الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-أُسُودَه... أُسُودَه-

محمود عبد الغفار غيضان

2013 / 1 / 17
الادب والفن


"أُسُــــودَه... أُسُـــــودَه"

لم أره يمشي... بل لم أرَه واقفًا قط... كان كهلاً قعيدًا يُشكِّلُ جسده المتكوم تكوينة صلصالٍ لأسدٍ نزع عنه مجهولٌ ما إلى غير رجعة كلَّ مخالبه... لا يبرح عتبة داره الداخلية أمام منزل جدي ليل نهار... فقدت ذاكرتي الكثير من تفاصيل الحكايات المرعبة... لكني أتذكر جيدًا أنه مع "أبو رجل مسلوخة" و"العفريت" و"البعو" كان مِن الذين تم ترويعنا بهم للنــــــــــوم... لم أعرف اسمه الحقيقي ولم أهتم بمعرفته أبدًا... ذات مرورٍ مرتعدٍ أمام داره... أمرني جدَّي ألا أجري، وأنْ أناديه بــ" أُسُـــودَه... أُسُـــودَه"... كنتُ واثقًا أنَّ ذلك المشهور جدَّا بخفة ظله- جدِّي- لا يداعبني بخبثٍ إلى درجةِ إرسالي لألقى حتفي مأكولاً بطريقةٍ بشعةٍ تخيلها رأسي الصغير في سيناريو وحيد فرضته هيئة الرجل وشكل فمه المُكدَّس بالأنياب فحسب... اقتربتُ بمسافة تسمح لساقيَّ بركوب الريح أنَّى شئت... نظرتُ في عينيه بوجلٍ لم تنجح كل خبرات الطفولة في دفنه بأكوام تراب الغائط وراء حائط الجامع الخلفي القريب... وبوضع نصف وقوفٍ ونصف جري تجرأتُ ورميتُها أمامه: "أُسُـــودَه... أُسُـــودَه"... على الفور... فتح فمه باتساعٍ أخرسَ كلَّ ملامحي... لكنه ترك بعض حركةٍ باهتة لعينيّ فغاصتا في أبعد منطقة مظلمة بحلقه بحثًا عن نيران "مَنْقَد" الجِنِّيَّة التي كانت تأتي من المقابر ليلاً... وفي طِينٍ غارق في لزوجة الهلع... غاصت قدماي حتى الركب... كانَ النبضُ هو أول ما بدأ الهرولة استعدادًا للفرار ولو على حسابي... وكان آخر ما شاهدته على مشارف الغياب عن الوعي هو حركة إطباق فكيه بقوة رهيبة منحتْ صوت اصطكاك أسنانه صدى مسموعًا بوضوح... كرر الحركة ذاتها مرة ثانية.... ثم... بهدوء أعاد كل شيء بسرعة البرق إلى سيرته الأولى... ومبتسمًا نظر إليَّ... ثم أشاح بوجهه بحيث لا يراني... وغرق في صمته المعهود... علَّمه المارة أنَّ هذا الأداء يسعدهم... فقرر ألا يحرمهم منه قدر استطاعته... ثم برع في التمثيل حتى نسي قاموسه أية كلمات أخرى غير "أُسُـــودَه.. أُسُــــودَه"... . بكلِّ أدبٍ تركتُه وحيدًا... وبأدبٍ أحلى تركني وحدي أستعيد وضع ملامحي الطبيعي... منتشيًا بالتخلص مِن إحدى شخصياتِ رُعب حواديتي... للأبــــد.

محمود عبد الغفار غيضان
مجموعة "زمن المصاطب"
17 يناير 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل