الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة المُلثَّمين... و أمي

ابراهيم سمو

2013 / 1 / 13
الادب والفن







قصة قصيرة
من وحي الواقع السوري .


ثورة المُلثـَّمين... و أمي







طفقوا يرشقون من فوهات بنادقهم على الله، ثم تقدمهم ملتح ،يتشدقُ عبرمُكبِّر صوت ... المغادرة ممنوعة . تلعثم المتفوه بعربية ركيكة؛ فعرّف عن جهة انتمائهم، ثم توقف عن الكلام حين أسلمه أحدهم جهازا خلويا ،وحالما ختم المكالمة ؛حيث كنا نراقب هلعين من خلف النوافذ والسواتر،عاود كلامه عبر المكبِّر فأمر ... اخلوا القرية فور!.
ـ ماذا ؟ نخلي القرية !! أثورة هذه أم جهنم ؟! كيف نخلي القرية .... ما الذي اقترفناه ثم من يعتقد اولاء الزبانية انفسهم ؟ . سادني اضطراب ، فهُرِعتُ احملُ سكينا من مطبخ أمي ... " ابو النظام على ابو الثورة ".شتمتُ صارخا فارتمتْ أمي التي كانتْ تقتفيني عليّ ... لا يا ولدي ! ضمتني الى دفئها ... من لي سواك ؟ فارتخيتُ حين رأيتُ الى ضعفها ... لو لم تكوني!. اعترضتْ جملتي وكرّرتْ في انكسار رتيب ... من لي سواك؟ ثم مدتْ يدها الى السكّين؛ فحررتـْهُ من قبضتي وتركتـْني اندلقُ ـ رغما عنها ـ الى خارج الباب، منزويا في عُجالة، وراء شيء يحجبني عن سرية المُلثـَّمين ،وخطيبهم الملتحي ذيّاك، اذ لمحتـُهم يفاوضون بل يـُذعـِنون جارنا مراد .... خل ِ السيارة واخل ِ البيت !
ـ السيارة.. و.. البيت ؟! تمتم مراد بلا وعي، فصفعه ملثم ...ألا تفهم ؟ أردف الصفعة بأخرى .... لا تناقش!
هيّا! لقـّمَ بندقيته و تعنترَ على مراد ،ثم سدّدَ على نواح ٍ حوله ؛فهرول الرجل صارخا في زوجه ويافعيه ....اتبعووووووووني!غادرمرادٌ الكهلُ وعائلتَه الصغيرةَ القريةَ؛ فخلـّفوا سيارتهم، ملابسهم،دوابهم والجوار؛ تركوا القرية بكل من / ما فيها ،واندلفوا الى طريق لا يقود الا الى مجهول .
ـ ما الذي يجري. لم أملك الا ان أهذي بذا وأزيد ... كيف هُنـّا عليه ؟ حتى جزمتُ ... كان الموت أفضلَ . ثم صرختُ ملء حنجرتي ....مرااااااااااااااااااااد ... الى أين يا مراد ؟! استقمتُ قاذفا زجاجة ،كانت ملقاة الى جانبي على الارض ،على الكتلة البشرية الملثمة تلك، التي لم يتوانَ مجرموها عن إمطارمكاني وحواليه برصاص تمكنتُ وليتني لم أفعل من الإنحجاب عنه فقنصَ هو الرصاص ـ وا شؤماه ـ والدتي.
أسرعتُ الى المرأة المُدماة ،التي لا أخمّنـُها ظهرتْ الا كي تستطلعني .... أمــيـيـيـيـيـيـيـيــــــي!هجتُ فاستعان أحدهم بالمكبـِّر ..... ارجع !! أرخيت لهجتي ...هي أمي ! قال بحزم ....ارجع ! استجديتـُه ...أمي تدمي . كرر... ارجع .وأتبعَ كلامَه ب " والا" يهددني فابتسمتْ اذذاك الوالدة لي من هناك جريحة ً .... أنا بخير . ارادتْ تهدئتي . فهل أهدأ ..وكيـــــف ؟ .
وااااه يا أمي !! كم من الخوف أخفيتِ .. كم.. و كم من الألم تحملتِ بغية تطميني بهذي الابتسامة .. يا نبضَ روحي يا أمي !. انتابني احباط مع هذين السؤالين المُعتـَمَلين في أعماقي ، فنزلتُ على ركبيتيّ أتذللُ...أقبـِّلُ أقدامكم . حتى تكرَّم أخيرا عليّ احدهم ....خذ "مهجورتك" عن وجهنا و"انقلع ". فانقذفتُ اليها ....أمــــــــي! . حملتُ ...ماأثقلها .. لكنها أمي! . تلقفتـُها وجالتْ عيوني حين استثقلتُ الوزن تبحثُ عن معين .
ـ معيــن !! وهل في ساعة كهذه من معين ؟!.
وي وااااه .. يا أمي !! كلٌّ يسعى ان ينفذ بجِلده ،الا انا اسعى لجِلدينا.. بل لجِلدك . هذا ما دار في خلدي وانا انثني، ابتغي تناولها بلا ايلام ؛فعكـَّرنا أحد الملثمين ب...اولاد "القحـ...؟" استعجلوا ! فانتشلتـُها بقوة لا أدري حقا كيف وردتني ، وألقيتـُها على ظهري ؛حتى ينطلقَ جسدي الهزيل ،ويعدو مع المُهلـَّعين.
لم يجتذبني في مسيرنا المـُروَّع سوى عويل انثوي ...ليتهم احتجزوك أو الأولاد عوض السيارة. فعلمتُ انها زوجة مراد لسابق علمي ان السيارة مثقلة برهون وحجوز ..تابعتُ وانا أبدّلُ ثقلَ الوالدة من كتف الى آخر ،الهرولةَ بخطى مَنْ يمضي يائسا الى اللارجوع.. تابعتُ غير مبالٍ بتلك الكثافة البشرية قـُدامي، حولي وورائي من اللاهثين؛ من ابناء قريتي ،لكني أرخيتُ الخُطى حين لمستُ برودة أصعقَ من الجليد، في تلك اليدين اللتين كثيرا ما منحتاني دفئا ،ثم استشعرتُ ثقلا مُباغِتا، أسقط هيكلها من إحكامي ،جثة على الأرض هامدة ، فاستدرتُ نحوها بعويل اقدحَ مرارة ً من زئير زوجة مراد على سيارتها ،متحركا ـ أنا ـ حول الجثة في فوضى.. أضربُ على رأسي ثم أمسكُ يدها؛ اضعـُها على أذني عَليّ أسمع نبضا ،و أقبِّل تلك اليد، ما ان استخلصُ انها ليست سوى قطعة عظم يابسة.. أقبِّلُ اليد اليابسة تلك ،وانفتحُ على نـُواح حنظل ،جديد ، دون ان أستميلَ به أحدا من المتدافعين،مُقرفِصا أخيرا حول البدن الأنثوي، الذي انجبني ذات يوم، وفي قرارتي ... إما ان أدفنَ أمي أوأندفِـن معها!

ابراهيم ـ بيليفلد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال