الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة نظر

محمد الزقزوق

2013 / 1 / 18
الادب والفن


رُبما كانَ مهم أن أكتب لِذلك الطِفل الذي ابتَسم لي صَباحاً وكأنهُ يَمنحني فرصةً إضافيةً للتَفاؤل , أو لِتلك المرأة التي خَبزت لي رَغيفين طازجين كَقمرين شَهيين أو لسائق التاكسي الذي كَف شره عني هذه المرة ولم يَبدأ بسرد هموم البَلد وكَأني رئيس الوزراء .

شَخصيات كثيرة تستحق أن نَكتب عنها , لكن كَيف يُمكن للمعنى أن يَسد مسد الصورة ؟ ومتى كانت اللغة صورة صادقة ومُطابقة مطابقةً تامة لما نراه ونسمعه ونعيشه من أحداث , لا أشك أن بِوسع اللغة فعل الكَثير وأنها أداة مُتَميزة لِترجمة الحياة في تَجليات إبداعية يكون الشعر جزءً منها , لكن السؤال كيفَ يُمكن لي أن أُحضر ذلك الطِفل إلى قصيدة شِعر تُطابقهُ تَماماً ؟ وهل سَيكون راضِ عن الشَكل الذي سَتُلبسه اللغة إياه, كَيف يُمكن لامرأة بَسيطة رُبما لا تُجيد القِراءة والكِتابة أن تَفهم ما أُريد أن أوصله لها من خلال الشِعر .

ما الشعر ؟ : الشِعر هو تِلك التَجربة التي تَجعل مِنكَ شاعراً , هو ذاكَ الشئ الذي يُخضِع اللُغة لتَرجمتهُ , القوه الحقيقية تَكمن في عُمق المَشهد وغَزارة التَجربة التي تَجعل مِنكَ شاعراً وتُطَوع اللغة لها .
صَلابة السَيدة التي كانت تَبيع الصَبر عِندما تَوسطت الشَمسُ السَماء وألهبت أشعتها الأرض دونَ أن تَضجر أو تَتَذمر بِكلمة واحدة يَجعلك تَقول شِعراً .

ذلك الرَجل الذي على ساعديهِ تَحطُ الطيور المُهاجرة ومن ماء عينيه تشرب يُنطِقك شعراً , تِلكَ التي تَراقصت كَأفعى وتَمايلت فاستجابت لها الكائنات طائعة يُحيكَ شعراً , من هنا يأتونَ بِالشعر مادة خام يُشكِلها الشُعراء كما يُربدون عَمودياً أو أفقياً .

ما الحب : عِندما تُصاب السَماء بِنوبة حنين مُبكية يَهطل المَطر مُنساب , عذب, طازج , رقيق, مُدهش , هادئ ويُصب الأرض كَما لو أنه سرب حمام , يا الله رائحة التُراب بعدَ الماء شهيه , أصيلة , مُنعشة أملأ رئتيك حب , حب , حب .

ذلكَ الطِفل الذي مُنذُ أن يُشرع ديكه ميلاد اليوم يَبدأ بِاللعب يركض , يصرخ , يضحك , يبكي , لا يترك ذرة تراب إلا ويَدوسها بقدميه الصَغيرتين , تَشُكَهُ شَوكة تُؤلمه قليلاً ثم سرعان ما يُزيلها من قدمه ويواصل اللعب , يَمُر من كُل أزقة المخيم , ويًدخل كل البُيوت , يعرفه الجَميع ولا يَعرف إلا أدوات لعبه يَملئ الحاويات الصَغيرة بِالرمال ثمَ يفرغها ويملئ ويُفرغ ولا يَكل ولا يَمل ويَنتهي النهار وينام خائر القوى وما زال في يده حَجرٌ من حجارة المخيم ما هذا الحب .

القِطة التي تَتَسِع لِتِسعة قِطط صغيرة تَحملها طِوال فترة الحمل ثم تَضع صِغارها وحدها وتَعتني بِنفسها عقب الوضع وحدها وتَعتني بالصغار حتى يَشتد عودهم وحدها دون مساعدة أحد ولا تَسمح لكَ حتى بمجرد الاقتراب منهم ما هذا أنه حب حب حب .

كم من الأشياء نَراها دون أن نُلقي لها بالاً , كم من الأشياء بِحاجة إلى هالة من الضوء , كم من الأشياء بِحاجة إلى إعادة نظر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال