الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاجة إلى ابن رشد أم الحاجة إلى مجتمع المعرفة

محمد حمزة

2013 / 1 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كتب الزميل ميلود ادجاون مقالا في الأحداث المغربية " العدد 4436" تحت عنوان " هل نحن في حاجة إلى ابن رشد ?" يجيب فيه عن مناداة أغلب المفكرين للعودة إلى فلسفة ابن رشد إذا أردنا أن ننجز حداثتنا , و نخطو في درب التقدم العلمي و المعرفي و كأن العالم توقف في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي عند ابن رشد . و ينتظرنا كي نكمل مسيرته التي شبهها البعض بالثورة العلمانية التي تدعو إلى الفصل بين الدين و الدولة , و يعتبرون هذا القصد هو ما عبر عنه فقيهنا المجتهد بعبارة " فصل المقال فيما بين الحكمة و الشريعة من اتصال " . و لكن الشيء الذي غاب عن ادهائهم يضيف الكاتب , هو عنصر الذي يفرض على البشر ما يفوق إرادتهم و قدرتهم على الفعل , أقصد, يقول الكاتب ,أن ابن رشد ينتمي إلى مرحلة أصبحت متجاوزة بحكم التاريخ و بفعل الزمن .
لا أحد ينكر أن مرحلة ابن رشد كانت أحد أزهى مراحل "العقلانية الإسلامية " و معه وصلت العقلانية الإسلامية إلى ذروتها العليا . أصل ابن رشد لفلسفة أرسطو في العقل " العربي " و دفعها إلى نهاياتها المنطقية و العقلية , بإيجاد التبرير لها من خلال إظهار نقاط التقائها مع مقاصد و غايات الشريعة الإسلامية مع الحفاظ على الاستقلال المعرفي لكل من ميداني الحكمة و الشريعة .
لكن للأسف فإن ما يمكن تسميته " بالرشدية العربية " لم يكن له مستقبل يضاهي مستقبل "الرشدية اللاتينية ", فسرعان ما انطفأت مشاعل العقلانية و التنوير الإسلاميين لتنطفئ معها "الرشدية العربية " , و ليسود الفكر السلفي الظلامي في معظم أرجاء العالم الإسلامي , في حين انتقلت عصارة التنوير الإسلامي إلى الغرب الأوروبي .
إن استدعاء ابن رشد فكريا و ثقافيا هو حاجة إيديولوجية أكثر منها حاجة معرفية يشير نصر خامد أبو زيد في كتابه " الخطاب و التأويل " ,أي حاجة لممارسة صراع إيديولوجي ضد تيار فكري يدعي ممثلوه أنه التيار الوحيد الممثل للإسلام .ان الحاجة لابن رشد هي إذن حاجة إديولوجية أمام زحف الأصولية و التي تسعى إلى إزاحة كل ما هو عقلاني في الثرات العربي و الإسلامي .لكن سلبية هذه الحاجة الإديولوجية أنها تبقي على الثنائيات : الشورى و الديمقراطية و, الدين و الدولة , الأصالة و المعاصر ,الحداثة و الثرات ,لا تحسم السؤال حول المستقبل .
الحاجة لابن رشد يجب أن تشمل في لفت الانتباه إلى كيفية فهم ابن رشد للفلسفة و ممارسته لها , و الكشف عن محدودية الأمثولة الرشدية بالنسبة إلى الفيلسوف العربي الباحث عن تحرير الفلسفة من جميع الوصايات و إعطائها حقها الكامل في النمو و تثقيف العقول ,مع العلم أن ابن رشد عانى في عصره من حصار شديد للفلسفة , فرضته منظومة الثقافة الدينية و السياسية . و لكن إستراتيجيته للرد على ذلك الحصار فرضت على الفلسفة حصارا آخر , إذ لا مجال لتوظيف شجاعة ابن رشد و إخلاصه للفلسفة و بعض أطروحاتها الثاقبة في هذا العصر إلا بعد تغيير استراتيجيته ,و هذا يقتضي بالطبع نوعا من القطيعة معه .
إن تاريخ الفكر الإنساني هو تاريخ تطور الفكر و الفلسفة باعتبارها شكلا من أشكال الفكر الإنساني عرفت هي الأخرى تطورا . و الفكر الإنساني كما هو العلم تطور بقطائع .
إن سؤال اليوم هو أكبر من سؤال الحاجة إلى ابن رشد , إنه سؤال هل لا زلنا متشبثين بصنع مستقبلنا الذي يكاد ينقلب من قبضتنا ؟ و هل يمكن لنا أن نلحق بركب السباق الحضاري القاري ؟
إننا نحيا الآن في عصر ثورة الاتصالات ووسائل الاتصال الاجتماعي أي عصر, التي غير الكثير من الأفكار و الأطروحات و في طرق فهمنا و سلوك تفكيرنا .
مجتمع المعرفة الجديد هو مجتمع درويني , البقاء فيه من نصيب" الأعقل " القادر على تنمية موارده الذهنية و توظيف المعرفة القائمة بالفعل ,لحل مشكلاته و تحقيق غاياته ,ا و " للأبدع " القادر على ابتكار معارف جديدة , أو صياغة معارف قديمة غير مألوفة .المعرفة قوة و القوة معرفة , و ثلاثية صناعة مجتمع المعرفة بالتناظر , آلاتها هي العقول , و آلياتها هي وسائل التفكير , و منتجاتها هي حصاد المعرفة . و للأسف أن مشهدنا شديد البؤس على صعيد الجبهات الثلاث لمثلت صنع مجتمع المعرفة : عقوله ووسائل تفكيره وصنوف معرفته .
عقلنا الفردي يعيش أزمنة طاحنة تفشت أوبئته, من شبه علمية و زيف علمي , و لا علمية إلى حد الخرافة .
أما عقلنا الجمعي فلازالت عدة عقبات تعوق ظهوره : كارتفاع نسبة الأمية و التشرذم الفكري و تعددية نظم التعليم ,. إلى جانب ضعف مهارات التواصل و ما ترتب عليها من ضعف المشاركة .زيادة على أزمة العقل .هناك ادن أزمة تفكير نظرا لعدم وجود بيئة مواتية لتنمية التفكير النقدي .
إننا الآن أحوج للمعرفة من غيرنا , فهي الوحيدة الكفيلة بانتشالنا من كبوتنا الحالية ,لجعلها سلاحا ضد اللا علمية التي تفشت في مجتمعاتنا , و مدخلا لتأصيل الخطاب التنموي , ووسيلة إلى تسريع حركة التنمية باستحداث بدائل مبتكرة لتعويض التخلف و حرق المراحل .و أداة لتطويق عدم الشفافية , و لفض ما يجب فضه , من مواضيع الخلاف , بين الدين و بعض نظريات العلم الحديث خصوصا في مجالات نشأة الكون والإنسان و كذلك كون المعرفة منطلقا لإنهاء تلك الخصومة المفتعلة بين الدين و معظم أجناس الفنون من موسيقى و تشكيل و نحث و فنون أداء ,و ذلك على أساس ما لمعرفة الفنون من أهمية في عصر المعرفة .
المعرفة وسيلة لترشيد ذلك التوجه الفكري الذي ينادي ببناء صروح معرفية خاصة بنا , نقيمها من الصفر , في ظل ما أطلقوا عليه " اسلمة المعرفة " فهو توجه قائم على مفاهيم خاطئة تفتقر إلى الحد الأدنى من فلسفة المعرفة , و تاريخ تطورها , و نظرياتها المستقرة فضلا عن عدم انسجامه مع عالمية الإسلام .إنه توجه يتناقض بشكل صارخ مع أسس إنتاج المعرفة في عصر المعلومات , القائم على المشاركة الجماعية عبر حواجز المكان و الثقافات , و تداخل صنوف المعارف عبر حواجز التخصصات .
إن جهلنا بالمعرفة هو جهلنا لواقعنا و تاريخنا و لن يتسنى لنا إدراكها و الإقرار بها و مجتمع المعرفة, إلا إذا امتلكنا الجسارة على تناول شأننا الديني من منظور نفسي و اجتماعي و تربوي و رمزي, يقول الدكتور المصري نبيل علي صاحب كتاب العقل العربي, .
و على خلاف الباحثين الأجانب , الذين يتعاملون مع نصوصنا المحورية بلا رهبة و لا قيد , ترتعد فرائصنا بمجرد أن نتعامل نحن معها بمقاربات لم نعهدها لاسيما التوجهات الحديثة لتحليل النصوص , من قبل التأويلية و ما بعد البنيوية و التفكيرية, حيث يرى فيها البعض ضربا الهرطقة . و هكذا خلت الساحة للمستشرقين الذين لا يمكن لمنصف إلا أن يقر بفضلهم , من دون أن بعض النظر عن تجاوزاتهم .إن رهبة التعامل مع النصوص الدينية قد تسربت إلى غيرها من أجناس , لقد هان علينا حاضرنا فاستهن بدراسة تاريخنا , تاريخ انتقالي إلى حد التسوية الكامل لمضمونه ,كما يقول ناجح ساهين , ينزع أفكارا من سياقها بدافع الرغبة الجامعة لإثبات الجدة و الأصالة و السبق التاريخي أو في إبراز الأوجه المشرقة فيه .تاريخ منفصل عن محيطه الاجتماعي الذي احتضن و قائع هو مبتور بعد أن نسقت معظم الجسور الذي تربطه بماضيه . فقد راق للبعض أن يسجلوا تاريخنا من نقطة زمنية متقدمة , من بداية ظهور الإسلام معلنين القطيعة المعرفية مع ما سبقه . تاريخ حديث يكتب على هوى الحكام و تاريخ ثقافي منهرىء لا يحظى بأهمية .فهو كما يقول محمد عابد الجابري , تاريخ علوم و فنون من المعرفة منفصلة بعضها عن بعض , تاريخ زمنه راكد و ممزق لا يقدم لنا صورة واضحة عن كلية الفكر .
إن عصر المعرفة الجديد هو عصر التعقيد و اللا يقين و النسبة و تجديد الجديد و يمثل فكر التعقيد
براد يغما جديدا تولد عن حدود العلوم المعاصرة و تطورها معا . و لا يتخلى عن مبادئ العلم التقليدي , بل يدمجها في خطاطة أوسع و اغني . إن التعقيد هو التحدي الأعظم للفكر المعاصر , لأنه يستلزم إصلاحا لنمط تفكيرنا .
إن الدين ظاهرة غاية في التعقيد . و إن قدرا لا يستهان به من معرفتنا , يقول الدكتور نبيل علي , باستثناء أصوله و شرائعه و تشريعاته , بعد من المنظور المعرفي الحديث من قبيل الإرهاصات الفكرية .
لقد أقحم عصر المعلومات الفكر الديني في قضايا غير مسبوقة , و أعطت نطاقا عريضا و متداخلا من إشكاليات معقدة أخلاقية و تربوية و إعلامية بل اقتصادية و سياسية أيضا . لكن واقعنا هو واقع جهل بالجوانب المعرفية للدين . فالجوانب المعرفية التي نجهلها عن ديننا , كما أوردها الدكتور نبيل علي هي : الجهل بالجوانب النفسية للدين و الاجتماعية للدين , فليست هناك إسهامات تذكر في علم اجتماع الدين , أو علاقة الدين بالتربية و أخيرا جهل الدين علميا .
الفكر العربي المعاصر نئا بنفسه عن تناول علاقة الدين بالفلسفة و هو ما يعوق بشكل أساسي تناول علاقة الدين بالعلم . فالمعرفة الفلسفية لا تختلف في جوهرها عن المعرفة العلمية . و من منظور ثقافة عصر المعلوميات يشتبك الدين مع الفلسفة في أكثر ميادينها تفلسفا ,إلا هو ميدان القيم و الأخلاق . لقد تعقدت المسألة الأخلاقية بعد أن تداخل فيها العلم و التكنولوجيا |, و جاءت تكنولوجيا المعلوميات لتزيدها تعقيدا على تعقيد بدرجة أصبحت معها معظم القضايا الأخلاقية شائكة للغاية , تختلف فيها الآراء إلى حد التناقض في كثير من الأحيان .لقد زاد الطلب على قيم جديدة مغايرة , لذا فقد أورقت شجرة الأخلاق فروعا مستجدة , تشمل أخلاقيات البيئة , و أخلاقيات التكنولوجيا الحيوية " الهندسة الوراثية أساسا " و أخلاقيات تكنولوجيا المعلوميات و قد تفرعت الأخيرة إلى أخلاقيات تبادل المعلومات و المعرفة , و أخلاقيات الانترنيت .
إن العالم بصدد فلسفة أخلاقية جديدة , تهدف إلى ردم الهوة بين التقدم المتمركز اقتصاديا , و غايات الإنسان الأساسية , و لم يعد مجديا ما كان ساريا في عصر تكنولوجيا الصناعة , الذي صاغ الاخلاق في صورة قوانين و تشريعات لقد ولى عصر حراسة البوابة الأخلاقية . فأخلاقيات عصر المعلومات , سوف تقوم على الالتزام لا الإلزام فقط . و التجوال من الرقابة البوليسية إلى الرقابة الذاتية , بمعنى إحلال المرجع النفسي محل المرجع الاجتماعي .
فالأمل في إعادة الوصال بين فكرنا وواقعنا و عقلنا و ديننا إلا باستغلال الإمكانات العديدة التي توفرها تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات لرصد واقعنا و تعريته و تفكيكه من أجل إعادة بنائه .
فبدل الحاجة لفكر ابن رشد إن الحاجة الملحة الآن الخروج من تأخرنا التاريخي هو الدخول في عصر المعرفة لبناء مجتمع العلم و المواطنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ابن غي
عبد الله اغونان ( 2013 / 1 / 18 - 23:37 )
المدعو ابن رشد تلميذ أرسطو ماترك كل معلوم من الدين بالضرورة الا طعن فيه
انكر البعث بالأجساد ونعيم الجنة والعذاب في النار
يقول عنه عباس العقاد في كتاب خاص عنه ان فلسفته مخالفة للشريعة الاسلامية
مازال كتاب حجة الاسلام
تهافت الفلاسفة عالي الحجة اذ بدعهم في عشرين مسألة وكفرهم في ثلاث
قولهم بقدم العالم كقدم الذات الالهية
قولهم أن الله لايعلم الجزئيات
انكارهم البعث
رغم ان ابن رشد قد رد عليه بكتابه تهافت التهافت فانه لام الغزالي على فضح المعرفة للعوام
وجعل الخلاف لفظيا


2 - ابن غي
عبد الله اغونان ( 2013 / 1 / 18 - 23:37 )
المدعو ابن رشد تلميذ أرسطو ماترك كل معلوم من الدين بالضرورة الا طعن فيه
انكر البعث بالأجساد ونعيم الجنة والعذاب في النار
يقول عنه عباس العقاد في كتاب خاص عنه ان فلسفته مخالفة للشريعة الاسلامية
مازال كتاب حجة الاسلام
تهافت الفلاسفة عالي الحجة اذ بدعهم في عشرين مسألة وكفرهم في ثلاث
قولهم بقدم العالم كقدم الذات الالهية
قولهم أن الله لايعلم الجزئيات
انكارهم البعث
رغم ان ابن رشد قد رد عليه بكتابه تهافت التهافت فانه لام الغزالي على فضح المعرفة للعوام
وجعل الخلاف لفظيا

اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا