الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتهاكات حقوق الانسان وقود الأزمات

نزار الراوي
ناقد ونشاط مدني

(Mr.nizar Al Rawi)

2013 / 1 / 14
حقوق الانسان


تشتبك الأسباب والخلفيات التي أحالت جماهير أربع محافظات عراقية الى الشارع ليكون حكماً فيما بينهم وبين السلطة في بغداد، ومهما تعددت الأسباب وتلونت الخلفيات التي قادت الناس للاحتجاج على نحو موسع، الا أننا متأكدين أن أي من القيادات السياسية الحالية لا يتمتع بكل تلك القوة التي تستطيع تأجيج مشاعر مئات الآلاف من أبناء تلك المحافظات ودفعهم الى الشوارع والساحات.



لحد هذه اللحظة يبدو الوضع معقداً لمن يريد أن يصفه، جماهير أربع محافظات بأغلبية سُنية، الأنبار، الموصل، صلاح الدين، وديالى، يصرون على مواصلة اعتصام مدني مفتوح، يساندهم أتباع التيار الصدري الأكثر شعبية بين الشيعة، بحسب عدد الأصوات التي حازوها في انتخابات 2005، مؤيدين من جماهير المحافظات الكردية الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، لكن ما الدواعي والأسباب التي نتج عنها كل هذا الاحتجاج المترامي الأطراف؟



لقد كثر الحديث عن الأسباب التي دعت الى خروج كل هؤلاء المتظاهرين الى الشارع وبقائهم فيه، وطال الجدل حول المطالب ومعقوليتها وامكانية الاستجابة لها، وذهب البعض الى مناقشة مدى مطابقة تلك المطالب للدستور العراقي، فقد كان من ضمن المطالبات فضلا عن اطلاق سراح النساء المعتقلات، الغاء بعض المواد القانوية مثل المادة (4) من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005، وتعطيل العمل بقانون المسائلة والعدالة، كما طالب المتظاهرون بالتعجيل في اصدار قانون العفو العام، مع أن الجميع أكد أن لا أحد ضد مكافحة الارهاب في العراق، وليس هناك من يعترض على وجود مواد قانونية تجرم الارهاب، كما أن لا أحد مع عودة البعثيين الى السلطة، والمعتصمون ومؤيدوهم مع محاسبة المجرمين من البعثيين، لكنهم أجمعوا على أن تلك المواد القانونية التي طالبوا بوقف العمل بها، وبخاصة المادة 4 ارهاب، دائماً ما يُساء استخدامها من قبل السلطات التنفيذية، حتى أمسى المواطن لا يشعر بالأمان مهما كانت سلامة موقفه القانوني عند التلويح له بتلك المواد القانونية.



اذا وفي نظرة متفحصة وموضوعية الى الدواعي الحقيقية للاعتصامات ومطالب المتظاهرين الرئيسة نجد أن قاسماً مشتركاً يجمعها، وهو الشعور الجمعي لدى جماهير عريضة من الشعب العراقي بتعرضهم لانتهاكات خطيرة في حقوق الانسان، وبوجود أرضية قانونية مقلقة تمهد لاستمرار حدوث مثل تلك الانتهاكات.



ولطالما حذرنا، بوصفنا مراقبين وناشطين في المجتمع المدني العراقي، الحكومة الحالية والحكومات الثلاث التي سبقت، بدءاً من حكومة الدكتور إياد علاوي، من مغبة التعامل مع حقوق الانسان تعاملاً سطحياً لا يؤسس لفهم معمق لتلك الحقوق كالتزامات لا مناص من التمسك بها حتى في أشد الظروف تعقيداً.



فقد شهدت السنوات التسع الماضية استمراراً لانتهاك حقوق الانسان في العراق وقد عملت الحكومات المتعاقبة، من حكومة الدكتور علاوي ثم حكومة الدكتور الجعفري وحكومة السيد المالكي الاولى ثم الثانية، على حرمان العراقي من الشعور بالاطمئنان لحقوقه التي كفلها الاعلان العالمي للحقوق الانسان والمواثيق والدولية المتعلقة به.



والآن نحن نشعر بالخطر الحقيقي لما يتناهى الى أسماعنا من صدور أوامر من الحكومة المركزية الى القطعات العسكرية للتدخل في ادارة وتوجيه الاعتصامات مما قد يؤدي الى حدوث مزيد من الاحتكاكات كالتي وقعت في الموصل التي تحدثت عن اطلاق نار في الهواء من قبل القوات الأمنية لتفريق المتظاهرين، وحادث دهس بعربة عسكرية لعدد منهم، وقد أوردت تقارير من الأنبار أن قطعات من الجيش العراقي تطوق المتظاهرين لأسباب غير معروفة، وهذا ما يسبب قلقاً للمراقبين وخشية من أي يحدث أي احتكاك قد يؤدي الى نتائج وخيمة لا يمكن السيطرة عليها لاحقاً.



أقول أن على الحكومة العراقية ان ارادت الخروج من هذه الأزمة سالمة معافاة وقوية ومحترمة من قبل الشعب العراقي بأجمعه محتجين وغير محتجين؛ فليس لها الا أن تترك الفهم السياسي للأزمة، وأن تتنازل عن التفكير كسلطة حاكمة لمصلحة الايمان بضرورة الحفاظ على الشرعية التي أكتسبتها من الجماهير، والجماهير وحدها القادرة على انتزاع هذه الشرعية أنى شاءت، كما عليها أن تتذكر أن الجماهير العراقية قد قبلت لسنوات عديدة بتراجع خطير في مستوى الخدمات حتى صارت بغداد ومدن العراق أسوأ المدن في العالم للعيش الكريم، وقد ارتضت الوقوف ساكنة إزاء أضخم عمليات فساد مالي واداري في العالم والتي تشير اليها المنظمات الدولية المعنية بمراقبة النزاهة والشفافية، كما أن تلك الجماهير لم تعبر يوماً عن قبولها بالواقع المشوه لبنية السياسية العراقية التي قامت على أسس طائفية مقيتة أنتجت محاصصة خربت البلاد، فقد اتجهت في انتخابات 2010 لمنح أصواتها للقوائم التي أعلنت تنصلها من المشروع الطائفي، كالعراقية ودولة القانون، ولو أن الأخيرة كانت قد التفت مرة أخرى وفضلت العودة الى الاصطفاف الطائفي بعد التغرير بجماهيرها بدعوى أنها قائمة عابرة للطوائف، مع ذلك لم تتخذ الجماهير العراقية أي موقف يذكر للحد من استغلال القوى السياسية للمشاعر الدينية والعواطف المذهبية لدى جمهور الناخبين واستغلال ذلك للوصلل الى مآرب حزبية ضيقة، ولكن الجماهير العراقية لا يمكن لها أن تواصل الصمت حين يتعلق الأمر بحقوق الانسان والحريات العامة.



فحقوق الانسان، وان كانت في كثير من الأحيان تأتي في ذيل قائمة أولويات الحكومات العربية والشرق أوسطية، الا أنها دائماً ومنذ أمد بعيد تأتي على رأس أولويات المواطن العربي الذي لا يؤمن بالحياة بلا كرامة وشعورٍ وافر بالأمان لنفسه وعائلته، وفي نظرة سريعة للتراث الأدبي لتلك الشعوب نجد أنه زاخر بالصور التي تروج وتشيع قيم الاباء والعزة والكرامة، وقد تصل في كثير من الأحيان الى الدعوة الى الموت في سبيل تلك القيم، تلك القيم قد ضمن معظمها الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمعاهدات والمواثيق الدولية، والتي هي اليوم ما أدعوه بالنضال الجديد للشعوب العربية.



فالشعوب التي حققت بكفاحها المستمر منذ مئة عام منجزات الاستقلال، وطرد جميع القوات المحتلة، وبناء نظم ديمقراطية واعدة، اليوم هي تؤسس لنضالها الجديد لتحقيق جميع مبادئ حقوق الانسان وصيانتها والذي لن تتنازل عنه حتى يتحقق شاءت حكومات العراق والدول العربية الأخرى أم أبت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار