الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصالحة ام ... طمس حقوق؟

خالد السلطاني

2005 / 3 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عشية سقوط النظام الدكتاتوري التوتاليتاري بالعراق في يوم 9 نيسان عام 2003 الخالد ؛ وبـُعيد هذا التاريخ المجيد ، انتقل عدد من العراقيين اللذين كانوا يمثلون رموز معارضة النظام البعثي الى داخل العراق ، وتبؤوا لاحقا ً بعض المناصب التى شغرت بهروب واختفاء رجال العهد البائد . ونُـظر الى قرار اشغال رجال المعارضة السابقة لتلك المناصب كونه قرارا ً صائبا ، وموفقا ً .. وضروريا ً ايضا ً ؛ لجهة المضي قدماً في تحقيق الدولة الديمقراطية المنشودة التى سوف تسهر على مصالح مواطنيها جميعا ًوتذود عن كرامتهم ، وتسرّع من مهام رفع الظلم والغبن والتعسف الذي مارسه النظام السابق على شعبه ، ولاسيما معارضية وعلى ذويهم ، مما اضطر هذا العدد الكبير من العراقيين الى هجرة بلادهم ، وتشتتهم الواسع وغير المسبوق في دول العالم المختلفة .
وبانخراط اولئك العراقيين العائدين من الخارج في الشأن السياسي لعراق ما بعد الحكم البعثي الفاشي ، ومشاركة البعض منهم في رسم سياسة نظام الحكم الجديد ، وانضمام كثير منهم الى تنظيمات واحزاب سياسية ؛ نلاحظ ، اليوم ، بان اهداف وبرامج غالبية الاحزاب العاملة في المشهد العراقي السياسي ، تكاد تخلو تماما من اية مشاريع او توصيات في شأن دعوة بقية العراقيين المتواجدين في الخارج بالعودة الى بلدهم ، وتسهيل مهام رجوعهم ، او اقتراح مسعى واقعي لايجاد صلة ما ، اوتعزيزعلاقة ما مع هذا الحشد الكبير من "عراقي الخارج " ، بغية فسح المجال امامهم للاسهام الجدي في تحقيق آمالهم المشروعة التى جاهدوا كثيرا في سبيلها ، برؤية بلدهم وهو يرفل بنظام عادل : ديمقراطي وتعددي . ويثير هذا الواقع المرير الدهشة والاستغراب لدى الكثيرمن العراقيين ، كما انه يبعث عن الحيرة والارباك لديهم ، ومما يزيدهذا الامر غموضا وبلبلة ، انهماك الطبقة السياسية العراقية الحالية بدعوات ومزايادات مشبوهة " لمصالحة " مزعومة مع رموز الحكم البائد وجلادي الشعب السابقين ، والمطالبة علنا ً وجهارا ً " ببعث " الايديولوجية العفلقية الشوفينية المقيتة ، المتأسسة على الاستعلاء القومي المتعصب وسياسيات الغاء الاخر ، والسعي بزجها سريعا ً في حراك العملية السياسية الجارية في البلاد . كما ينظر الى تفعيل دعوات " المصالحة "الان بغرابة ، وخصوصا ً وهي تأتي بالتساوق مع محاولات تعتيم تام ، وتغييب كامل لقضايا " عراقي الخارج " ، تلك القضايا التى تمتلك احقيتها ، ويتوجب منحها اولوية في بنود العمل السياسي الراهن ، فضلا على اتسام تلك القضايا لخصوصية واضحة ، اكتسبت مشروعيتها جراء ابعادها الوطنية والانسانية .
لقد مثل حضور العراقيين خارج بلدهم واقعا حقيقا لا يمكن لاحد انكاره ، وتقدر بعض المصادر الموثوقة بان عددهم يناهز الثلاثة ملايين شخص وربما اكثر ، جلهّم من ضحايا النظام الدكتاتوري ، والكثير منهم اصحاب اختصاصات ومهن وحرف ومؤهلات نادرة ، يحتاجها اليوم بلدهم بشكل استثنائي . كما ان الغالبية منهم يجيدون لغات عديدة ، آهلتهم لان يضيفوا نبعا ً معرفيا جديدا لثقافتهم ، ولمؤهلاتهم ، ولاختصاصهم .
في ضوء تداعيات هذا الواقع ، تبدو ممارسات " التغاضي " و"الاهمال " و"التجاهل " التى يتبعها السياسيون العراقيون تجاه هذه القضية ، امرا محيرا وغير مفهوم ، ويعد هذا الامر ، عدا كونه امرا ًغير اخلاقي ، فانه غير وطني بالمرة . ذلك ان " عزل " هذا العدد الكبير من العراقيين ( الذين يمثلون بمجموعهم " الفئة " الثالثة من مقومات المجتمع العراقي ، فهم من ناحية العدد، بعد "الاكراد" ، او يقعون بالقرب من عدد " سنة عرب العراق" ، اذا " جاز" لنا استخدام ذات " المعايير الفئوية " الرائجة في هذه الايام لاصحاب دعوات " المصالحة " ! ) ؛ وابقائهم في دول المهجر ، وغلق جميع سبل العودة امامهم ، والتنكر لحقوقهم ، وحرمانهم من المساهمة في بناء واعمار بلدهم ، و" التشكيك " حتى في عراقيتهم ،- كما سمعنا ، مؤخرا ً، تصريحات ، منسوبة الى بعض السياسيين المغمورين الذين انبروا " فجأة " في دور المدافع عن البلد واهله ، وهم في حقيقة الامر ماهم الا الوجه الاخر لاستمرارية سلوكية النظام الصدامي البائد و" تجلياته " المتنوعة والمتعددة !- . وغير خافٍ في ان الاعتماد على مثل هذه الممارسة والاستمرار فيها ، ستفضي ، لا محالة ، الى تعطيل عجلة التقدم والازدهار في البلاد ، واطالة امد حرمان غالبية العراقين من استخدام ثمار التقدم العلمي والتكنولوجي ، تلك الثمار التى تتمتع باستخداماتها اليوم ، كثير من شعوب الارض ؛ فضلا ً عن الاحساس بشعورالاحباط والخيبة لدى عدد كبير من العراقيين وذويهم ، ولاسيما المقيمين منهم في الخارج ، جراء استمرارية وبقاء ضروب الحيف، والقهر، والظلم ، والكثير من السلبيات الاخرى ، التى اقترن وجودها بوجود النظام الدكتاتوري البائد ، وليس ثمة مبرر الان ، البته لدوامها، اوديمومتها بعد التغيير المجيد .
في المقابل ، تبدو دعوات الساسة العراقيين المخجلة ، الى ابداء نوع من " المصالحة " مع جلادي الشعب السابقين ، ومحاولة تأهيل فكرهم الشوفيني مجدداً ، التى ارتفع ضجيجها في الاونة الاخيرة ، تبدو وكأنها المعادل الخفي " للتهرب " من استحقاقات حل اشكاليات "عراقيي الخارج " ! . في حين كان الاجدر برموز الطبقة السياسية العراقية ،عوضا عن ذلك تقصي حلول ناجعة لقضايا حقيقية ، تهم الناس ، والتخفيف من تبعات جور وتعسف قرارات النظام السابق ، وليس " الهرولة " وراء امور مفتعلة ، وحتى وهمية ، ظاهرها الحرص على " ترسيخ" مقومات نسيج المجتمع العراقي ، وباطنها " الولاء " الاعمى للنظام الدكتاتوري وحكمه الشمولي وشعاراته الجوفاء .
واذا كانت ثمة ضرورة " لمصالحة " ما ، فانها ينبغي ان تتم مع " عراقي الخارج " ، والاسراع في تهيئة الوسائل الممكنة لدعوتهم الى وطنهم ، ورد حقوقهم التى سلبها النظام الدكتاتوري البائد ، كما تفعل الحكومات الوطنية الاخرى التى جابهتها مثل هذه الاشكالات . وليس ببعيد هنا ، تجربة " الجزائر" بعد الاستقلال ، والتى ترد كمثال واقعي ، لما يمكن ان يكون اسلوبا عمليا ً ينبغي للحكومات العراقية المتعاقبة ان تتبناه ، او كان ينبغي عليها تبنيه ، بعد التحرير المجيد . اذ تم حصر " جميع " اسماء الشهداء ، والمجاهدين الاحياء في الجزائر و" خارجها " لتكريمهم ، ورد حقوقهم التى سلبها الاستعمار الفرنسي وقتذاك . والسؤال مافتأ مطروحا ً على النخبة السياسية العراقية الداعية الى " المصالحة " ، ماذا فعل المسئولون، الذين تبوؤا المناصب الرسمية بعد التحرير لمعالجة هذه المشكلة تحديدا ً ، عدا تسمية وزارة باسم المغتربين والهجرة ، لا نعرف حتى الان مهامها واهدافها ، كما لا نعلم بنجازاتها او إجراءاتها ، بعد مرور هذه المدة الطويلة على تأسيسها ؟
ان خلو مناهج اكثرية الاحزاب العراقية عن اية اشارة لقضايا عراقي الخارج ، وعدم التقدم باي مشروع واقعي ملموس في هذا الصدد ، يدل ، فيما يدل ، على عدم جديّـة تلك الاحزاب والمنظمات ، وابتعادها كمؤسات مجتمع مدني عن قضايا اساسية تخص مصائر افراد عديدين من الشعب . ويكشف مثل هذا "التغاضي " المشين الذي تمارسه تلك الاحزاب في اطار هذه القضية تحديدا ً ، يكشف عن زيفها وادعاءتها ، التى لا تنسجم مع واقع عراق اليوم ، وتطلعات غالبية شعبه في تحقيق نظام ديمقراطي ، عادل ومتسامح .

واخيرا ً ، نذكـّر اصحاب دعوات "المصالحة " ، وجميع المسئولين الذين سيكون من ضمن واجباتهم معالجة مشاكل "عراقي الخارج " ، نذكرّهم بامرين اساسيين ، يحسن اخذهما في نظر الاعتبار ، اولهما ، هو ان ليس " جميع " العراقيين في الخارج ، سيغادرون " بلدانهم " الثانية ، ويسرعون بالرحيل الى وطنهم الاصلي ، بمجرد صدور هكذا دعوة من اصحاب القرار في بغداد ، مفترضا ً ان قسما ً منهم قد يجتهد في ايجاد منافذ بديلة لخدمة وطنه الاصلي ، عن طريق موقعه في بلد اقامته الحالية ، وربما وجد آخرون مقاربات عديدة ومختلفة لكيفية الاتصال ببلدهم الاول ، مقاربات ستحرص في محصلتها على ائراء امكانات العراق الثقافية والحضارية ، وانجاح مشاريع اعادة الاعمار ؛ لكن هذا كله ، لا يمكن له ان يعطي مسوغاً او تبريرا ً ، في اي حال من الاحوال ، للتنصل عنهم وعن قضاياهم ، ونكران حقوقهم المشروعة ، التى اكتسبوها بعملهم المضني والدؤوب والشخصي ، سواء في العراق ام في خارجه ؛ كما لا يجب ان تشكل نوعية الاحتمالات المفترضة لسلوكية " عراقي الخارج " المستقبلية تجاه وطنهم الاول ، باعثا ً مضافا لترويج مقولات ، تزعم بان ليس ثمة مشكلة اصلا ، لما يسمى " باطروحة " عراقي الخارج ؛ فالاساس هنا ، حضور العدل والقانون ورد الحقوق والاعتبار، بمعزل عن التكهنات والمساومات، وليبعث هذا الحضور الشرعي والتشريعي برسالة واضحة ، مضمونها مزيداً من الاطمئنان بان العراق الجديد ، هو بالواقع بلد القانون والعدل والمساواة ، وليس بلدا آخر ؛ والامر الثاني ، هو ما يخص " المصالحة " ذاتها ، التى يجتهد غالبية ممثلي الطبقة السياسية العراقية ، بجعل التغييب و التعتيم الذين يراد لهما ان يلفا قضية "عراقي الخارج " وكأنها مناسبة مواتية للشروع في تحقيق " اجندات " خفية ، ومن ثم الاشهار العلني باجراءات مطالبة " لمصالحة " ما ، والتذكير الذي يتوجب ذكره ، بان الوقع الايجابي لاية مصالحة ، سيكون مؤثرا ومناسبا ، عندما تعاد اولا ، " كامل " حقوق العراقيين جميعا ً التى خرقها النظام السابق ، ومارس انتهاكاتها بكل شوفينية، وتعصب مقيت طالت الكثيرين .
وفقط ، عندما ترد جميع حقوق العراقيين المهضومة ، عند ذاك نصغي الى دعوات " المصالحة " التى يراد بها فعلا تكريس قيم ومبادئ العدل والقانون ، وتعزيز مقومات نسيج مجتمع العراق : الديمقراطي ، التعددي والمتسامح .
وبدون ذلك ، سيظل ينظرالى دعوات " المصالحة " المضللة ، كونها محاولة لمسك "ريح " تائه ؛ لا تستند دعواها على اية شرعية ، كما لا تمتلك مناشداتها اية مصداقية □□
* معماروأكاديمي عراقي
مدرسة العمارة / الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون
كوبنهاغن - الدانمرك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية