الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية الوطنية على مذبح الطائفية

ياسر محمد أسكيف

2013 / 1 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي



الغنى في الكثرة , وفي الندرة الفقر .
ليس فيما يخصّ الطبيعة فحسب , بل في المجتمع . من حيث التعدّد في إطار الوحدة . ويشمل ذلك التعدّد العرقي , والديني , والقومي , والطائفي , والمذهبي . بما يحققه ذلك من تعدّد ثقافي .
ليس من المُعيب , أو المحط من الشأن , الحديث , وحتى الدراسة والبحث , في تجاور هذه الاختلافات وتفاعلها , لأنها وقائع لا تقبل النكران أو الدحض . ويمثل السكوت والابتعاد عن تأكيدها , ورسم خريطتها , موقفا ً سلبيا ً من فكرة التجاور .
لقد أظهرت اللحظة السورية الراهنة , وعلى مدى السنتين المنصرمتين , أن الصدوع العمودية التي رسمت حدود التجاور كانت مخيفة في عمقها , بل وكانت مُخزية بما أظهرته من أن المفاجأة كانت سيّدة في الانتباه إلى التجاور . وكأنما البعض كان يحسبه غير موجود بسبب الاستقرار القسري لحدود التجاور خلال العقود الماضية , والذي قاد إلى التسليم بلا واقعيّة التمايز والاختلاف , وبأن ( عيشا ً مُشتركا ً ) و ( وحدة وطنيّة ) هما وصفان حقيقيان للحال السوري . مع أن الحقيقي هو تمكّن السلطة عبر العقود الماضية من ممارسة الطائفية السياسية عبر إدارة بارعة للمحاصصة في جميع الهيئات والمؤسسات , باستثناء الجيش , والأجهزة الأمنية على وجه الخصوص .
ليست الطائفية ظاهرة طارئة على المجتمع السوري , وإن كان فيها من طارئ فهو تحوّلها من ( فِطرة ) لا ترقى إلى مستوى الجرم , وتُشمل بمبدأ " عدم المسؤولية " إلى ( مصير ) يفيد الانتماء , وينطوي على البعدين , الإرادي , والقصدي . وهذا التحوّل ليس بسبب ممارسة طائفية للسلطة , بقدر ما هو نتيجة طبيعية , وتلقائية , لانتشار , وازدهار , فكرة الدولة الدينيّة , على هيئة جمهوريات , وإمارات , وخلافات , إسلاميّة . بما تنطوي عليه هذه الفكرة من استبعاد لكلّ ما يمسّ الواحديّة من تعدّد واختلاف . والخطير في أمر هذا التحوّل , لجهة ممارسته ( أرضا ً , وفضاء ً ) هو ما يمثله من نكوص إلى الهويات الصغرى , كحامية , ومنقذة , بديلا ً عن الهويات الكبرى " القومية " التي بدأت بالتلاشي , أو أنها تلاشت , أو تلك " الوطنية " التي بدأت بالتصدع والانهيار . ولعلّ الأخطر , في هذا المناخ من الشحن الطائفي المحموم , دون استثناء لجهة , أو إعفاء لمستوى , هو أن الدولة , بمعناها السياسي والقانوني , وبمعانيها الجغرافية ( طبيعية – بشرية – اقتصادية ) مهدّدة بالتصدّع والانهيار . وليس السلطة السياسية فحسب , كما يتوهم الغوغاء , وكما يرى فاقدو البصر . لأن انهيار الدولة يعني غياب كافة المقوّمات التي تحقق الأمان الفردي , وبالتالي يبدأ الفرد بالارتكاس إلى دوائر الحماية الضيّقة , ثمّ الأضيق , ثم الأكثر ضيقا ً , وهكذا حتى تغدو الهوية الوطنيّة في خبر كان .
والعمل الصادق على نبذ الطائفية , وقطع الطريق على استيطانها كخيار واع , وإرادة مُتحفّزة للتحقق , لا يكون بالشجب , أو الإدانة , أو الشتم , بل بالعمل الصادق على إقامة دولة مدنيّة , بما تعنيه المدنيّة من تداول سلمي وإنساني للسلطة , وبما تعنيه من عدالة اجتماعية , في إطار تشريع دستوري يتخذ من الانسان مصدرا ً , ووسيلة , وغاية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن