الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجماهير هي الحل

إكرام يوسف

2013 / 1 / 13
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ينضج الوعي السياسي للجماهير داخل التنظيمات المستقلة عن الدولة، بداية من اتحاد الطلاب إلى النقابات العمالية والتنظيمات الفئوية، ومنظمات المجتمع المدني وصولا إلى الأحزاب السياسية. ولما كانت مصر لم تشهد منذ أكثر من ستين عاما تنظيما واحدا مستقلا عن الدولة ـ حتى النوادي الرياضية ـ فلم تنعم الجماهير، ولا النخبة، بمناخ سليم يسمح بنمو الوعي السياسي والتدريب على المشاركة السياسية، التي كانت قاصرة على فقط على من يدورون في فلك الحزب الحاكم! وفي ظل قمع الحكومات المتعاقبة، لكل محاولة لتنظيم قوى المعارضة، لم تعرف مصر خلال ستة عقود أحزابًا سياسية حقيقي. وباستثاء جماعة الإخوان المسلمين، لم تجد قوى المعارضة أي مساحة للحركة العلنية طوال هذه الفترة. فكانت الجماعة تخلق دائما، فرصة للتحالف مع كل حاكم جديد على حساب قوى المعارضة الأخرى، حيث تساعد الحاكم ـ بداية من الحكم الملكي حتى فترة حكم المجلس العسكري ـ في ضرب التيارات الأخرى، فيتيح لها هامشا من حرية الحركة وتنظيم الجمعيات تحت أسماء مختلفة، فضلا عن هيمنتها على منابر المساجد ، خاصة في القرى؛ إلى أن تتجاوز أطماع الجماعة الهامش المسموح به، فيسارع الحاكم إلى التنكيل بها، ويعتقل نشطاءها، ولكن تبقى لها دائما فرصة الوصول إلى الجماهير عبر خطباء المساجد، والأنشطة التي تتخفى تحت أسماء جمعيات خيرية.
وبينما كان صراع الإخوان مع الأنظمة الحاكمة، بالأساس صراعا على السلطة، يقول الإخوان إنه بهدف إقامة دولة خلافة إسلامية، تكون مصر فيها ولاية ضمن إمبراطورية يطبق فيها شرع الله ـ على حد دعايتهم ـ كان صراع قوى اليسار المختلفة مع الحكومات المتعاقبة حول مطالب جماهيرية، تهدف في نهاية الأمر إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. ومن هنا، حرصت الحكومات المتعاقبة على قمع أي نشاط جماهيري لهذه القوى، وقطع أي خيوط للاتصال بينها وبين جماهيرها الحقيقية من العمال والفلاحين والفقراء. فلجأت هذه القوى إلى العمل السري، وأقتصرت أنشطتها على محاولة اقتناص فرصة عقد ندوة هنا أو وقفة احتجاجية هناك، أو تنظيم إضراب عمالي أو حركة فلاحية، ودائما ما كانت هذه المحاولات تنتهي بضربة أمنية تجهز على النشاط وتعتقل منظميه، قبل أن تصل رسالتهم كاملة إلى جماهيرهم!
وهكذا، تم تغييب الجماهير عن المشاركة، وصار المواطنون البسطاء يرون إلى العمل السياسي، أمرا لا يعنيهم؛ فانعدمت ثقة المواطن في قدرته على الفعل السياسي، وترك الأمر برمته للحكومة، وانتظر دائما ما يسفر عنه الصراع بين الحكومة والمعارضة من إصلاحات هامشية. كما لم تنعم النخب الواعية بمساحة حركة علنية تنضج خبراتها في العمل السياسي. وصار المناضلون، شيئا فشيئا، يعملون بإخلاص وتفان واستعداد للتضحية بالنفس من أجل تحقيق مطالب الجماهير، ويتقبلون التشريد والملاحقة في الرزق والاعتقال والتعذيب،وربما الاستشهاد، في سبيل ما يؤمنون به من مبادئ العدالة الاجتماعية والدفاع عن حقوق الفقراء! غير أن هذا النهج ـ رغم نبله ـ راكم وعيا عند هذه النخبة، يختلف عما يؤمنون به فعلا؛ إذ صار المناضلون يناضلون بالنيابة عن جماهيرهم، ويصارعون نظام الاستبداد والفساد، ويدفعون الثمن، بمعزل عن هذه الجماهير التي حيل بينهم وبينها. وصار معظم البسطاء يكتفون بالفرجة على الصراع بين النظام وهذه النخبة كما لو أن الأمر لايعنيهم. وكثيرا ما كان المناضلون الذين خرجوا ـ بالعشرات وأحيانا المئات ـ للدفاع عن مطالب الجماهير، يتعرضون للضرب والسحل أمام هذه الجماهير، فلا تهتم بالدفاع عنهم، وربما تعطفت عليهم بقدر من الشفقة، باعتبارهم يناطحون الصخر، فهم "العيال بتوع المظاهرات"!
غير أن هذه الجماهير المحرومة من الوعي السياسي، والتي تتمتع بقدر هائل من الصبر أملاً في انصلاح الحال، تنطلق إلى الشوارع هادرة عندما تفقد الأمل في إصلاح النظام. حدث هذا في يناير 1977 عندما، يئست الجماهير من تحقق وعد الرخاء الذي تعهد به السادات، وبعدما رأت سياسة الانفتاح تصب في جيوب "القطط السمان" بينما يزاد الفقراء فقرا؛ فما أن صدرت قرارات تمس رغيف العيش، حتى خرجت هذه الجماهير عفويا وتلقائيا إلى الشوارع! وهي، وإن كانت رددت شعارات سمعتها "من العيال بتوع المظاهرات"، لم تكن تملك الوعي الذي يجعل انتفاضتها تستمر أكثر من يومين ـ انهارت فيهما الدولة تماما ـ تم بعدها إخماد الانتفاضة بقوات الجيش. وفي نفس الوقت، لم يكن لدى النخبة المثقفة، تصور تستثمر به هذا الغضب الجماهيري، لتحدث التغيير المطلوب! وما أن عدل السادات عن قراراته، حتى عادت الجماهير إلى التمسك بالأمل؛ وعاودت صبرها 34 عاما.
وفي 25 يناير 2011 ، خرج الثوار يطالبون بوقف التعذيب وإقالة وزير الداخلية ورفع الحد الأدنى للأجور؛ لكن الملايين كانت التي خرجت وراءهم، بعدما فقدت أي أمل في إصلاح النظام ـ الذي أوصل بعضهم إلى قتل أبنائه لعدم قدرته الإنفاق عليهم، أو الانتحار هربا من الديون، أو بيع عضو من جسده لإنفاق ثمنه على تجهيز ابنته، أو بيع طفل من أطفاله للإنفاق على الباقين ـ رفعت سقف المطالب إلى إسقاط النظام، فنجحت في الإطاحة برؤوس النظام فحسب! ولما كانت هذه الجماهير لاتمتلك الوعي الذي تدرك به أن سقوط رأس النظام لايعني التغيير الحقيقي، فقد اكتفت بهذا القدر! وعادت إلى بيوتها تاركة الثوار وحدهم في الميدان، بل عاد بعضها إلى تصديق دعاوى النظام أنهم يعطلون عجلة الإنتاج ويريدون خراب البلاد! ولم يكن أمام الثوار، الذين لا يملكون تنظيما قويا قادرا على حشد الشعب لاستكمال الثورة، إلا العودة بعد أن فقدوا السند الداعم، بانصراف الجماهير عنهم.
وهاهو يناير يعود، وتنعقد إرادة الثوار على استمرار الثورة، ولكن عليهم أن يدركوا أن انتصارهم في الجولة الأولى تحقق بفضل الجماهير، التي عاد قطاع لا يستهان به منها إلى التمسك بالأمل في إصلاح، قد يجيء على يد الحاكم الجديد! ولاشك أن سياساته الفترة الماضية، تقضي تدريجيا على هذا الأمل، وسوف تخرج الجماهير مرة أخرى بدافع يأسها، وجوعها،وليس بوعي يضمن استمرار الثورة حتى انتصارها! فعلى الثوار أن يتمسكوا بجماهيرهم، حتى لا تنصرف عنهم مرة أخرى بمجرد تفريغ غضبتها. عليهم أن يدركوا أن المعركة الأهم الآن هي الاقتراب من الجماهير، وتوعيتها أن المعركة في الأساس معركتها، وأنها وحدها القادرة على إحداث التغيير المنشود، وعلى الثوار أن يناضلوا معها، لا بالنيابة عنها. وربما تكون الانتخابات البرلمانية القادمة فرصة لتحقيق ذلك، إلى جانب نضالات الشوارع والميادين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وجهة نظر
عدلي جندي ( 2013 / 1 / 13 - 12:05 )
السيدة المصرية الصميمة إكرام حتي لو نجحت ثورة أخري هل الجماهير في القري والنجوع والكفور لن تنتخب رجال الله مرة أخري في إنتخابات ديمقراطية لاحقة؟؟
ليس يأسا بل مجرد وجهة نظر اليسار خسر أرضية وصوت لا يستهان به بعد أن فشل الإصلاح الزراعي في برامجه لأنه كان إصلاح لحال الطبقة الحاكمة وقتها وليس إصلاح لأحوال مصر ...أتمني لثورة 25 يناير القادمة النجاح لأنها تصبح أول خطوة في طريق الألف ميل لإصلاح حال المهمشين والفقراء والإهتمام بالنجوع والكفور والقري من قبل قوي تحالف الإنقاذ حتي يتسني للمخلصين ورجال الإنسانية من تعديل أحوال ثقافة الصعيد

اخر الافلام

.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي


.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه




.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر