الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدخل العسكري الأمريكي حق ديموقراطي

علي الشهابي

2005 / 3 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


نقاش مع دعاة التدخل
أعتقد أنه لابد من معاينة وجهة نظر مؤيدي التدخل العسكري الأمريكي في سوريا، لأن المثقفين السوريين ينقسمون إزاءه إلى فريقين: فريق يجهر بتأييده، يؤيده قطاع واسع يعبر عن رأيه في الجلسات الخاصة، وفريق ضده كلياً. وسأعاين هنا وجهة نظر الفريق الأول كوجهة نظر، أي بعيداً عن أيديولوجيا التخوين.
يرى دعاة التدخل أن المواطن في سوريا أوضاعه مزرية في وطنه، والسلطة لا تأبه به قط. كل همها محصور باستمرارها في السلب والنهب ورعاية الفساد، ولهذا فهي ضد الإصلاح. وكل ما هو رئيسي في خطاب القسم ذرته الرياح. إذ بعد متنفس قصير بات يسمى بـ"ربيع دمشق"، عادت السلطة إلى كم الأفواه واعتقال بعض الإصلاحيين، حتى من أعضاء مجلس الشعب. وحرية التعبير القليلة التي سمحت بها للمثقفين، سمحت بها للتأقلم مع المتغيرات الدولية. حتى أن هذه المتغيرات، بما مثلته من ضغوط عليها وعلى كل الأنظمة الديكتاتورية، هي العامل الحاسم في إقدامها على إطلاق سراح الكثير من المعتقلين السياسيين. وهي تسمح بحرية الكلام فقط، أما العمل والتحرك السلمي ضد قراراتها الارتجالية، فمصير أصحابه القمع والاعتقال (اعتراض طلاب الهندسات على قرار تراجع الدولة عن توظيفهم بعد التخرج). وهذا الاعتقال القصد منه "نحن هنا!"، وهو مدروس بعناية على صعيدي الداخل والخارج. داخلياً اعتقال طالب من جامعة دمشق وآخر من حلب، كي لا ينسى الطلاب هنا وهناك النتائج الوخيمة للاعتراض بالفعل، لا بالكلام. وخارجياً يكون محدود الأثر طالما أنهما مجرد شخصين، فلا يعقل أن تقوم الدنيا في الخارج ولا تقعد من أجل طالبين.
فهذه السلطة ضد الديموقراطية لأنها ضد الإصلاح. فالشعب في ظل الديموقراطية لا يمكن أن يسمح باستمرار تعاملها بهذا الشكل، ولهذا لا يمكن لها تقديم الديموقراطية للشعب تحت أي ظرف كان. وبنفس الوقت فإن تماسك أجهزتها الأمنية، وإرهابها للمجتمع ككل، المستمر منذ عدة عقود، مازال يؤدي إلى تذرير المجتمع. لذا لا يمكن للمجتمع بقواه الذاتية انتزاع الديموقراطية منها، أو حتى أن يطالبها جديّاً بها لأن "المحروق من الحليب ينفخ على اللبن".
أين الخطأ بالاستنجاد بالولايات المتحدة؟ بديهي أنها لن تتدخل فقط من أجل الديموقراطية، بل من أجل مصالحها أيضاً. ولكن هل مصالح الولايات المتحدة غير محققة في سوريا؟ وهل يمكن لسوريا أصلاً أن تمنعها من تحقيق مصالحها؟ وحتى لو كان هذا ممكناً، مع أنه غير ممكن، فهل تسير هذه السلطة على طريق عدم تحقيق مصالح الولايات المتحدة؟ فالمسؤولون السوريون يقولون بأنفسهم "نريد أن نعرف فقط ماذا تريد الحكومة الأمريكية منا"، مما يضمر استعدادهم للتفاوض معها لتحقيق ما تريد. كما أنه يعني، من جهة أخرى، أن الحكومة الأمريكية ما عادت تقبل إلا بالإطاحة بهذه السلطة، بدليل أنها تصر على الضغط عليها بطلب جديد كلما نفذت طلباً. وهذا عائد لسببين:
1ـ إن مصلحة الولايات المتحدة تتحقق بشكل أفضل في ظل الديموقراطية، طالما أنها تصير أكثر استقراراً بها.
2ـ بات نهج الولايات المتحدة في تحقيق مصالحها يتطلب غطاءً أيديولوجياً. ففي مسارها لتحقيق مصالحها برسم العالم، وخصوصاً
المتخلف، بالطريقة المناسبة لها، رفعت راية الحرية والديموقراطية. وبالتالي ما عاد يمكنها إقامة علاقات ودية مع أنظمة ديكتاتورية، ولو عرضت عليها هذه الأنظمة تحقيق مصلحتها الاقتصادية. فكل أنظمة العالم باتت تخطب ود الولايات المتحدة، وبالتالي فهي لا تريد عروضاً بل مواصفات تتوفر في العارض. ولهذا فاستمرار الحكومة الأمريكية بهذه السياسة في تحقيق مصالح رأس المال الأمريكي يتطلب إقناع الشعب الأمريكي والعالم الحر ككل بأنها ماضية في تحرير الشعوب، وهذا هو الغطاء الأيديولوجي المطلوب.
أما بخصوص الفارق بين تياري العولمة الواحدة، بين شكل تحقيق الأوروبيين لمصالحهم باختلافه عن شكل الأمريكيين، فيؤكد دعاة التدخل على أن الشعب السوري، لو أنه يمتلك حرية الاختيار بين الأوروبيين والأمريكيين، لكان من مصلحته التعامل مع الأوروبيين. إلا أن كل هذا الأمر غير مطروح على سوريا طالما أنها تعيش معادلة مستحيلة الحل داخلياً: لا النظام فيها يمكن أن يقدم الديموقراطية للشعب، ولا الشعب قادر على انتزاع الديموقراطية منه، وبالتالي فالديموقراطية لن تتحقق فيها إلا بفعل التدخل الخارجي. وطالما أن الطرف الوحيد القادر على التدخل هم الأمريكيون، فلا يعقل أن يتدخلوا لتحقيق مصالحنا ومصالح الأوروبيين.
ويتابع دعاة التدخل: بديهي إن هذا ليس من مصلحة الأوروبيين، لكنهم سلّموا أخيراً بهذا الموضوع. وتسليمهم ليس ضعفاً تجاه الأمريكيين قط، بل راهنوا كثيراً على قيام السلطة بتحقيق مصالحهم ومصالح الشعب السوري منذ تولي الرئيس بشار السلطة. ولما أدركوا أن السلطة لا تأبه لا بمصالحهم ولا حتى بمصلحة الشعب السوري، بل تريد منهم دعماً سياسياً بينما تنسق أمنياً مع الأمريكيين، وتبذل ما في وسعها لتحقيق مصالحهم الاقتصادية (عقود النفط للشركات الأمريكية لا الفرنسية) نفضوا أيديهم منها وبادروا إلى طرح القرار 1559.
* * *
أتمنى أن أكون قد عبّرت عن وجهة نظر هؤلاء الموجودين داخل سوريا بأمانة، وسأناقشها من زاويتين: من حيث صحتها النظرية، ومن حيث نتائجها.
1ـ من حيث النظرية:
لا شك في أنها تبدو في منتهى التماسك، لكنه تماسك مصطنع، وهو يتجلى بمعاينتها من الزاوية المعرفية. فوجهة النظر هذه تقوم على مسلمات تطرحها كبديهيات، والبداهة نقيض المسلمة. البداهة مقولة صحيحة، ولأنها صحيحة لا تحتاج برهاناً. فعندما يشير شخص إلى جدار ويقول "هذا جدار" لا داعٍ لمطالبته بالبرهنة على أن ما يشير إليه جدار، فكونه كذلك أمر بديهي.
أما المسلّمة فلا يمكن البرهنة على صحتها، وبالتالي ليس بالضرورة أن تكون صحيحة، وإنما يسلّم المتناقشان بصحتها. فمثلاً عندما يتناقش مسلمان متزمتان قد يقول أحدهما " ألسنا خير أمة أخرجت للناس؟"، ويوافقه الثاني. فكوننا خير أمة أخرجت للناس بداهة بالنسبة لهما. أما لدى نقاش أحدهما مع مسلم غير متزمت، فقد يرفض الأخير كوننا "خير أمة" ويطالب بالبرهان. وعندما يعجز الأول عن البرهنة على أننا أفضل من الفرنسيين والألمان والسويديين، قد يتفقان على التسليم "بأننا خير أمة أخرجت للناس"، ليتواصل من ثم النقاش على أساس هذه المسلّمة.
أعتذر عن هذا التفصيل الذي قد لا يكون ضرورياً، لكن المشكلة مع دعاة التدخل هي من هذا القبيل بالضبط: إنهم يفترضون أن ما يقولون به بديهيات، أما الحقيقة فهو مسلماتٍٍ يعتبرونها هم بديهيات، تماماً كبداهة "أننا خير أمة أخرجت للناس". لكن المنطق النظري كمنطق المسلم العادي الذي سبق وطالب بالبرهان، فبأي حق يعتبرون المقولات التالية بديهيات؟!
ـ كل هم السلطة استمرارها.
ـ ولا يمكن استمرارها إلا بالسلب والنهب.
ـ لا يمكن للسلطة إعطاء الشعب الديموقراطية.
ـ لا يمكن للشعب انتزاع الديموقراطية.
والمشكلة أنهم يطرحون المقولات الثلاثة الأولى ليس فقط كبداهات، بل أيضاً بطريقة تجعل التناقض بينها مستحكماً. فالأولى بداهة فعلاً، أما الثانية والثالثة فليستا كذلك، بل تحتاجان برهاناً، وخصوصاً بالاستناد إلى البداهة الأولى وبالترابط معها.
فبما أن كل هم السلطة ينحصر بالاستمرار، وفي ظل ضرورات الحياة المعاصرة التي أخذت تعبّر عنها الضغوط الدولية، ما عاد يمكنها الاستمرار إلا بالتصالح مع الشعب، ولو جزئياً. وبالتالي فقد تسير السلطة على طريق تخفيف السلب والنهب وطرح قانون للأحزاب يسمح فيما بعد ـ بعد تشكيل الأحزاب وإجراء الانتخابات ـ بمشاركة الشعب في حكومة تتمتع بشئ من السلطة. بهذا تكون قد حققت بعض الإصلاحات الداخلية واستمرت في موقعها. وعلى أساس هذه الإصلاحات تحاول تحسين علاقاتها مع الأوروبيين، الذين سيرحبون بذلك باعتباره خطوة لا بد أن تدفع سوريا ككل باتجاه تعميق هذه الخطوات. وهذا ما يعيد وضع سوريا بين الأوروبيين والأمريكيين إلى مرحلة ما قبل القرار 1559، وهذه المرحلة سبق وألقيت عليها بعض الضوء في مقالتيّ "المخرج السوري من المأزق السوري".
بديهي أن غالبية الشعب في سوريا ومعظم الديموقراطيين، وخصوصاً في ظل هزالهم باعتبارهم بلا برنامج سياسي، سيرحبون بهذه الخطوة أيضاً باعتبارها بداية. ولن يتمكن من الوقوف ضدها حتى الأحزاب أو مشاريع الأحزاب التي لن يناسبها قانون الأحزاب أو الانتخابات. وهكذا يمكن للسلطة أن تستمر ببعض الإصلاح والديموقراطية، أي بديموقراطية منقوصة، تكون أساساً وخطوة على طريق مواصلة الديموقراطية وتعميقها.
أما بخصوص المسلمة الأخيرة، فلن أتحدث عنها باعتبارها إهانة للشعب السوري، ولو أنها فعلاً كذلك، بل سأتحدث عنها بالترابط مع المسلمة الثالثة. وأمهد لهما بالقول إن الانتزاع ـ الإعطاء ثنائية يترابط فيها الطرفان بالتبادل، إذ لا أحد يعطي دون وجود من يطالب بالأخذ. وإذا كان ما ستقدمه السلطة هزيلاً، إن قدمته، وإذا كان العامل الحاسم في اضطرارها لتقديمه هو الضغوط الدولية، فالخلل ليس في الشعب السوري، بل في قواه الديموقراطية. فالديموقراطيون من يتحمل مسؤولية هذا الخلل، إن وجد، لأنهم كان ينبغي أن يكونوا أكثر فاعلية في استنباط أساليب تفعيل الديموقراطية في المجتمع. لكني أؤكد أن الخلل طفيف جداً، وضعف الديموقراطية عندنا مرده إلى كونها نبتة غضة في مجتمعنا، كما سبق وأوضحت في القسم الثاني من كتاب "سوريا إلى أين؟".
هذا أحد الاحتمالات الممكنة، وقد لا يتحقق لأن مجريات الأمور ليست مرتبطة بالوضع الداخلي فقط، بل بالحدود التي تتطور فيها الأمور خارجياً وما قد يستجد. ولكن في مطلق الأحوال، طالما أن الديموقراطية لن تتأصل في مجتمعنا إلا بفاعلية الديموقراطيين، فبدل إضاعة الوقت بالهذر عن التدخل الخارجي أو استدعائه، كما لو أن الجيش الأمريكي تحت أمرتهم، من الأولى تكثيف العمل في المجتمع باتجاه ترسيخ الديموقراطية، وإعداد العدة للمرحلة القادمة التي بدأت، كي لا يؤخذ الديموقراطيون على حين غرة عندما يجد الجد.
2ـ من حيث النتائج:
التدخل العسكري الأمريكي مطروح عند الدعاة كوسيلة لتحقيق الديموقراطية في سوريا. وإن تبيّن أن هذا التدخل لن يؤدي إلى تحقيق الديموقراطية، فالخلل في هذه الوسيلة لا في غيرها. ولا أعتقد أن هناك بداهة أكثر من هذه البداهة التي سأعاين وجهة نظرهم على أساسها:
إذن، في حال ارتأت الولايات المتحدة أن من مصلحتها التدخل العسكري عندنا، وتدخلت، فإنهم سيتعاونون معها للعمل على إرساء الديموقراطية في سوريا. لكن المشكلة أن الديموقراطيين ككل قلّة في المجتمع، وليس لهم أي حزب حقيقي في سوريا. وعلاوة على ذلك فإن نسبة منهم تؤيد هذا التدخل، وليس الكل. ولهذا سينقسم المجتمع إلى ثلاثة أقسام، بغض النظر عن نسبها العددية: مجموعة تؤيد الاحتلال ويتعاونان معاً سياسياً وعسكرياً لاستقرار المجتمع، ومجموعة ترفض الاحتلال وتقاومه بالسلاح، ومجموعة صامتة تراقب وتنتظر مجريات الأمور لتقرر موقفها النهائي. وبديهي أن تكون هذه المجموعة الأخيرة متناقضة في وحدتها، بعضها يميل نظرياً باتجاه الهدوء والاستقرار بغض النظر عن طبيعة السلطة، والآخر يميل باتجاه المقاومة.
من زاوية الديموقراطية، هذه الأطراف الثلاثة لها الحق باتخاذ ما تتخذه من مواقف إزاء الاحتلال. والأدق إن هذا الحق يفرضه الواقع قبل أن تعطيه الديموقراطية. وبالنتيجة سينفلت الصراع في المجتمع بين نقيضين لهما حق التناقض بالسلاح. الأول الجيش الأمريكي وحلفائه من الديموقراطيين وغير الديموقراطيين، والثاني المقاومة المسلحة بتياراتها الديموقراطية وغير الديموقراطية. ولهذا الصراع منطقه، إذ سيحاول كل طرف تحقيق الانتصار بغض النظر عن الوسائل. وهذه الوسائل لن تكون ديموقراطية لأن الديموقراطية ليست بؤرة الصراع بين الطرفين، بل بؤرته الاحتلال والموقف منه. فالديموقراطية "ترف" قد تتم ممارسته أثناء السلم الأهلي والصراع المدني، أما في ظل الاحتلال، أثناء إطلاق الصواريخ وتفجير السيارات وقصف الطائرات وحصار المدن وارتكاب المجازر، فسيدّعي كل طرف بأنه سيحقق الديموقراطية بعد القضاء على العدو.
وفي هذه الأثناء، ريثما يقوم كل عدو بسحق عدوه، فإن هذه الكتلة الكبيرة الصامتة المسماة "المجتمع"، ستعبّر عن نفسها تبعاً لمجريات الصراع، ستعبر عن نفسها باصطفافات غير ديموقراطية حكماً طالما أن سعي الطرفين لاستقطابها يتم، ولا يمكن إلا أن يتم، على أسس غير ديموقراطية. وإلى أن ينتهي الصراع، ومع انتهائه، سواء انتهى لصالح المقاومة أو الاحتلال أو بين بين، يكون المجتمع ـ جرّاء تخلفه ـ قد أكمل اصطفافاته في أطره ومؤسساته العشائرية والطائفية التي لا يعرف غيرها، ولم يفعل أي من الطرفين أي شئ لتعريفه بغيرها طالما أن كل همهما تحقيق الانتصار بغض النظر عن الوسيلة. بهذه النتيجة تكون الديموقراطية هي الخاسر الوحيد، ومعها وقبلها الشعب الذي أنهكته وروعته وطحنته طاحونة الاحتلال ـ المقاومة. علي الشهابي دمشق 22 آذار 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا