الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدوارد سعيد والرسالة الأخيرة

هويدا طه

2005 / 3 / 24
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


تختلف القنوات العربية الفضائية عن تلك المحلية الأرضية، في كونها تصل إلى جميع الأقطار العربية، ليس فقط من حيث البث، وإنما من حيث الخطاب، الذي تخاطب به مشاهدها في تلك الأقطار، ورغم أن هذا الخطاب تتحكم به إلى حدٍ كبير توجهات ممولي هذه القنوات، سواء كانوا أفراداً أو دولا، إلا إنه خطاب ينطلق من ويعتمد على(القاسم المشترك)بين المواطنين العرب، على اختلاف أقطارهم، من ذلك مثلا(الموقف العربي العام)من العالم، من الآخر، من التاريخ، من الإنسان بصفة عامة، من حركة العصر، من العولمة، من الهيمنة الأمريكية، من الثقافة العربية السائدة، ومن الثقافات الوافدة.. في عالم ٍ أصبح مفتوحاً، بفضل أصحاب بعض تلك الثقافات،.. يتمثل ذلك في البرامج الإخبارية، الحوارية، الوثائقية، الدرامية(مسلسلات تعالج قضايا اجتماعية أو سياسية أو غيرها).. إلى آخره من التنويعات التليفزيونية المختلفة، ربما يكون(الموقف من العالم)هو أهم تلك التنويعات التي تبرز في محتوى البرامج المختلفة، وخاصة في نشرات أخبار الأحداث الراهنة، أو برامج التحقيقات، أو برامج ترصد مواقف النخبة العربية المثقفة، على اختلاف مشارب ومواقف وإيديولوجيات أفرادها، نظراً لكون العالم العربي يعيش في اللحظة الراهنة(مأزقاً حضارياً)في علاقته بذلك الذي اصطلح على تسميته(الآخر)، ربما وقع العالم العربي في ذلك المأزق بسبب تأخره السياسي والثقافي بالنسبة لحركة العالم ككل، وربما بسبب ما(يكمن)في ثقافته من(عنصرية كامنة)تجعل العربي على(يقين)غريب من أنه ينتمي إلى(خير أمة أخرجت للناس)، بما فيها حتى تلك الأمم.. التي سبقته بسنين ضوئية في مختلف الأنشطة البشرية!، وفي جميع الأحوال.. يحتاج تفسير المأزق الحضاري العربي جيشا من الباحثين الموضوعيين، لمعرفة وتحديد سبب هذا الركود، وسبب هذه النظرة إلى العالم، التي تنعكس على رؤية وفكر وسلوك العربي، سياسياً وثقافياً ودينياً، لذلك تأتي أهمية القنوات الفضائية، لما تتمتع به من ميزة خطيرة في الوصول إلى الملايين، كي تغير- ولو بالتدريج- نظرة المواطن العربي إلى نفسه وإلى الأغيار، ليس من خلال برامج سطحية تنقل بعماء إنتاج الآخرين، وإنما ببث برامج عن نماذج ٍ- عربية تحديداً- استطاعت أن تتجاوز تلك الحواجز الثقافية، وتعبر جدار الإغراق في الذاتية العربية، وتتخلص من(ثقافة اليقين)التي تحرمنا من رؤية العالم الخارجي، وبالتالي التفاعل معه، أحد تلك النماذج هي المفكر الأمريكي- فلسطيني الأصل- إدوارد سعيد، الذي رحل عن عالمنا متأثراً بمرض السرطان منذ أقل من عامين، فقد بثت قناة العربية برنامجاً عنه بعنوان(إدوارد سعيد.. الرسالة الأخيرة)، بالطبع لن يشاهده الجمهور المعتاد على مشاهدة(ستار أكاديمي)أو برامج المسابقات أو ما شابه! من يستقر أمام شاشة التليفزيون نحو ساعة، لمتابعة فيلم عن إدوارد سعيد، معظم فقراته أجزاء من محاضراتٍ ألقاها في مواقع مختلفة، هو ذلك المشاهد الذي يستطيع فيما بعد- بشكل مباشر أو غير مباشر- التأثير في الشرائح الأوسع من مجتمعه، إدوارد سعيد الذي تعرفه الدنيا ولا يعرفه من العرب إلا القليل(من نخبتهم)، يحتاج منا إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية والدرامية عن فكره وحياته، لا لفائدته هو، فقد رحل عن عالمنا الذي آلمه كثيرا، وقد منحه كثيرون في ذلك العالم.. ما يستحقه من اهتمام.. في وقتٍ كان العالم العربي فيه- ومازال- مأخوذاً بنماذج مشوهة من مثقفيه، صبت في أذنيه وبصيرته المزيد من تكريس العنصرية العربية تجاه العالم، وإنما لفائدة أجيالٍ قادمة من العرب.. ينبغي أن تنقطع صلتها بثقافة اعتبار الآخر غير العربي(من أحفاد القردة والخنازير)! وهي مهمة(تنويرية)يمكن نشرها عن طريق الوسيلة الأكثر قدرة على(التغلغل)في عقل الإنسان المعاصر، التليفزيون، هذا الفيلم عن إدوارد سعيد، ركز بالذات على نظرته للعالم، وكيف يجب على العربي أن يعيد النظر في موقفه منه، فهو الفلسطيني المسيحي الذي ولد في فلسطين، وتربى بالقاهرة، ثم غادر إلى الولايات المتحدة، وعاش فيها دارساً ثم أستاذاً ومفكراً مبدعاً، وناقداً عنيفاً للسياسة الأمريكية تجاه العالم، ومدافعاً عن إنسان الشرق الأوسط الواقع تحت هيمنة الولايات المتحدة، على اختلاف دينه وعرقه ودولته، وهو صاحب الكتاب الشهير عن الاستشراق وكذلك كتاب الإمبريالية والثقافة، وغيرهما كثير، اختزن في أعماقه شعور العربي بالمرارة، تجاه ما تعرض له على يد الاستعمار بمختلف أشكاله على مر العصور، وبدلا من نمو الرغبة في الانتقام بداخله بسبب تلك المرارة، استطاع بسعة أفق وثقافة عميقة.. أن يتجاوز هذه المرارة، ويعبر ذلك الجدار العنصري،ليرسم حلمه بعالم ٍ(خالٍ من الحدود).. البشعة كما يصفها، وفي ذلك الفيلم الذي عرضته قناة العربية، تلا إدوارد سعيد(رسالته الأخيرة)قبل رحيله بأشهر، في محاضرة له بالقاهرة، فقال في أحد فقراتها:"أنا حزين جدا.. لأن أمريكا خلقت نوعا جديدا من السيطرة في العالم، لذا فإن معركة المفكرين الكبرى الآن: هي معارضة ذلك النوع من القوة، المعركة الكبرى اليوم هي: كيف نخلق عالماً بدون سيطرة أو إكراه، كيف نخلق عالما... بدون حدود.."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الضفة الغربية المحتلة: سياسة إسرائيلية ممنهجة لجعل حياة ا


.. إسرائيل تصادر أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية منذ اتفاقيات




.. مشاركة كبيرة متوقعة في الانتخابات التشريعية البريطانية


.. غزة.. أطفال شردهم القصف الإسرائيلي ونازحون ينزحون من جديد




.. ماذا قدم حزب المحافظين للبريطانيين وما مصيره؟