الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ينقذ العراق

أحمد الشيخ أحمد ربيعة

2013 / 1 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من ينقذ العراق
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

المهمشون الحقيقون في عراق اليوم، هم كل الشرفاء والوطنيون الذين أحبوا هذا الوطن من ديمقراطين وشيوعيين ومستقلين وإسلاميين وقوميين، وكل من تعز عليه قضية العراق وشعبه، أبسط الأمثلة على ذلك، المصير التراجيدي للشهيدين كامل شياع وهادي المهدي، اللذين لم يجهد نظام المحاصصة نفسه، باتهام او اعتقال اي مشتبه به في هذه الجريمة القذرة، رغم توفر العديد من المعلومات عنهم، كما يشكل استمرار اعتقال الدكتور مظهر محمد صالح ومطاردة الدكتور سنان الشبيبي مثلا صارخا آخر لسقوط نظام المحاصصة بتهميش وقبر كل من يريد الخير لهذا الشعب ولهذا الوطن.
اليوم يريد مقاولو المحاصصة ومن جديد إخراج نظامهم هذا، من عنق الزجاجة ويغمضون أعينهم من ازمتة الخانقة. حين بدأت احتجاجات جماهير الانبار وامتدادها للمناطق الغربية، شمر مقاولو المحاصصة أذرعهم لحصاد ما حرثوه بأيديهم.، وبدا لبعضهم انه حان الوقت لاعادة توزيع الحصص بما يتناسب مع الواقع الجديد، فهذه المناطق لم تعد كما هي في السنوات الأولى لرحيل النظام الساقط ولن تقبل بالمشاركة الكمية في ادارة البلد دون المشاركة الحقيقية في القرار السياسي. كل مقاولي المحاصصة يريدون بشكل او اخر ان يجدوا فرصة في هذه الاحتجاجات من اجل تحسين مواقعهم واعادة الحياة لهذا النظام الذي لا ينتج سوى قوي متحكم وضعيف او اقل قوة، تابع ومهمش، بشرط ( ربما غير معلن)،ان لا تتطورهذه الاحتجاجات الى حركة وطنية حقيقة تودي الى انهيار نظام المحاصصة. فممثلي السنة أو الشيعة كما يحلو لهم ان يطلقوا على انفسهم لكي يبدون في وضع مريح مادامت هذه الاحتجاجات قد عززت آفاق مشاركتهم القادمة وقوّت تمثليهم الطائفي- القومي وعززت مواقعهم في الصراع القادم على مجالس البلديات وذرت الرماد في عيون العراقين عن الوضع المذل والمهين، الذي يعيشون فيه. لم يرفع المقاولون السياسيون السنة خطابا عراقيا وطنيا ولم يدعوا لانهاء جوهر المشكلة المتمثلة بانهاء نظام المحاصصة ومحاربة الفساد وتوفر الخدمات واعادة الهيبة للمواطنة العراقية بدون اي تميز.
لطامة المالكي او ( مختار العصر ) كما سماه بعض ُمتظاهريه المدفوعي الثمن في بغداد، سعوا بكل جهد لتصوير هذه الاحتجاجات بانها سنية وطائفية تهدد السلطة الشيعية، التي هي في واقعها اذلت وسحقت المناطق الشيعية ولم تقدم لهم سوى التسول على موائد الشعائر الحسينية، ولم تحسن من مشاركتهم السياسية في ادارة الدولة الا من خلال توسيع وتنوع انواع اللطم والتطبير والزنجيل وحماية المفسدين وسرقة مال الله وعباده كما يقال وقدمت ارذل صورة عن هذه المناطق او الطائفة التي يدعون تمثليها، تلك المناطق والطائفة التي ساهمت بحق وجدارة في التاريخ البطولي التحرري والوطني لشعبنا. لطامة المالكي ترى في اي معارضة للمحاصصة وللمالكي الذي انتجته، هي معارضة بعثية تريد انهاء العملية السياسية التي تشكل المحاصصة في نظرهم جوهرها الاساسي وليس اقامة الدولة المدنية وتبادل السلطة واعمار البلد والحياة الكريمة للمواطن وتعزيزمبدأ المواطنة، حتى الذين افنوا معظم سنوات عمرهم في النضال ضد الديكتاتوريات المتعاقبة ومن اجل خير وسعادة العراقيين، هم بعثيون او ظلال لهم ماداموا يعارضون سلطة المالكي. هولاء ينفخون ليل نهار في تأزيم الموقف وشحنه طائفيا، ويدفعون باتجاه استخدام القوة. على مستوى الشارع بداء العزف من جديد على نغمة التقسيم والدولة الشيعية، في الوقت الذي يمثل هذا الامر في حقيقتة مشنقة في رقبة الشيعة او المناطق الشيعية. لم يبقى لهؤلاء الا ان يجدوا لنا في كتب التراث ما يؤكد ان المالكي ليس فقط هو الممثل الحقيقي للشيعة وانما هو الموصى به كي يعيد الحق للشيعة. بعض هؤلاء، بعثيون تفضحهم الصور التي تنشر بين الحين والاخر مع رموز النظام السايق، ( علي الشلاه) مثلا. هؤلاء يصرون على عدم مشروعية مطالب المحتجين، رغم ان المالكي والكثير من أطراف الائتلاف الوطني يرى مشروعية بعض المطالب، لكن اصول اللعبة الطائفية تتطلب منهم هذا الدور المشين. في النهاية يهدف المالكي وحزبه وتابعيه من خلال سحق الخطاب الوطني بتعزيز موقفه في الصراعات القادمة على السلطة والنفوذ داخل تحالفاته الطائفية وضد معارضيه وفي مناطق الوسط والجنوب.
الصدريون مارسوا حركة واسعة وطيبة في احتواء الوضع وتخفيف حدة التوتر الذي كان يدفع باتجاهه طريفي العراقية ودولة القانون، وعدم دفعه ليتخذ تطورات اخرى، هم بالاساس غير مستعدين لها حاليا، كما هي أطراف المحاصصة الأخرى. عموما فان حركتهم قوت من مواقعهم وزادت من شعبيتهم خارج مناطق نفوذهم التقليدية، أكدوا انهم قوة حية قادرة وبدرجةغير قليلة على تغير وتطوير اساليب حركتهم بما يعزز دورهم هذا وتكتيكهم السابق بان يكون التيار الصدري هو المتحكم في دفة الامور دون ان يكون على رأس الحكومة وفي وجه المدفع كما يقال، مما يمنحهم قدرة واسعة على المناورة، خاصة انهم صعدوا من خطابهم ضد الفساد في هذه الفترة، وبالذات صفقة الاسلحة الروسية ، الا انهم لا يخلتفون في جوهر حركتهم عن بقية أطرااف المحاصصة، ليس فقط في استقلالية قرارهم وانما في افتقدهم لمشروع وبرنامج وطني معارض لنظام المحاصصة ولم تصدر منهم تصرحات ومواقف واضحة ضد السرطان الذي ينهش في العملية السياسية.
هذه هي القوى الثلاث التي سعت وتسعى لاستثماروتقاسم نتائج ما حدث ويحدث. الحركة القومية الكردية بقت على حواشي هذا الصراع و بانتظار ما تحصده من نتائج وكما يقال ( عيشة العتوي على المعثرات) ، خاصة أنها أنجزت شوطها في تعزيز مواقعها داخل بيئتها أثناء الصراع الملتهب بينها وبين المالكي حول المناطق المتنازع عليها. هذه الحركة مازلت بعيدة كل البعد عن اي مشروع عراقي، فهي مكون اساسي في نظام المحاصصة، كرّها وفرّها يعتمد على مقدار العنب التي سوف تعبئ سلتها به، من تصعيد للصراع وصولا به الى حافة الهاوية، وهم لا يقلون ادراكاً وخبرة عن المالكي في كيفية ادارة لعبة كهذه.
