الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقُضِيَ الأمر ... فماذا أنتم فاعلون؟

السيد نصر الدين السيد

2013 / 1 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


وقُضِيَ الأَمرُ الَّذِي فِيهِ تَستَفِتيَانِ
فى حوالى الساعة السابعة من مساء يوم الثلاثاء الموافق 16 كيهك 6254 مصرى، أو 25 ديسمبر 2012 ميلادى أو 16 كيهك 1729 قبطى أو 12 صفر 1434 هجرى، كانت "غزوة الدستور" ... ! ... حيث تم إعلان نتيجة الإستفتاء على دستور مصر الجديد بنسبة 63.8% لمن قالوا "نعم" ونسبة 36.2% لمن قالوا "لا". وهو الدستور الذى تشكل العديد من مواده، الواضح منها والملتبس، الغطاء القانونى لإنتكاسة حضارية تصيب فى مقتل هوية الأمة المصرية ومسيرتها نحو الحداثة والرفاه، وتؤسس لقيام دولة دينية بإمتياز (المواد 1، 2، 3، 4 و 219). إنتكاسة تذكرنا ملامحها العامة وتداعياتها المحتملة بما حدث لمصر منذ حوالى 500 سنة عندما فقدت إستقلالها على أيدى السلطان العثمانى سليم الأول سنة 1517 ميلادية فتحولت من سلطنة مستقلة إلى ولاية تابعة للدولة العلية، وأصبحت ثرواتها غنيمة مستباحة لخليفة المسلمين الذى أُجبِر على الإنتقال من القاهرة إلى الأستانة.

وهى الواقعة إللى عاصرها مؤرخنا إبن أياس وقال عنها "ومن العجائب أن مصر صارت نيابة بعد أن كان سلطان مصر أعظم السلاطين فى سائر بلاد الأرض قاطبة، لأنه خادم الحرمين الشريفين، وحاوى ملك مصرالذى إفتخر به فرعون اللعين، حيث قال: أليس لى ملك مصر، وقد تباهى بملك مصرعلى سائر ممالك الدنيا. ولكن إبن عثمان إنتهك حرمة مصر، وما خرج منها حتى غنم أموالها .. وقتل أبطالها .. ويتم أطفالها .. وبدد أحوالها .. وأظهر أهوالها .. فلم يدخل إليها أحد من الخوارج ولاقط ملكها ولا جرى عليها ما جرى إلا أن كان فى زمن البختنصر المايلى .. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم" (أياس, 1984، ص. 206 –207). ولم يكتفى إبن عثمان بهذا فقد "خرج من مصر وصحبته ألف جمل ما بين ذهب وفضة، هذا خارجا عما غنمه من التحف والسلاح والصينى والنحاس المكفت والخيول والبغال والجمال وغير ذلك، حتى نقل منها الرخام الفاخر، وأخذ منها من كل شئ أحسنه، ما لا فرح به أباؤه وأجداده من قبله أبدا" (أياس, 1984، ص. 207) (قارن بين ما فعله إبن عثمان من تجريف لثروة الأمة المصرية وما يمكن أن تفعله الصكوك الموصوفة بالإسلامية التى يروجون لها).

وتمضى حوالى ثلاثة قرون (1517-1798) ومصر تحت وطأة الخلافة العثمانية وهى فى عزلة تامة عما يدور فى العالم من تطور فى كافة المجالات ... تمضى هذه القرون الثلاثة قبل أن يبدأ أول فصول دراما "مصر الحديثة". وهى الدراما اللى بدأت أحداث فصلها الأول مع بدء إرساء قواعد الدولة الحديثة على أيدى محمد على سنة 1805، وكانت نهايته مع "غزوة الدستور". وهو الفصل اللى لعب دور البطولة فيه فريقان هما "قوى التقليد" و"قوى التجديد". ويتمثل الفريق الأول، فريق "قوى التقليد"، فى "تيار الإسلام السياسى"، بكافة فصائله، الذى يعتبر أن الإسلام "دين ودولة". ويقوم المشروع السياسى لهذا الفريق على تفسيراتهم لنصوص الإسلام المقدسة، القرآن والسنة، إنطلاقا من قاعدة "العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب" ومسترشدين فى ذلك بأفكار وسلوكيات "السلف الصالح" ... ! ... من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين. أما الفريق الثانى، فريق "قوى التجديد" فيتمثل فى "التيار العَلمانى"، بشتى طوائفه من يساريين وقوميين وليبراليين، الذى يؤمن بضرورة فصل الدين عن الدولة. وعلى الرغم من تباين المرجعيات الفكرية لطوائف هذا التيار إلا أن الشيئ المشترك فيما بينهم هو أولوية عقل الإنسان ومنتجاته فى إدارة شئون "الحياة الدنيا"، أو السياسة.

ولقد شهد تطور الصراع بين هذين الفريقين مرحلتين رئيسيتين. المرحلة الأولى هى مرحلة "القمع المعنوى" والتى من أبرز أمثلتها ما حدث لكتاب الشيخ على عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم" عام 1925 وكتاب الدكتور طه حسين "فى الشعر الجاهلى" عام 1926 ورسالة الدكتوراه "الفن القصصي فى القرآن الكريم" التى قدمها محمد أحمد خلف الله لجامعة القاهرة عام 1947 وكانت تحت إشراف الشيخ أمين الخولى. ولانجد تاريخا أفضل من 6 يونيو 1967 ليكون بداية للمرحلة الثانية من مراحل الصراع، مرحلة "القمع المادى"، والتى من أبرز أمثلتها إغتيال د. فرج فودة عام 1992 ومحاولة إغتيال نجيب محفوظ سنة 1994 وما حدث للدكتور نصر أبو زيد عام 1995، هذا بالإضافة إلى ظهور تيارات السلفية الجهادية.

الفصل الثانى، المشهد الأول: فقه الإستباحة
وبدأ الفصل الثانى من دراما "مصر الحديثة" ولايزال أبطاله هما هما ... "قوى التقليد" و"قوى التجديد" ولايزال الصراع بينهما قائما. إلا أن الجديد فى الأمر هو تمكن أحد فصائل فريق "قوى التقليد" من السيطرة على كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية لأول مرة منذ بداية الصراع بينه وبين فريق "قوى التجديد". وتشى تصرفات هذا الفصيل، والفصائل الداعمة له، بحقيقة نظرتهم لوضعهم الجديد. فهم لاينظرون إلى ما أحرزوه من أغلبية عبر صناديق الإنتخاب بوصفه أمر طارئ تحكمه قواعد الديموقرطية، بل ينظرون إليه بإعتباره نصر فى غزوة من غزواتهم المباركة وفتح من فتوحهم المرجوة. وهو النصر الذى يمنحهم، من منظورهم، العديد من الحقوق أو الغنائم ... !. والغنيمة الأولى هو ما إعتبروه حقهم فى تغيير هوية الأمة المصرية، فشعب مصر فى عرفهم ليس إلا "... جزء من الأمتين العربية والإسلامية ..." (المادة الأولى من دستور 2012). وهكذا تتم محاولة "تذويب" المجتمع المصرى، أقدم المجتمعات البشرية التى عرفها تاريخ الإنسانية، و"تغييب" هويته فى كيانات مزعومة غير محددة الملامح. وهكذا يٌضرَب مفهوم "المواطنة"، أحد المكونات الرئيسية للدولة الحديثة (السيد, 2012)، فى مقتل ويُمَهد الطريق لتفتيت الأمة المصرية على أسس دينية أو عرقية. أما الغنيمة الثانية فهى "إستباحتهم" لركائز الدولة المصرية الحديثة متمثلة فى القضاء والشرطة والقوات المسلحة. وما شهدناه من حرق لأقسام الشرطة، وحصار للمحاكم المصرية وترويع قضاتها، وحصار مدينة الإنتاج الإعلامى وتهديد العاملين بها، والتهديد المبطن للجيش المصرى وإقتصادياته إلا بعض من أمثلة تجليات "فقه الإستباحة".

والحق أقول لكم لم يكن ما حققه فريق "قوى التقليد" من إنتصار، حتى الآن، وليد الصدفة أو هبة من السماء بل كان نتيجة منطقية للغة خطابهم ومضمونها ولطبيعة المخَاطَبين (بفتح الخاء والطاء). فلقد يأس المخَاطَبين من تحقيق متطلباتهم البسيطة فى "عالم الشهادة" فحلموا بتحقيقها فى "عالم الغيب" عبر إلتزامهم، حتى وإن كان شكليا، بأوامر الدين ونواهيه. كما أدى دوام الإستبداد، بكل أشكاله، إلى تقليص قدرتهم على التفكير الحر وأصابهم بحالة فريدة من "الكسل العقلى". ولقد إستغل فريق "قوى التقليد" هذه الحالة فجاء خطابهم بسيطا مشحونا بالمفردات الدينية التى يفهمها ويقدسها عموم المخاطبين. كما جاءت حلولهم لمشاكل الناس حلولا "ساذجة" وغير حقيقية، ولكن يسهل على من كَسُلت عقولهم إستيعابها. أو بعبارة أخرى نجح فريق "قوى التقليد" فى "بيع الأوهام".

واليوم، والمشهد الأول من الفصل الثانى لدراما "مصر الحديثة" لايزال قيد الكتابة، يفرض هذا السؤال نفسه على فريق "قوى التجديد" ... ماذا أنتم فاعلون؟

المراجع
السيد, ا. ن. 2012. ثقافة الدولة المدنية. القاهرة: دار العين.
أياس, إ. 1984. بدائع الزهور فى وقائع الدهور. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النازيون الجدد فى مصر ,
د/سالم محمد ( 2013 / 1 / 18 - 15:19 )
ان المرحلة الحالية التى تمر بها مصر و هى مرحلة إنحطاط و إحباط وطنى بدأت مع هزيمة يونيو 1967 و انهيار المشروع الناصرى حيث بدأ الظلاميون و الوهابيون الخروج من كهوفهم و سجونهم التى احتضنتهم طوال الحقبة الناصرية الذى اخطأ فى التعامل معهم أمنيا’ فقط بينما التعامل مع هؤلاء الظلاميين يكون عبر منظومة من الحرية
يمفهومها الواسع و الثقافة الديمقراطية حيث فضح هؤلاء الهمج و السوقة المتخلفين و عجزهم عن إنتاج مشروع وطنى لا.قالة الوطن المصرى من عثرته و كبوته ,
ان هكذا مرحلة من الانحطاط و الاحباط الوطنى هى التى تمكن أقذر و أنتن القوى من الانقضاض على السلطة و هى ذات الظروف التى تمكن خلالها النازيون من الانقضاض على السلطة فى المانيا فى ثلاثينيات القرن الماضى حين عانى الشعب الالمانى من الاحباط و الانهيار الاقتصادى و الوطنى جراء الهزيمة فى الحرب العالمية الاولى الكساد الكبير الذى بدأ فى عرين الراسمالية العالمية (الولايات المتحدة) فى الثلاثينيات و نجح النازيون عبر انتخابات مخادعة من الانقضاض على السلطة فى هذه الدولة الغظيمة حيث اطاحوا بالديمقراطيةوقادوا المانيا و العالم الى حرب إنتهت بهزيمة المانيا

اخر الافلام

.. غموض يلف أسباب تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟ • فرانس 24


.. التغير المناخي في الشرق الأوسط: إلى أي مدى مرتبط باستثمارات




.. كيف يسمح لمروحية الرئيس الإيراني بالإقلاع ضمن ظروف مناخية صع


.. تحقيق لـCNN يكشف هوية أشخاص هاجموا مخيما داعما للفلسطينيين ف




.. ردود الفعل تتوالى.. تعازى إقليمية ودولية على وفاة الرئيس الإ