الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( زائر الليل )

سالم وريوش الحميد

2013 / 1 / 22
الادب والفن


( زائر الليل )
عندما يجن المساء وعلى حافات المدينة حيث تتسكع هوام الليل وطوارقه و زواجر الطير حيث غابة النخيل الممتدة تسبح في عتمة مخيفة ، بحثت عن موضع لقدمها ، تجذرت في مكانها ، اصطليت بنار الانتظار ، سنوات طويلة وهي هنا ، قابعة في ذات المكان تنظر إلى ذاك الفراغ ، بصرها يمتد وامتداد الطريق في تلك المدينة الغافية على شواطئ النسيان
تحمل حكايا من مر في دروبها الترابية ، من استفاق من نومه ، وجاء مذعورا ليحكي لمبروكة حلما أو كابوسا جثم على صدره ، عن نساء يجلبن أولادهن لدرء العين أو للعلاج مقابل كسرة خبز أو صحن حساء يقدمنه لها كل صباح
(مبروكة ) تجلس على قارعة الطريق تتابع حركة القادمين باهتمام، كل يوم تسقي شجرة الانتظار من د موعها
حيث تحجرت مآقي العيون من حرقة الفراق ، من هنا مر الزمان ليذبل كل نضارة كانت تباهي بها النساء
،صيرها كشجرة أذبلها الجفاف ،
((متى أراك يا فلذة الكبد أو ألفظ أنفاسي لأرتاح وأريح من حولي ))، متى أشم عطرك البهي أو تطوقني تلك اللفافات الموميائية ، ما فائدة الأشجار الميتة تعترض الطرق ، وتسد المنافذ، أليس بموتي حياة لغيري ،. :"؟ تشط بها الأفكار وهي تنظر عبر تلك النافذة
هكذا علمتها الحياة ،يعتصرها ألم كبير وهي ترى الموت يشل حركة حشرة كانت تسعى ،( ما بالي أحب الموت لنفسي ...؟)
النار حولها تتراقص ، لا تعرف أهي تدفئها أم تريدها كونيس بعدما خلت الدار من كل خليل ، منذ أن رحل سعد ابنها وهي هنا تنتظر خطى ذلك الزائر يقتحم عليها وحدتها ،يرمم ماثلمه الدهر من روحها ، لتراه لتداعب خصلات شعره ، لتضمه إلى صدرها ، وبعد ذلك
ليأخذها الملك إلى دار القرار ، أحضرت له ما يريد من عدة السفر ،
_ (حجية )))
. أبني سيموت منذ البارحة وهو في بكاء مستمر
نظرت إلى عيني الصغير تتوسلها أن تفعل شيئا يخلصه من آلامه صراخه يعلو وهي تدلك كتفه بقليل من الزيت وتمر يدها على كتفه بتردد يتناغم ونعاء بات لا يفارقها ،ويسلم الطفل إلى ما يشبه الخدر يسري في جسده فيستسلم لنوم عميق تخرج الأم قطعة من النقود لتعطيها لها
_ أريد قليلا من الطعام ، فأني جائعة
((كم من السنين مرت عليك يا ولدي وأنت في الغربة أتذكرني مثلما أذكرك ))
أذكت نارها بقطع من الخشب ، ليلة قارسة ، ترى حبات المطر تضرب النافذة بقسوة ، البرق يلتمع في عينيها التي أثقلهما الكرى
جلس قريبا منها ينظر إلى وجهها الذي حفره الزمن بأزميله الذي لايرحم أخاديد وكأنها تحكي ذلك البؤس المتغضن
مسك يدها قبلها ، أحست بدمعة حرى على خدها لذعت لسانها مرارة غريبة
- سعد
- أنا هو يأ أمي
- أبعد كل هذه السنين تأتي
- ومن لي غيرك يا أمي ينقذني مما أنا فيه ، ستأتين معي
كأنها لم تصدق ما قاله ( أبعد هذا الانتظار جئت لتخلصني من عذاباتي )

- ستأتين معي
سنبيع البيت
فدى عينيك البيت ))))
نعم يا أمي سأسدد ديوني وبعدها سأعود لكي أخذك معي
ندت منها صرخة قوية ترددت أصدائها في عتمة هذا الليل البهيم
أحظرت حنوطها وكفنها توجهت لله بقلب خاشع وبعين دامعة تسأله حسن الختام
كان المطر يبلل كل تظاريس جسدها ،وهي تجلس تحت عريشة العنب ، كانت ترتجف رغم إن مرجل من نار كان يغلي في داخلها
غفت على وسادتها ، لم تعد تنتظر غير ملك الموت يخلصها مما هي فيه
صراخ طفل يتعالى
_(يبكي حجية )أبني سيموت مغص شديد منذ البارحة
كلنا ميتون
قالتها دونما اهتمام ،
لهيب النار تومض في عينيها ، تتلفع ببطانية قديمة ، تعبق في انفها رائحة الشاي( المهيل )
انه طفل ما ذنبه أن يموت))


ابنها يقف مع الجموع الكل حزين إلا هو وقف يترقب أبواب سعاد ة لاريب إنها آتية تدق ابواب روحه ا
خطيبته تنظر بطرف عينيها ،علامات القلق والريبة تساورها
ماذا ياسعد هل حقيقة ستأتي معنا ))))
ضحك وهو يغمز بعينه ، ربت على يدها مطمئنا إياها
بكاء الطفل يصل مسامعها
تحاملت على نفسها أومأت للمرأة بالجلوس قربها
فركت يده وضعتها على أنفها راحت تشمها بقوة ، وصفت إليه عشبة للعلاج
شيخ الجامع يخرج لفافة وصيتها التي أودعتها إياه منذ زمن بعيد
همست له أن يقرأ على الملأ راح يقف باعتداد وهو ينظر إلى تلك الوجوه التي راح يقتلها الفضول
، قرأ بصوت جهوري وكأنه يلقي خطاب
سيكون هذا البيت وقفا للجميع )) ))
راح الابن يفر بنظراته عن الجميع ، غير مصدق ، رنت خطيبته اليه بعينين ذاهلة ، تريد تفسيرا لما يحدث ،تداخلت الأصوات تفجرت بداخله براكين من الغضب واجتاحته نوبة من الهستيريا
لا هذا بيتي هذا بيتي .. ليس لها الحق أن تعطيكم إياه أنها مجنونة ))))
ولم تنتظر خطيبته لم تعد تحتمل البقاء اخترقت الحشود
وخرجت من البيت وهي تتبرم باستياء ، ألقت إليه بخاتم الخطوبة بعدما فقدت الأمل المنشود ،
هجم الابن على مبروكة وراح
يركلها بقدمه بكل قوة ، لم تصرخ لم تتأوه ، لم تحاول مصادرة غضبه ، أخرجوه عنوة من البيت وهو يتوكأ على آلامه ،كان يصرخ بأعلى صوته
(( سأقتلها ))، كلما أسلمت رأسها للنوم صرت همومها حتى الصباح ،ليدور في رأسها ذات السؤال
،لم لم تكمل الوصية ياسعد..؟ ربع مليون دولار تركة أبيك ضيعتها في لحضة غضب )) ))

مر عام والكل يبحث عنه لم يجدوا له أثر ، اختفى الزائر في غابة نخيل مترامية الأطراف
تمتد و امتداد حلكة الليل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسرحية -شو يا قشطة- تصور واقع مؤلم لظاهرة التحرش في لبنان |


.. تزوج الممثلة التونسية يسرا الجديدى.. أمير طعيمة ينشر صورًا




.. آسر ياسين يروج لشخصيته في فيلم ولاد رزق


.. -أنا كويسة وربنا معايا-.. المخرجة منال الصيفي عن وفاة أشرف م




.. حوار من المسافة صفر | المخرجة والكاتبة المسرحيّة لينا خوري |