمي والعنيف، الجذري والإصلاحي، وهذا الاختلاف والتباين يعود بدرجة أساسية لمدى ودرجة نضج العوامل الموضوعية والذاتية في كل بلد على حدة. من بينها طبيعة النظم السياسية الحاكمة، و توازن القوى على الأرض، في المواجهة المباشرة بين النظام والشعب، وعلى وجه التحديد موقف الجيش والتشكيلات الأمنية المختلفة، ومدى حياديتهما أو تورطهما في الصراع، وكذلك درجة وعمق الانسجام والاندماج على الصعيدين الوطني والاجتماعي، ومدى نضج التقاليد السياسية والمدنية .. وقد طرحت عدة تساؤلات من بينها: ما هو مآل الثورات العربية، في سياقاتها المختلفة، وإلى ماذا يمكن أن تفضي؟ وهل يدخل العرب مجددا التاريخ كذات فاعلة ومبدعة لمشروع عربي نهضوي جديد؟ أم أن الربيع العربي إلى ذبول في ظل صعوبات وتعقيدات وإخفاقات المرحلة الانتقالية، أو كما يبدو للبعض كسحابة صيف عابرة وتائهة في سمائنا المحرقة، وأرضنا اليباب، الممانعة والعصية على التغيير؟.
حصيلة العام 2012 جاء مخيبا للآمال ، و بمثابة الحصاد المر بالنسبة لقطاعات شعبية واسعة ومتنامية في " بلدان الربيع العربي" على اختلاف مكوناتها السياسية والاجتماعية والفكرية ، وبما في ذلك القوى الشبابية ، التي لعبت الدور المفجر والمصعد للحراك الثوري العام . صحيح أنه تم إسقاط أربعة زعماء عرب ، في حين لا يزال البعض منهم يصارع ويقاوم بشراسة ( الأسد ) من أجل البقاء ، في حين لجأ زعماء عرب آخرين إلى المناورة ، وشراء الوقت ، بهدف الالتفاف على مطالب التغيير والإصلاح الجذري والشامل ، وذلك من خلال المسكنات ، و تقديم الفتات ( غالبا على شكل مكرمات ) أو تقديم بعض التنازلات المتفاوتة ( بين بلد عربي وأخر ) في مدى جديتها وعمقها . يتعين وضع اليد على الأسباب والعوامل الكامنة في حال الإحباط السائد لدى قطاعات شعبية وشبابية واسعة ، ساهمت وشاركت في الحراك الثوري وقدمت التضحيات الجسام من اجل انتصار الثورة ، و بما في ذلك قوى اجتماعية ( عمال وكادحين وطبقة وسطى ) مؤثرة وفاعلة و التي كان شعارها المركزي في الساحات والميادين " حرية، عيش، عدالة اجتماعية " ناهيك عن النخب والقوى المتعددة المشارب والاتجاهات السياسية والفكرية ، والتي ناضلت على مدى عقود ، من اجل الدولة المدنية الحديثة ، القائمة على أساس المواطنة المتساوية للجميع في الحقوق والواجبات ، والتي يكفلها دستور عصري يعبر عن مصالح مختلف المكونات . هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها ، تتمثل في ان الحراك الثوري الذي شهدته الساحات والميادين العربية جرى الالتفاف عليه من خلال التضحية ببعض الرموز والقيادات المحترقة شعبيا ، في حين ظل النظام القديم بمكوناته وركائزه الأساسية قائما ، وفي الوقت نفسه فأن قوى الإسلام السياسي( المتمثل في حركة الأخوان المسلمين ) التي وصلت إلى السلطة في بعض البلدان العربية ، ومن بينها مصر وتونس ، عبر شتى السبل، ومن بينها تقديم التطمينات للقوى الشبابية والليبرالية واليسارية وممثلي الكنيسة القبطية ( مصر ) بأنها نبذت أو تراجعت عن شعاراتها وأهدافها المعلنة في سعيها "لأخونة "الدولة والمجتمع والقوانين والتشريعات ، وفي الوقت نفسه لم تتردد في مد يدها لمكونات وقوى وشخصيات النظام ( رئيس الوزراء المصري الحالي ) السابق، وضمن هذا السياق جاءت تعهداتها للقوى الإقليمية والدولية ( وخصوصا الولايات المتحدة ) لضمان مصالحها الإستراتيجية ( بما في ذلك اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل ) في مصر وتونس ، وعموم المنطقة العربية. كل ذلك من اجل ضمان استئثار الإسلام السياسي واحتكاره لمكامن السلطة والقوة والثروة ، وحتى في تونس حين اضطرت حركة النهضة إلى التحالف مع تشكيلين علمانيين عملت كل ما في وسعها لتهميشهما وتحجيمهما، وهو ما اثأر انتقادات علنية ومبطنة من قبل الرئيس التونسي المنصف المرزوقي . يحدث هذا في ظل غياب أي برنامج جدي لمواجهة استمرار تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ، ووصول معدلات الفقر والبطالة في مصر وتونس الى نسب غير مسبوقة ، وهو أمر ليس بالمستغرب نظرا لأن خيارات الإسلام السياسي ( كتشكيل يميني ومحافظ ) على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي يصب ( كالأنظمة السابقة ) في اتجاه تعضيد حرية التجارة و قوانين السوق في اشد تطبيقاتها المتطرفة المتمثلة بالليبرالية الاقتصادية . وفي مواجهة تنام واتساع الاحتجاجات الشعبية في مصر وتونس وغيرها بدأت تظهر إلى العلن تشكيلات ( أو ميليشيات ) تابعة للإسلام السياسي لا تختلف في تصرفاتها إزاء المتظاهرين أو المعتصمين عن " الفلول " أو " الشبيحة " ، كما حدث في محيط القصر الرئاسي ( مصر ) وضد مقر الاتحاد العام التونسي للشغل ( تونس ) . التجارب التاريخية للثورات ، تؤكد ،بأن الثورة تتحقق حين يجري تحطيم وتفكيك جذري للنظام القديم ، بكل مكوناته واستبداله بنظام جديد ، بقسماته و حمولاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية و الأيدلوجية و الفكرية ، وبما أن الثورة هي تغير القائم والتطلع إلى المستقبل ، عبر عملية قطع وتجاوز جذري للقديم ، كما هو حال الثورات الكلاسيكية كالثورة الفرنسية ، والثورة الأمريكية والثورة الروسية والثورة الصينية .. القوى الثورية ( بخلاف القوى المحافظة أو المنغلقة ) هي جذرية ومنحازة في خياراتها للأغلبية الساحقة من الشعب. مما سبق ، وبعيد عن فرض أو إسقاط تعسفي لنماذج ثورية تاريخية بعينها ، ومع حقيقة أن الانتفاضات والتحركات الشعبية والحراك الثوري عموما في البلدان العربية ، يمتلك فرادته وتميزه ، بل وتأثيره الراهن والبعيد المدى ، في الآن معا ، على الصعد العربية والإقليمية والعالمية ، غير ان الظروف والمعطيات الموضوعية والذاتية لهذا الحراك الثوري لم يصل بعد إلى مرحلة انتصار الثورة ، وذلك لا يشكل نقيصة أو مس بالتأثير الهائل لذلك الحراك في استعادة الوعي وامتلاك إرادة الفعل والتغيير لدى الشعوب العربية ، وبأنه لم يعد بمقدور أي قوة أو نظام عربي، مهما بلغت قوته ، من إعادتها إلى القمقم ثانية ، كما أن الثورة ليست عملية تتحقق بالضربة القاضية ، وإنما هي عملية جدلية مستمرة ضمن متغيرات وتحولات كمية تتحول في مرحلة معينة الى فعل وتغيير نوعي وجذري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في القدس تطالب بانتخابات مبكرة وصفقة تبادل والشرطة ا


.. Boycotting - To Your Left: Palestine | المقاطعة - على شمالَِ




.. رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في إسرائيل: خطاب غا


.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا




.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.