التيار الديمقراطي وعموم اليسار ، بقى محافظا على مواقفه السليمة في ان لا يكون مع اي طرف او صراع او توتر طائفي، الا انه مازال يمارس سياسة أشبه ما تكون اثبات حسن النية، رغم بعض المناوشات (بيانات، بعض المظاهرات الصغيرة وغيرها من الفعاليات الهامشية) التي مارسها، بانتظار حركة اطراف اخرى تقود زمام المبادرة ليشارك هو فيها. برنامجه المعارض لنظام المحاصصة مازال هلامياً واسير التكرار والراتبة ويفتقد الى برنامج واضح وملموس. مشكلته الأساسية انه لم يع ِ ذاته بان يكون هو الجبهة الحقيقة والصلدة لنظام المحاصصة. هناك شكوك كبيرة في سلامة ودقة سياسته اليومية بما يخدم انهاء نظام المحاصصة، حيث تبدو في قسم غير قليل من أوجهها، محاولة لتحسين تواجده في هذا النظام. يبدو ان شعار الانتخابات المبكرة التي دعا لها هذا التيار مبكرا، الذي تسابقت العراقية والمالكي على تبنيه لاحقا وبتفاصيل مختلفة، يواجه مأزقاً حقيقياً بعد أن رفضته المرجعية، مما يوفر فرصة غير منتظرة لدولة القانون وللمالكي للهروب إلى الأمام.
بدأت احتجاجات الانبار في بدايتها متناقضة وسعت بقايا البعث الساقط وزمر الإرهاب لتجيرها لصالحها، الا أنها فشلت في ذلك. قادت حكمة المتصدين لها وبروز وجوه قيادية في هذه المناطق بعيدة عن الوجوه التقليدية والحرص على انتزاع جزء من مطالبهم إلى تطوير هذه المطالب وإكسابها طابعا عراقيا الى حد ما، رغم البطء الذي رافق هذا الامر، الا انها بقيت في الكثير من جوانبها اسيرة مطالبها المناطقية، وغضت الطرف عن مسؤولية حكوماتهم المحلية وفشل ادارتها وفسادها وطائفيتها باعتبارها شريكاً مع المركز فيما وصل الامر اليه. هذا هو احد أسباب الأساسية في ضعفها ومحدوديتها. ما يخشاه المالكي اساسا وشركاه في المحاصصة ان تصبح مطالب الانبار والمنطقة الغربية، قضية رأي عراقي عام. المالكي في النهاية سيتراجع كما عودنا بعد ان يجعل الأمر على حافة الهاوية، خاصة ان استمرار الاحتجاجات ولفترة غير قليلة، يمكن ان تقلب حساب البيدر والحقل، ولا يخفى عن أي عاقل، ان الوضع في بقية مناطق العراق في أسوء حالاته، ولا احد يضمن عدم انفجاره. يخشى المالكي وكل مقاولي المحاصصة، شعارات أساسية إضافة ما رفع مثل إنهاء نظام المحاصصة، محاربة الفساد والكشف عن المفسدين ومحاكمتهم العلنية، اعمار العراق، حماية الثروات الوطنية، نزاهة الانتخابات، حقوق المواطنة، توفير العمل للعاطلين، قضايا الارامل والايتام، توزيع الصلاحيات، قضايا الصحة وغيرها من الشعارات الوطنية. دليلي في هذا، في الناصرية خرجت قبل ايام مظاهرة دعا إليها مجلس المدينة. أحد منظمات المجتمع المدني ( منظمة محاربة الفساد) رفعت شعارات ضد الفساد. الشرطة قامت بإنزال وتكسير هذه الشعارات واعتقلت وعذبت من رفع هذه الشعارات.
ان التراجع المنتظر وإعادة الترميم لن ينقذ نظام المحاصصة ولن يخرجه من عنق الزجاجة.
إلى متى سيبقى العراقيون يدفعون ثمن هذا السرطان الساري في جسد العراق؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نجم كونغ فو تركي مهدد بمستقبله بسبب رفع علم فلسطين بعد عقوبا


.. أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يبحث تطورات الأوضاع




.. هدنة غزة على ميزان -الجنائية الدولية-


.. تعيينات مرتقبة في القيادة العسكرية الإسرائيلية




.. مبادرة مشروع الخيام التعليمية في منطقة دير البلح وسط القطاع