الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوح القصة وبلاغة المعنى

حيدرعاشور

2013 / 1 / 15
الادب والفن



من بين كل الانواع والأجناس الادبية تحتل القصة القصيرة تفردا استثنائيا ليس بسبب قصرها من حيث الحجم نسبيا مما يجعلها تتناغم مع ايقاع العصر فحسب بل انها الفن الاصعب سواء على مستوى الكتابة ام على مستوى التلقي والتأثير وغالبا ما تقارن سوزان لوهافر في كتابها ( الاعتراف بالقصة القصيرة ) بين فن القصة وفن القصيدة من حيث حساسية المفردة والمناخ الدرامي والقدرة على التكثيف والانفتاح على تعددية المعنى وتلجأ لوهافر بحسها النقدي العميق ومراسها التحليلي الى اسلوب المقارنة اعترافا منها من صعوبة او تعذر ايجاد تعريف محكم واستدلالي لفن القصة القصيرة فالشخوص في القصة القصيرة هم افراد مستقلون (ونتاج للحدسيات الغنائية ) بينما الشخوص في الشكل الطويل هم ( تجسيدات ) للموضوعات . تقترب عوالم ومنحنيات القصة القصيرة وخواصها الاختزالية على مستوى السرد واللغة والحبكة والإيقاع من خواص البلاغة والتركيز والكثافة الشعرية وربما تحيلها اختزاليتها العالية وحساسيتها في الالتقاط الى نوع من التشفير او الكتابة الرمزية كونها ومضة وجودية للحظة درامية استثنائية تبتعد كثيرا عن الاطناب والتمدد السردي ووفق هذه الاشتراطات الفنية والفكرية يعدها النقاد بأنها الفن الاصعب لان الكاتب يختزل بؤرة من بؤر الدراما الانسانية في ثلاث او خمس صفحات تنطوي هذه الاختزالية المتمركزة على الوصف المكاني والزماني والحدث والبطل الى جانب الاحتفاء بالثالوث الارسطي القائم على البداية والوسط او ( الذروة ) ثم النهاية والقاعدة الارسطية هذه لم تخصص للبناء الدرامي بل تكاد تشمل الكثير من الانواع الادبية والفنية وكذلك فن الاوبرا والمسرح الغنائي والفن السابع (السينما ) .وعلى الرغم من عمومية القانون الارسطي لكن الخصائص النوعية لكل نوع ادبي او فني ظلت تحتفظ بخصوصيتها وقوانينها الخاصة وأسرارها وقواعدها التي لا يدركها إلا من يتمرسها ويختص بها . اسوق هذه المقدمة الاستهلالية عن خطورة وسمو القصة القصيرة بوصفها شفرة جمالية مؤثرة وصعبة المراس وليس من السهل تعاطيها لا سيما على مستوى الكتابة فليس غريبا ان نجد روائيين كبار في كتابة الرواية – نجدهم ظلوا صغار وهامشيين في كتابة القصة القصيرة والأغرب من ذلك ان من يجيد فن القصة لا يصعب عليه الولوج او التعاطي مع كل الفنون الافصاحية الاخرى لقد بدأ نجيب محفوظ وهمنغواي وغائب طعمه فرمان مع القصة القصيرة ثم انطلقوا الى الذرى الروائية السامقة .
ان القصة القصيرة تتطلب استشرافا غير قصير فهي فن الاحتفاء بلحظة مشحونة ومركزة وتأطير صورة متفجرة من صور الواقع الشائك والملتبس وكم كنت سعيدا ومتفاعلا حين اكتشفت ان الصديق الدؤوب والعصامي ( حيدر عاشور ) يعلن عن هوسه بالقصة القصيرة وظل حلمه في مراودة عشيقته ( السردية ) تشكل له تحديا كبيرا لكن ما يحسب له هو حماسه الذي لم ينطفئ وقدرته على اكتساب المعرفة والمران في الكتابة والاطلاع على اساليب القصة القصيرة ورموزها الكبار وظل يراقب حياته الخاصة والعامة لكي يلتقط البذرة الدرامية لإنشاء نص قصصي متقدم في رؤيته وفي مقاربة الهموم الانسانية وصراع الانسان مع محيطه الطبقي والاجتماعي والسياسي مما يجعل قصص مجموعته عبارة عن مفارقات درامية حادة وهي ترصد مواقع الخلل والإخفاق والزيف وكل اشكال الاستلاب التي تعرض لها الانسان في عالم مكتظ بالرياء ومدجج بالخواء ومشحون بالصراع الغنائمي . وقد لجأ الى نهايات الميلودرامية تماهيا مع غرائبية الواقع وتعميقا للإحساس بالصدمة لما يجري على خشبة (الواقع ) المليء بالخطأ والخطيئة الموشح بالاستغلال والفر دانية المقيتة وتسليع الانسان رجلا كان ام امرأة في عالم يسعى الى تشيؤ الوقائع وتخشب المثل العليا في محاولة للعودة غير البريئة الى البدائية المتوحشة .
اعتقد ان حيدر عاشور نجح في رصد الواقع وتقديم نماذج من ابطاله المهمشين والمسحوقين تحت ضغط الصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي والخواء السياسي .
وعلى الرغم من هزيمة بعض ابطاله النسبية لكنه يؤسس (لحلمية ) قادمة او تحريض على الرفض بأسلوب ايحائي وقصديه رمزية .
ينبغي الاحتفاء ب(حيدرعاشور) انسانا وقاصا وصحفيا فما احوجنا الى ثقافة الاحتفاء وطقوس التفاعل فهي وحدها التي تحول الحياة الى بوح انساني متقدم ومؤثر وصانع لكل ماهو استثنائي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس