الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطلبة ينزلون إلى الشوارع ( الحلقة الثاني من حدث في مثل هذه الأيام )

وصفي أحمد

2013 / 1 / 21
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



و في صباح اليوم التالي نزل طلاب مدرسة الكرخ الثانوية إلى الشوارع و اختلطوا , بعد عبور نهر دجلة , بطلاب الأعظمية , و تحركت المسيرة – التي كانت لافتاتها تشجب تصريح الجمالي سالف الذكر- بسلام باتجاه مدرسة الحقوق . و كان من المنتظر أن تتقدم من هناك , بصفوف متضخمة , صوب القصر الملكي , هدفها الأخير . و لكنها ما أن اقتربت من مدرسة الحقوق حتى ظهر فجأة رجال الشرطة و سدوا الطريق في وجهها . و سارع طلاب الحقوق إلى الخروج من قاعاتهم للانضمام للمتظاهرين , و لكنهم صدوا , بالهراوات أولا ثم بطلاق الرصاص الحي , مما تسبب في جرح عدد منهم و اعتقال آخرين , و أغلقت مدرسة الحقوق . و جاء الرد سريعا من قبل طلاب الكليات الأخرى , حيث أعلنوا الإضراب العام يوم 6 كانون الثاني . و لانت الحكومة و أخلت سبيل الطلاب الموقوفين , و أعادت فتح مدرسة الحقوق .
في هذه السلسلة الأولى من الحوادث كانت المبادرة لحزب الاستقلال , و لكن هل حسب الاستقلاليون الأمر جيدا , فكل ما كان يدور في أذهانهم أن الأمر لن يكون أكثر من مظاهرة ضيقة المرمى .
هل كان من الممكن أن يبقى الحزب الشيوعي متفرجا كل هذا الوقت ؟ كانت صحيفة الحزب (( القاعدة )) قد بدأت تدافع عن إسقاط وزارة صالح جبر منذ وقت مبكر يعود إلى تشرين الثاني ( نوفمبر ) 1947 , و اتهمتها يومها بإجراء مفاوضات سرية لتعديل المعاهدة و إخفاء جوهرها عن الشعب . و على العموم , فبالرغم من أن الحزب كان يدرك بالحدس – كما فعل دوما – أن العاصفة تقترب , و أنه وحد في تشرين الثاني أحزاب (( اليسار )) في ظل لجنة التعاون , فإن نداءات صحيفة القاعدة لم تتكثف لتتحول في كانون الأول أو قبله إلى استعدادات عملية للقيام بهذه الانتفاضة , إذ ليس في سجلات الحزب ما يشير إلى ذلك , و هذا ما تؤيده شهادات مالك سيف – الذي كان المسؤول الأول للحزب يومها . و كانت مبادرة حزب الاستقلال غير المتوقعة هي التي أعادت الشيوعيين إلى الحياة , إذ سرعان ما تحركت القواعد الحزبية الطلابية الشيوعية و ساهمت بفعالية في الاحتجاجات ليومي 5-7 كانون الثاني , كما يتضح من وثائق الحزب التي صودرت بعد 10 أشهر.
و استراحت بغداد , من 8 إلى 15 كانون الثاني , و كان يبدوا على السطح و كأن روح المعارضة انطفأت . و لكن الهدوء كان خادعا , فقد كانت العيون متجهة صوب لندن التي ذهب إليها وفد رسمي برئاسة صالح جبر و يضم نوري السعيد , من أجل إجراء المفاوضات النهائية للتوقيع على معاهدة جديدة , و لم يكن الشيوعيون , من ناحيتهم , يسجلون الوقت بدقة . جاءت رسالة من سجن الكوت , أرسلها فهد ( يوسف سلمان يوسف ) يطلب فيها أن يجري الحزب استعدادات جدية لإنزال قواته إلى الشارع . و بدأت تعبئة لوسائل الحزب . و تم تشكيل ملحق ل (( لجنة التعاون )) , هو لجنة التعاون الطلابية , و طلب من كامل قزانجي – وهو محامي من الموصل و صديق للشيوعيين – رئيس لجنة التعاون أن يقود التظاهرات التي ستبدأ عن قريب .
اختفت سكينة الشارع فجأة عندما أعلنت يوم 16 كانون الثاني شروط المعاهدة التي وقعت في اليوم السابق في بورتسموث , و بالرغم من العبارات المنمقة عن معاني التعاون المتبادل فإنها تكبل العراق بقيود جديدة .
أطلق نشر الاتفاقية إضرابا استمر ثلاثة أيام و مظاهرات مستمرة قام بها طلبة الجامعة , و كانت الحركة منذ البداية تحمل طابع جدي . و خلف الغليان الطلابي كان هناك (( لجنة التعاون الطلابي )) , التي يقودها الشيوعيون و في الأيام الثلاثة 16 و 17 و 18 كانون الثاني كان الطلاب الثائرون يمثلون كل الأطياف السياسية . و لكن في يوم 19 أمر حزب الاستقلال طلابه بفصل أنفسهم عن البقية و انتظار دورهم . و من الناحية العملية برز الشيوعيون على أنهم القوة الأبرز في الشارع , كما برزت لجنة التعاون الطلابي و لجنة التعاون على أنهما الرافعتان الأساسيتان للانتفاضة . و كانت مسيرة العشرين من كانون الثاني العاصفة التي شارك فيها هذه المرة عمال السكلجية و (( الشرقاوية )) الجوعى و كانت بمبادرة واضحة من الشيوعيين . و سفك الدم في ذلك اليوم في بغداد , وفي محاولة يائسة لتفريق المتظاهرين أطلقت الشرطة النار على الطلاب بهدف القتل , إما لأنهم فقدوا السيطرة , أو لأوامر صدرت إليهم . و لكن الرصاص زاد من عزيمة الثوار و لم يفرق جمعهم . و في اليوم التالي ازداد التهاب المشاعر , و عندما أرادت وفود طلابية أن تحرس الجثث و ترافقها إلى مقرها الأخير أطلق رجال البوليس النار عليهم داخل المستشفى الملكي , فقتل اثنان و جرح سبعة عشر , و كان أحد القتيلين طالب صيدلة , وقد فجرت رصاصة دماغه , فحمله رفاقه إلى عميد الكلية , فارتعد العميد اشمئزازا و قدم استقالته . و سار على منواله أساتذة الصيدلة و الطب و أطباء المستشفى . و ما أن ذاعت أنباء الاعتداء الوحشي هذا حتى تكثف الغضب واصلا درجة الحمى , و اجتاحت الاحتجاجات الشوارع , و اشتبكت الحشود البشرية , التي كانت تضم وجودا شيوعيا كثيفا , و المسلحة بالعصي الضخمة , مع رجال الشرطة الذين أصبحوا كالحطام في بحر هائج . و لفت بغداد أجواء تنبيء بحدوث ثورة اجتماعية , و شعر الوصي برعب شديد , و إذ لم يكن متأكدا من موقف الجيش فإنه لجأ إلى عكس موقفه فجأة , و تبرأ علنا ليل 21 كانون الثاني ( يناير ) – و بعد أن عقد اجتماعا في القصر دعي اليه هذه المرة ممثلو الأحزاب – من المعاهدة .
المعلومات التاريخية مأخوذة من ذات المصدر السابق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. -ليلة تاريخية- لمناصري حزب ا


.. صور من تجمع لحشود ضد اليمين المتطرف في ساحة الجمهورية بباريس




.. لماذا تصدر حزب التجمع الوطني نتائج الدورة الأولى من الانتخاب


.. ماذا بعد أن تصدر اليمين المتطرف نتائج الانتخابات المبكرة في




.. -نتيجة تاريخية-.. اليمين المتطرف يتصدر الجولة الأولى من الان