الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول تعديلات الدستور : جحا .. والجمل .. والحمار ... هل أصبح النفاق سلما للصعود؟؟

رفعت السعيد

2005 / 3 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ذات يوم تراكمت حالة من الملل عند السلطان، والويل للجميع إذ يشعر السلطان بالملل0 سئم من ثرثرات رجال حاشيته التي لا تخرج أية كلمة فيها إلا وهي ممزوجة بالنفاق0 يتزايد النفاق، يتصاعد، حتي يستنفد كل ممكنات اللغة، ولا مجال لتجديد أو لجديد، فيأتي الملل0

قرر السلطان أن يبحث عن جديد فاستدعي قائد الشرطة وطلب منه إحضار جحا0

ولأن الشرطي مفرط الحساسية إزاء ما يرضي وما لا يرضي0 ولأن كلمات السلطان أتت مبللة بالملل، تصور الشرطي أن جحا مغضوب عليه فأتي به مكبلا بحديد ثقيل، وأثقله بصفعات وركلات، والحاشية رأت ما يجري فالتهب نفاقها سعياً لإرضاء السلطان فانهالوا هم أيضا علي المسكين جحا0

لكن السلطان أتي ليأمر بالكف عن ذلك، وأزيلت القيود، وأجلس جحا إلي جواره، فانهال الشرطي مديحاً لجحا، وتصاعد نفاق الحاشية نفاقاً لجحا0

قال السلطان : ياجحا، يقولون إنك حكيم، فأجاب جحا حذرا: يؤتي الحكمة من يشاء0

فقال السلطان: انصحني ببعض من حكمتك0 صمت جحا مترددا ثم حزم أمره وقال : «السلطان وشعبه كركبتي بعير تقفان معا وتقعان معا»0 تأمل السلطان العبارة، ولعله لم يفطن إلي ما فيها من حكمة0 فقال : ثم ماذا؟

تلفت جحا في عيون المنافقين الملتفين حول السلطان ثم استجمع شجاعته وقال : «النفاق يفقد المنافق تعقله ويفقده كرامته، وقد يزيغ عيني السلطان عن الحكمة والصواب»0

تململ السلطان وقال : زدني0 لكن جحا قال: أمهلني يا مولاي إلي الغد، حتي أقلب صفحات الزمان القديم0

>>>

وفي الغد جلس جحا وبدأ ودون استئذان قائلا : يامولاي أعطني الأمان0 فأعطاه السلطان منديل الأمان0 وبدأ جحا يحكي :

«تعثر الجمل في حفرة فأعطبت ركبته، فوقعت به ركبتاه إلي الأرض0 وأتاه صاحبه الأعرابي يعتذر له0

قال الأعرابي: لعلي أثقلت بطول الطريق0 وبقي الجمل صامتاً في غضب0

فقال الأعرابي : لعل الحمل كان ثقيلا0

ثم : لعل الطعام كان قليلا0

ثم : لعلك عطشت ولم أسعفك بماء0

لكن الجمل لا يجيب، ويبقي صامتا وغاضبا0 ثم انفجر ساخطاً: 00 أنا أغفر لك طول الطريق، وزيادة الأحمال، وقلة الزاد، لكنني لن أغفر لك أبداً أنك ربطت الحبل في رقبتي ثم ربطته في ذيل الحمار وأغفيت أنت وتركت الحمار ليقودني0

قال الأعرابي مندهشا :كنت أعرف أنكما صديقان حميمان فلماذا يكون غضبك؟

فقال الجمل : نحن صديقان لم نزل، لكنه منافق، ونفاقه أفقده تعقله00 فتصور أنك سترضي أن يقودني إلي طريق شديد الوعورة لكنه مختصر، فوقعت0 وكان ما كان0 وها أنا لا أستطيع0 وأنت أيضا لا تستطيع0

00 وصمت جحا ولم يزد0 وسكت السلطان ولم ينطق، والشرطي تململ لكن منديل الأمان لم يزل مع جحا، والمنافقون المحيطون لم تهتز شعرة في رءوسهم فالنفاق مهنة معترف بها0 ولعلها المهنة الأكثر احتراما عند البعض0

>>>

وننسي جحا وما قال0 فما كانت الكلمات السابقة إلا من قبيل التسلية0 ونأتي إلي زماننا الرديء0 حيث البعض يتخذ من النفاق سلما للصعود، وحيث البعض الآخر ينتقد نفاق المنافقين، ليس لأنه خطأ، وإنما لأنه غير كاف، أوغير متقن0

فلأيام سابقة علي إعلان الرئيس طلب تعديل المادة 76 من الدستور كان أوركسترا النفاق يعزف بحماس أن تعديل الدستور مستحيل، وخطأ، وخطر، وجنون، وفي أحسن الأحوال: هو أمر لم يأت أوانه بعد0 وأن الاستفتاء هو أفضل أشكال اختيار الرئيس0

ثم قال الرئيس ، فإذا بالجميع يمتدحون الخطوة المباركة، وأنها جاءت في وقتها تماما00 و00و00إلخ0

ثم00 ولأن الرئيس لم يفصح عن رؤيته للضوابط المفترضة في الترشيح افترض طابور النفاق أن الرئيس يريد قيوداً وليس ضوابط0 فبدأوا في نسج سلاسل من القيود لتجعل الترشيح صعب المرتقي أو بالدقة لتجعله مستحيلا0 ثم بدأ التنافس علي من يكون في لجنة الإشراف علي الانتخابات، ومن يكون علي رأسها 0 كي يكون هو الأقرب 0 وكي يكون الأول الذي يزف البشري0

أما الأوركسترا الإعلامي فقد بدأ في العزف الصاخب للدعاية لطرف واحد ووحيد، أما المعارضة فهي ضعيفة وعاجزة ولا حيلة لها، ولا تجد مرشحاً واحداً ليتقدم للمنافسة0 وأنها انكشف عنها الغطاء، وأوقعها القرار الرئاسي في المحظور00 و00و00 إلخ0

والجمهور يبدي دهشة مستحقة0 فقد أوشكوا أن يقنعوه بأن المطالبة بتعديل الدستور جريمة0 ثم هم يؤكدون له الآن أنها الحل الأمثل0 وأكدوا له أن الاستفتاء هو قمة الديمقراطية لأنه لجوء مباشر للشعب، ثم إذا بهم يقولون له إن الاستفتاء هو بقايا رديئة من ماض شرير وبغيض0

أما الممسكون بتلابيب الإعلام الحكومي فقد أسرعوا ليغلقوا كل الأبواب أمام رموز المعارضة خشية أن ينطق أحدهم متسائلا: لماذا؟ أو كيف؟ أو إلي متي؟0 أو أن يحرجهم بسؤال عن معزوفات الأيام أو حتي الساعات السابقة علي إعلان الرئيس00 أو أن يهمس ولو همساً عما يجب أن يكون، وعما يجب أن يقال، وعن حقوق الجميع في قول متكافئ أو فعل متكافئ0

وهكذا فإن فترة ما بعد إعلان الرئيس، والتي افترض ذوو النوايا الحسنة أنها قد تأتي بانفراج إعلامي يفتح الباب ولو مواربا أمام المعارضة لتقول رأيها فيما هو مهم وجدي من مسائل، مثل شروط الترشيح وضوابطه، ولجنة الإشراف علي الانتخابات وتكوينها، والشروط الواجب توافرها كي يمكن أن يكون هناك ترشيح جادّ ومرشحون يحترمون أنفسهم ويحترمهم الجمهور، والحقوق المتكافئة، والمزايا المتساوية، أقول إن هذه الفترة وهي مختصرة وقصيرة - وربما كان ذلك متعمداً- تشهد الآن احتكاراً إعلامياً غير مسبوق، فكل الأدوات الإعلامية الحكومية مكرسة وفقط باتجاه واحد0 وكل الأجهزة الإدارية والحكومية محتشدة وفقط نحو مسار وحيد0

ولعل-أقول لعل-البعض يتصور أننا من السذاجة بحيث نستدرج يوماً بعد يوم حتي يتآكل الوقت أو يكاد، ولا يكون قد تبقي منه سوي أيام معدودات ليعلن- في براءة مصطنعة - هاكم ما تشاءون من إعلام، وهاكم ما تريدون من مؤتمرات وهاكم ما شئتم من مساواة فلا نكاد نلتفت لننطق إلا ويكون الوقت قد انتهي00 والحكم هو الميقاتي الوحيد0

ونقول من الآن إن هذا غير مقبول، ليس فقط لأنه غير عادل وغير عاقل00وإنما لأن أحدا يحترم نفسه، ويحترم تاريخه، ويحترم مستقبله لن يسمح بأن يشارك في هزل كهذا0

أقولها من الآن 0 فالأيام معدودة فإن مضي بعض منها، فالبعض المتبقي لن يكون كافيا0 ولن يكون مقبولاً0 أكرر00 أحذر00 أقرر00 لن يكون مقبولاً0

>>>

ولكي يكون الأمر واضحاً أقول:

إنه ومنذ أكثر من نصف قرن تحولت مؤسسة الرئاسة إلي قلعة عالية متعالية تأبي أن يطاولها أحد0 ومع ميراث عريق ومتراكم من نفاق المنافقين، ذلك النفاق الذي أصبح أقرب السبل إلي التطلع نحو مطامع الطامعين، وطموحات الطامحين، بغض النظر عن الكفاءة والقدرة والاستحقاق، فإن هذه القلعة تصبح بذاتها - ودون - أوامر صريحة أو ضمنية، وحتي دون أن يخطر ببال ساكنيها - سبيلا إلي أن يتمادي المنافقون في نفاقهم، فتصبح مانعة لأي خطوة أو همسة أو لمسة باتجاه التكافؤ0

ولهذا فإن الأمر يحتاج إلي أمر فوري حاسم وملزم 00 ملزم ليس فقط لمن اعتادوا ألا يعتمدوا علي العقل والعدل وإنما علي الأوامر الصريحة والآمرة، وإنما ملزم أيضا لأصحابه بحيث يكون عليهم أن يحتملوا بعضاً من صراحة وبعضا من نقد00

وحتي يأتي هذا الأمر الآمر00 أكاد أقول إن الأمور ستبقي علي حالها غير المقبول وغير المحتمل، بل وربما ازداد التحيز تحيزاً، والاحتكار الإعلامي احتكارا، وتشددت ضوابط الترشيح لتكون مانعة0

وأكاد أقول إن العزف المنفرد سوف يؤدي بالقطع إلي ترشيح منفرد0

فليس من عاقل يقبل لنفسه صفقة خاسرة تماما، ليست فقط خاسرة في نتائجها، وإنما خاسرة لأنه سيبقي في خضمها مكمم الفم، مغلول اليد، مهان القدر0 يدخل إليها مهاناً ويخرج منها مهاناً0

فلماذا؟

إن كان لدي أحدكم إجابة فليأت بها0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من