الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا يسير الأبطال تحت أقواس النصر

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2013 / 1 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


جلست إلى مكتبى أمامى أوراق روايتى الجديدة، أشعر بنشاط فى الصباح بعد ساعة المشى بالخطوة السريعة، والسباحة نصف ساعة فى المياه الدافئة العميقة ثم الشاى الساخن أرشفه على مهل، مع قضمات هينة، من الفطيرة الصغيرة الخارجة من الفرن، أستقبل اليوم الجديد بسعادة مجهولة المصدر، كأنما النوم يغسلنى ويجلو عقلى، تصفو ذاكرتى وترق كالورقة الشفافة، أرى من خلالها مراحل عمرى وحياتى، تدب الحركة فى شخصيات روايتى، أستعيدهم بالكتابة، تعود وجوههم تطل من الورق، تقودنى عيونهم من سطر إلى سطر.

يسألنى الشاب الصحفى عن سر السعادة فى حياتى، أقول له الكتابة والقراءة، أعنى كتابة الرواية وليس أى كتابة، قراءة الأدب المبدع وليس أى قراءة إنها اللحظة الخارجة عن الكون، لحظة الإبداع، تضىء الخلايا المظلمة فى الذاكرة والعقل، تتهاوى جبال الخوف وتنفك عقدة اللسان، يتكلم الساكت والمسكوت عنه، وينطق اللامنطوق كأنما أولد من جديد، تغمرنى سعادة طفولية طاغية، تفوق سعادة الحب والجنس والصداقة والأكل والرياضة والنوم العميق فى ليالى الشتاء، أعود طفلة تصفق بجناحيها وتطير يخفق قلبها كالحب الأول، من أجل لذة الإبداع يمكن التضحية بزينات الدنيا والآخرة، تكتسح لذة الإبداع كل الأحزان والأفراح، لا يبقى إلا فرح واحد، يتألق تحت عينى فوق أوراقى، كلماتى وشخصيات روايتى خلقتها بإرادتى.

الكتابة الإبداعية هى حياتى، أشعر باستغناء كامل عما سواها، الأهل والأصدقاء والمال والشهرة والمناصب. يبدو التنافس على مقاعد البرلمان كصراع الديوك فى عشش الفراخ، عرش الرئيس الأمريكى وصندوق النقد الدولى وجائزة نوبل، هوامش تسقط أسفل الصفحة.

أستغرق فى الرواية أسبح فى البحر الدافئ.

أتوقف عن قراءة الصحف، أدرك أن السياسة تجهض الأدب والإبداع، تجهض الخيال والعقل والذاكرة والثورة أيضا.

أدرك أن الثورة لا علاقة لها بالسياسة، لا تعرف الثورة مناورات الأحزاب أو الطريق إلى الفضائيات.

لا يشترك أبطال الثورة فى الصفقات.

من قال هذه الأبيات؟

لا يسير الأبطال تحت أقواس النصر

لا تهتف الجماهير باسم البطل

يقوم البطل بعمله وينزف الدم

يمشى وحيدا فى ظلمة الليل

يركب سفينته إلى الشاطئ الآخر

ويختفى فى البحر

الثورات فى التاريخ لم يتنافس فيها بطل واحد على مقاعد الحكم أو البرلمان.

لم يحرر أعضاء البرلمان شعباً واحداً فى التاريخ

جميع الثورات قامت خارج البرلمان وخارج الأحزاب وخارح السياسة

مطالب الثورات تتركز فى كلمتين «إسقاط النظام» بأحزابه وبرلمانه

لم يصعد أبطال الثورة إلى الحكم فى التاريخ القديم والحديث

أبطال ثورة ١٩١٩ ليسوا هم الباشوات أعضاء الأحزاب الذين صعدوا إلى الحكم وهتفت لهم الجماهير، مات الأبطال على قضبان القطارات فى المظاهرات، أو وراء القضبان، أبطال ثورة ١٩٥٢ مات بعضهم فى القنال يحاربون الإنجليز، ومات بعضهم فى المعتقل أو جوف الجبل، أبطال ثورة ٢٠١١ مات بعضهم فى الشوارع والميادين والمعسكرات، ويعيش بعضهم حتى اليوم فى السجون، أو فى الظلمة بعد فقء العيون

أجلس إلى مكتبى وراء أوراق روايتى، لم أعد أقرأ الصحف، المقالات متكررة متشابهة، تتأرجح بين «لا» و«نعم»، الصورة هى الصورة فوق العمود فى كل العهود، الصراع هو الصراع حول المقاعد والقوائم الانتخابية.

التنافس هو التنافس على السلطة والثروة بعد كل ثورة؟

إن راجعتم التاريخ

تكتشفون أن أبطال الثورات لا يدخلون مجلس الشعب أو الشورى ولا يسيرون أبدا تحت أقواس النصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أنها لذة الأبداع
فؤادة العراقية ( 2013 / 1 / 12 - 23:24 )
لحظات الألهام عندما تنفك عقدة اللسان هي من اجمل اللحظات واروعها لا يستشعرها الا المبدعين من امثالكِ
قريبة انتِ منّا , افهمكِ بعمق وانتظر كلماتكِ الاسبوعية حيث التهم منها كل الحروف , فابداعكِ زادنا وهو أجمل سياسة واعمق فكر
فهنيئا لكِ بهذه السعادة والكلمات والشخصيات التي تخلقيها بارادتك الحرة وشكرا لكِ عليها فهي لا تأتي بشيء امام التنافس على الثروات بعد الثورات


2 - صانعو التاريخ مجهولون
شيخ صفوك ( 2013 / 1 / 13 - 12:38 )
فعلا ان من يصنع الثورات يصبح و قودها
الكتابة هى ابداع هى ترجمة لما تحمله النفس من افكار و احزان و الام و مشاعر
و امال وحب
الكتابة هى كنز رائع تعب صاحبه في جمعه
يرميه للناس لكى يستمتع به الجميع
و ينام صاحبه فقيرا و لكنه سعيد
انا التقط من كنزك كل اسبوع جوهرة رائعة


3 - الاستاذة نوال السعداوي
حارث رسمي الهيتي ( 2013 / 1 / 13 - 17:36 )
تحية صادقة ...
بداية اردت ان اقول لك عندما كتبت الاستاذة اردفتها بالفاضلة ، ولكني سرعان ما حذفتها ايماناً مني على الأقل باننا نستخدم مصطلحات فارغة ... عذراً
فأنا ارى فيك اكثر من ذلك ...
وتعليقاً على سطورك تلك ... نعم صدقت في ان الابطال لا يسيروا تحت اقواس النصر ، هم ساروا ويسيروا دائماً تحت اقواس النصر التي نرسمها لهم في عقولنا ... لم يسر جيفارا تحت اقواس النصر ، ولا روزا لوكسمبيرغ ولينين ولا ولا ولا ...
دمت بخير وعسى ان تكون سطوري هذه باقة ورد لتعارف قادم اتمنى ذلك ...


4 - شمعه في الظلام
انتصار الانصاري ( 2013 / 1 / 13 - 17:50 )
رغم السواد اللذي يتشح به عالمنا ورغم غيوم الظلم المتلبدة فوق سمائه ورغم الدم وفشل الثورات يبقى في كتاباتك بصيص من النور والامل في عالم اكثر اشراقا ورغم سنك تجاربك عذاباتك وكل معاناتك تبقين مصدر قوه تحياتي لك وننتظر منك المزيد


5 - جائزة نوبل؟؟؟؟
أحمد حسن البغدادي. ( 2013 / 1 / 13 - 23:10 )
فعلا ً المناضلون الحقيقيون لم يكرمهم التأريخ حتى جائزة نوبل، لم تعطى لنوال السعداوي المناضلة لأكثر من نصف قرن من أجل الحرية وحقوق المرأة، صاحبة المؤلفات العظيمة، وتربى على يدها أجيال من المفكرين، لم تعطى نوال السعداوي جائزة نوبل، وإنما يعطونها لأخوانجية من اليمن لم تكتب في حياتها كتابا ً واحدا ً أو حتى كراسا، أخوانجية كل همها هو أن تثبت أن المرأة ناقصة عقل ودين، ولا أحد يعرف إسمها قبل ذلك، بل حتى بعد جائزة نوبل.

اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة