الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
أوبرا المصاطب
محمود عبد الغفار غيضان
2013 / 1 / 20الادب والفن
أوبرا المصاطب
زمنُ "مصاطبي" لم يمنح أحدًا اسمًا حقيقيًّا سواها... عايدة... أجمل بنات الحارات الخلفية المشرفة على المقابر... رغب فيها الكثير من الموسرين شابة متأنقة بملابس الفلاحات التقليدية التي كانت تكشف السيقان وبعض مناطق خجلة حول الصدر آنذاك... لكنَّ منديل الفقر كان قد وضع يدها بيدٍ مِن طينة الشقاء نفسها حاملين تعويذة جلبِ الأطفال دون عدٍّ بمجرد أنْ يغلق الشيخ دفتره وسط زغاريد مألوفة... لتفتح الحياةُ بانضابط دورات الريَّ فوقهما بعض سدود كدرها المتجدد كلَّ تسعة أشهرٍ بالتمام والكمال... ثم تحجب دون رجعةٍ وجهها المليح عن الجميع... في غرفةٍ لا تختلف كثيرًا عن أكواخ الفلاحين البسطاء النابتة كشجرة "أم أيوب" التي أتت الغربانُ على أغصانها عند مدخل القرية، وفي بيتٍ غريب لا يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منه... عاشت شبابها الذي لا يمكن من باب المجاملة وصف بعضه بالحلو.... بيتٌ تعجزُ كل المجازات التي تعلمتها عن رسمه... فكل مجازاتي عنه وعنها قد عصبتْ رأسها ثم جلست وراء "الطوف" المجاور للترعة بانتظار أحد المارة كي يضع صفيحة همِّ الحقيقة الثقيلة على رأسها... لا يميز ملامح البؤس التي تخطفت أجزاء جسدها تباعًا سوى بطنها المنتفخ بأولادٍ لا ميزة بينهم كذلك سوى القدرة على احتمال الجوع...
كفان وظهر متقوسٌ كانا كل رأس مال زوجها في الحياة... جاب الأرض بحثًا عن رغيفٍ يمكن ادخاره لموائد الزمن العجاف... فتعلمت حملَ الأقفاص مِن المدينة المجاورة مطلع الصباح الباكر... تفترش مصطبة بيتنا طيلة اليوم لتبيع ما اشترته بالأجل... لا تعرف سوى الأحد والجمعة؛ السوق الكبير، والعودة إلى البيت قبل المساء، بعد أن تنفد كل بضاعتها فور خروج الناس مِن الجامع العتيق بعد الصلاة... أما بقية الأيام فتمرُّ كعجوز تنأى الأرض عن حمله فلا يكاد يُرى له حركة قط... ظلَّ وجهها مليحًا طيلة الوقت... تنتقي بجدٍ بسمة لم يكتمل نضجها أو ضحكةً كادت أنْ تدهسها يدٌ الزبائن بسطح القفص وتزين بها جبهتها المتعبة... وفي جوف الألم... تقلد بعض المماطلين بإتقان ممثلة محترفة... تفكُّ كروبَ المحزونين بضحكة مموهة، لتعلمهم بذكائها الفطري كيف يضعون عنها بعض أحمالها.... كان يكفي لأقرب عين ترى دموعها أن تسألها السبب بنبرة صوت الجدة "ألوف"- إحدى شخصياتها المحببة - لتبادله ضحكًا يودُّ تقسيط الألم لموعد دينٍ يقينيٍّ من بنكٍ أقرضها دون حساب كل إيقاعاته الاعتباطية مِن الوجع.
محمود عبد الغفار غيضان
مجموعة "زمن المصاطب"
21 يناير 2013م
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس