الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة التغريب

فوزي بن يونس بن حديد

2013 / 1 / 19
كتابات ساخرة


إنها ثقافة جديدة غزت مجتمعاتنا الإسلامية من عدة أبواب، وانفرط العقد بعد أن فقدت صاحبته حلقة من حلقاته، كان يمكن إصلاحه فيما لو اهتمت بأمره إلا أنها لم تعبأ بما حصل له فانفرط ولم يعد ذلك العقد المتلألئ الذي يتزين به العنق ويسر الناظرين، إننا نعيش عصر المدنية والمادة، فهل من الواجب مسايرتها على علاتها أم نرفضها جملة وتفصيلا أم يمكن الأخذ منها بمقدار.
لم يعرف المسلمون الآن كيف يوظفون قدرات الآخر، وكان أكثرهم يدعو إلى التحليق بعيدا في زمر المدنية الغربية وتغيير نمط الحياة السائد، فغيروا أحوالهم من حال إلى حال وقلدوا الغرب في كل أحواله حتى لو دخل جحر ضبّ لدخلوه، فتغيرت لغتهم وأصبحت مزيجا من لغات عدة لا تفقه ما يقولونه أحيانا ولا إلى ماذا يرمزون معتبرين أن اللغة العربية لغة قديمة عفا عليها الزمان، بل دخل التغريب حتى الشّعر المقفى فصرنا نسمع كلمات ليست في قاموس لغة الضاد، وتراكيب أشبه بطلاسم وخزعبلات ظنها أرباب الشعر أنها إبداع. هؤلاء قد تمردوا على لغتهم الأم وصار بعضهم يتقن لغة غيره، ويفاخر بذلك ويعتبره تقدما وتطورا في الحياة، في حين لا يستطيع أن ينطق حرفا عربيا صحيحا، ولا يقرأ نصا، وإن قرأه فسيقرؤه بصعوبة بالغة وبتعتعة غالبة، فيقلب المنصوب مرفوعا والمرفوع مكسورا والمكسور لا أدري إلى أين سيذهب به، بل صار عندنا " كوكتيل" من الحروف العربية والأعجمية في لغتنا الجميلة التي نزل بها القرآن الكريم، وجعلها من أجمل اللغات على الإطلاق، ففي تراكيبها مشتقات كثيرة لا تجدها في غيرها وصار بنو العرب والمسلمين يتفاخرون ويتباهون باللغة الأعجمية تاركين لغتهم الأم على الرفوف وقد عمّها الغبار.
أما اللباس فحدّث ولا حرج، شبابنا لا يحلو له اليوم إلا اللباس الأجنبي المرقع والمزركش والمصنوع على الطريق الغربية منسلخا من لباسه التقليدي العربي ظنا منه أنه لباس التخلف، فزمنه انتهى وولّى وعليه أن يكون متطورا، والتطور عنده أن يقلد الغرب في صناعته المبتذلة التي لا تحترم كينونة الإنسان ذكرا كان أم أنثى، زد على ذلك تسريحات الشعر كأنها أشواك واقفة وسراديب مشكلة فوق رأسه، يعتبر ذلك من الرجولة والفحولة ومسايرة الواقع والحال أنه تخلف بل وقمة في التخلف أن تقلد من تراه أسوة لك وقدوة في حياتك وهو لا يصلح أن يكون نافعا لأمته بل غارق في الفساد الأخلاقي والمالي من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه.
هذا إلى جانب الثقافة المتردية التي يحملها هؤلاء من صراخ ليس له سبب، وهتافات بالية، وعجرفة وتمايل في المشية، وإضرار بالآخرين في مشهد يدعو إلى الحيرة والقلق، يتمتعون ويأكلون وينامون كما تأكل الأنعام وتنام، فما الفرق بينه وبين الدابة إذا؟ الفرق أن البهيمة لو كان لها عقل ما تصرفت هذا التصرف الأعوج وازدرت فعل الإنسان الذي يتمتع بعقل، هذا العقل إن عطلته انطلقت الشهوات وتصير عبدا لها لا تهدأ نفسك إلا بعد إشباعها، وإذا حركته ضبطتها فكنت كالملاك سيد نفسك تعرف الحسن من القبيح والحق من الباطل.
إننا نعيش في عصر كثر فيه التقليد الأعمى، وأصبح فيه كثير من الملهيات سببها لا شك الغرب الذي أراد أن يغرس في نفوس أبناء المسلمين سفاسف أخلاقه فألهاه وحرّك فيه كوامن الشهوة بمختلف أنواعها فسقط من سقط من الأبناء في هذا الفخ والوحل، ويتكاثر العدد يوما بعد يوم في تحد صارخ لكل القيم والمبادئ التي تعلمها وتربّى عليها، ولو راجع نفسه لوجدها تائهة تموج في بحر من الفتن المظلمة فلم يعد يبالي بأم ولا أب ولا زوجة ولا أولاد ولا عائلة ولا قبيلة ولا وطن، المهم أن يشبع نهمه ويسير خلف ركب المدنية البلهاء والعولمة الخرقاء والثقافة العوجاء.
ثقافة الغرب هي الكابوس الذي أزعج جميع الأسر العربية، وجعلت العائلات حائرة وتتساءل: كيف أتعامل مع هؤلاء الأولاد ذكورا وإناثا تبدلت الأحوال وتغيرت الأساليب وتغربت الثقافة وانهارت القيم ودفنت المبادئ بل أصبحوا ينظرون إلى العاقل بأنه متخلف لا يجاري الواقع وسيبقى في قمقمه ينظر إلى الحياة من زاوية واحدة كلها ملل وكآبة وألم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عبد الوهاب الدوكالي يحكي لصباح العربية عن قصة صداقته بالفنان


.. -مقابلة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ-.. بداية مشوار الفنان المغ




.. الفنان المغربي عبد الوهاب الدوكالي يتحدث عن الانتقادات التي


.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية




.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال