الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلافات المعارضة السورية

محمد سيد رصاص

2005 / 3 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لم تكن المعارضة السورية في فترة ما قبل (10 حزيران 2000 ), مختلفة في النظرة إلى النظام, الشيء الذي استتبع توافقات في الرؤية البرنامجية للمعارضة, وأيضاً في مطالبها السياسية بالتالي.
بعد ذلك التاريخ, دخلت المعارضة السورية (أحزاب " التجمع الوطني الديمقراطي " : الحزب الشيوعي – المكتب السياسي, حزب الاتحاد الاشتراكي العربي, حزب العمال الثوري العربي, جماعة 23 شباط, حركة الاشتراكيين العرب, إضافة إلى المثقفين المنضوين ضمن " حركة إحياء المجتمع المدني " ) في رؤية مختلفة حيال العهد الجديد : رأت المعارضة, في أدبياتها وتصريحات قادتها, بأن هناك " تياراً إصلاحياً في النظام " يقوده الرئيس الجديد في مواجهة ما أسموه بـ " الحرس القديم " , وقد رفع بعض المعارضين راية " خطاب القسم " إلى أن أوضح الرئيس في خطاب له, في10 آذار 2003, بأن رؤيته تختلف عن قراءة هؤلاء لـ " خطاب القسم ".
كان سقوط بغداد, في 9 نيسان 2003, حدثاً مفصلياً في تطورات رؤى بعض المعارضين السوريين: في السابق, كانت المعارضة السورية تختلف عن المعارضتين العراقية والسودانية بابتعادها في الخطاب والممارسة عن المراهنات على الخارج, فيما حصل اتجاه جديد لدى بعض المعارضين, وخاصة عند ماركسيين تحولوا إلى الليبرالية, عندما رأى هؤلاء بأن الولايات المتحدة تتجه إلى تغيير الأنظمة ونشر الديمقراطية بحكم ربطها بين الديكتاتوريات والفساد وبين ظاهرة " الإرهاب الإسلامي ", وقد وصل بعض هؤلاء, على الصعيد الشفوي لا الكتابي ( وهو ما يجب أن يمتلكوا جرأة إعلانه على الورق لأن هذا اتجاهاً سياسياً, وليس سراً تنظيمياً) , إلى حد اعتبار أن توقف الدبابة الأمريكية على الحدود هو شبيه بتوقف الباص الذاهب من دمشق إلى حلب عند استراحة حمص, فيما وصلت الأمور عند أحد المعارضين السوريين إلى حدود لوم دبلوماسي أوروبي على موقف بلاده المعارض للحرب الأمريكية على العراق.
يلاحظ في هذا الإطار بأن المراهنين على " التغيير الأمريكي " قد انتقلوا إلى هذه الخانة بعد أن كانوا في خانة المراهنين على " التيار الإصلاحي " خلال السنوات الثلاث التي أعقبت صيف عام 2000, من دون أن يبحثوا عن المراهنة على المجتمع كرافعة للسياسة, الشيء الذي يترافق, عند المتناوبين على بناء السياسة عبر " الخارج " أو " الحاكم " أو عبرهما معاً كما كانت حالة المرحوم خالد بكداش مثلاً, مع فقدان الجذور الاجتماعية وهو أمر لا يلاحظ عند التيارات الممتدة في النسيج الاجتماعي, فيما نرى ذلك عند " أحزاب الأقليّات " عندما تراهن على الخارج من أجل إحداث تغييرات داخلية لصالحها ولصالح من يتحالف معها,وهي الممتدة في المجتمع عبر أحد مكوناته.
يلاحظ على هؤلاء المراهنين على " الخارج "( وهم ممتدون في " لجان إحياء المجتمع المدني " التي انقسمت مؤخّراً على هذه الخلفية إضافة إلى أن هذا الموضوع هو أحد المواضيع الخلافية في الحزب الشيوعي ( المكتب السياسي ) عشية مؤتمره السادس) انتقالهم مؤخراً إلى "التشدد " تجاه النظام بعد أن كانوا من معتدلي المعارضة السورية في الرؤية للعهد الجديد, فيما حافظت أطراف معارضة, كانت وما زالت تقول بـ " نظرية التيارين " من دون أن تكون مراهنة على " الخارج " أو تتجه للالتحاق و الإستقواء به, على اعتدالها السابق تجاه مرحلة ( ما بعد 10 حزيران 2000 ), وهو ما يلمس بوضوح عند ( حزب الاتحاد الاشتراكي ).
لا يقتصر الأمر, عند هؤلاء المراهنين على الخارج, على تحول إيديولوجي انتقلوا عبره من الماركسية إلى الليبرالية, وإنما يلمس عندهم انتقال من خانة إلى أخرى في مجالات متعددة:نبذٌ للعروبة لصالح " وطنية سورية " غير واضحة المعالم بعد, تغيير في نظرتهم السابقة تجاه مواضيع ( إسرائيل ) و ( التسوية ), التقارب مع الأكراد بعد أن كان بعضهم لشهور قليلة قبل ( أحداث القامشلي ) يتكلم بطريقة متطرفة تجاههم لا تبتعد كثيراً عن مفردات "ميشيل عفلق" ,فيما يلاحظ أخيراً على صعيد الأفكار انتقالاً عند بعض هؤلاء ( بعد أن كانوا من أنصار التقارب مع التيار الإسلامي في أحداث 1979 – 1980 ) إلى علمانية متطرفة ضد المتدينين والإسلاميين فيها الكثير, وإن كان بشكل كاريكاتوري, من الأمراض اليسارية السابقة تجاه الدين والتي دفع اليسار العربي غالياً بسببها.
من الواضح أن ذلك يتوافق ( في الإيديولوجيا وفي تحديد الحلفاء وفي الإستهدافات والغايات وأيضاً على صعيد مضامين مشروع " الشرق الأوسط الكبير " من خلال طرحه لإطار يتجاوز هوية المنطقة العربية) مع الأجندة المطروحة من قبل واشنطن تجاه المنطقة العربية.
تُجمع المعارضة السورية ( التي رُفدت مؤخراً بإعادة تشكيل حزب العمل الشيوعي, الذي كان متوقفاً عن النشاط منذ عام 1992, هذا الحزب الذي يجمع الماركسية مع تشديده على الربط بين الوطنية والديمقراطية, فيما اتجه آخرون من أفراد حزب العمل إلى اتجاه آخر نحو الليبرالية) على مطلب الديمقراطية, إلاّ أنّ خلافاتها, التي تشمل ما يجري في العراق ولبنان وما يوضع من أجندة أمريكية للعرب, تجعل هذا الاجماع من دون مفاعيل, وخاصة عندما يؤدي الخلاف حول ما يجري في المنطقة, بعد مجيء ( القطب الواحد ) بقواته إليها, إلى خلاف حول وسائل "التغيير الديمقراطي " في سوريا : هل يتم عبر الخارج, ام من خلال الحفاظ على الربط بين ( الوطني ) و ( الديمقراطي ), خوفاً من أن يؤدي فك الارتباط بين هذين الحدّين إلى ربط كارثي للديمقراطية بواشنطن, شبيه بنتائج ذلك الاقتران الذي كان بين موسكو والاشتراكية, هذا إذا لم نتكلم عن الآثار الكارثية, على اليسار العربي وعلى الحركة الديمقراطية, لعملية ترك المهام الوطنية ومواجهة الأجنبي إلى الإسلاميين والقوميين؟ ....
هذا الوضع يؤدي إلى انقسام ( ومن ثم انشقاق) المعارضة السورية إلى معسكرين: " الليبراليون الجدد " الذين يقتربون من رؤية " المحافظون الجدد " للمنطقة , وبقية المعارضة السورية بما تضمه من قوميين وإسلاميين وماركسيين,فيما من الواضح أن "الليبرالية الجديدة", والتي رُفدت أساساً من فصائل الحزب الشيوعي ومن حزب العمل, هي ليست أكثر من تعبير عن أزمة أحزاب وأفراد مأزومين أيديولوجياً, حيث من المؤكد أن التيار الليبرالي لن يكون عماده هؤلاء, بل صناعيين وتجار وفئات وسطى وتكنوقراط ومتعلمين, وفي هذا الصدد, ربما أعطى الصناعي الدمشقي رياض سيف, عبر تأسيس " حركة السلم الاجتماعي " في عام 2001 قبيل دخوله السجن, إرهاصا مبكراً عن إمكانية إعادة تشكيل هذا التيار, بعد أن كان أساسياً في الخمسينيات عبر ( حزب الشعب ) و ( الحزب الوطني ).
تعيدنا الصورة الأخيرة إلى عام 1958 عندما انتهى مشهد سياسي سوري كامل,بأغلب أحزابه وشخصياته, ولو أن مرحلة الانفصال (1961 – 1963 ) شهدت الاشتعال الأخير للشمعة قبل الموت: من الواضح, أن مشهد ( ما بعد عام 1963 ) يقترب من فصله الأخير, سواء جرت تسوية أمريكية – سورية حيال المواضيع الإقليمية أم اتجهت السلطة إلى مصالحة الداخل السوري للإستقواء به على الخارج الأمريكي.
في هذا الإطار, إن المسألة المركزية المطروحة, هي من سيبقى من أحزاب وشخصيات المعارضة السورية فوق سطح الماء, بعد أن فشلت أحزاب " التجمع ", والمثقفون, في إنبات أي جذور وامتدادات اجتماعية, وفي فرض أجندة " إعادة السياسة للمجتمع" ؟..... بعبارة أخرى: إذا عاد المجتمع السوري إلى السياسة, وهو ما يمكن أن تقرّبه التطورات القادمة, فما هي الخريطة الجديدة للحياة السياسية السورية؟..... وصولاً إلى السؤال المركزي: هل سيكون ما سبق معتمداً (اللهم إلا إذا كانت الآية الكريمة " فأما الزبد فيذهب جٌفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " لا تنطبق على وضع المعارضة السورية) على عزل الاتجاه الوطني في المعارضة السورية للمراهنين على الخارج, منعاً من تكرار تجربة المعارضة العراقية, عندما كانت قوى سياسية عراقية غطاءً محلياً لاحتلال البلد, وما أعقب ذلك من وضع العراق في أيدي " الخارج " الذي سيظلّ متحكماً بمصير العراق ومآلاته إلى أمد غير منظور, بمعزل عن كل ما جرى من انتخابات وغيرها, رغم أن من الواضح أن الاستهداف الأمريكي لسوريا يتم بوسائل غير عسكرية, عبر المحاولة الراهنة من قبل الأمريكان لوضع يدهم على منطقة شرق المتوسط, بعد سقوط بلاد الرافدين, حيث ما زالت الحقيقة الجغرا - سياسية القائلة بأن " بيروت هي نافذة دمشق وبوابتها " فاعلة وقائمة, مع أن ذلك لم يحصل إلا عبر نفاذ " الخارج " من " الداخل " عبر مشكلات لبنانية حقيقية ولّدتها الهيمنة السورية على مقدرات لبنان ؟....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل