الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوليانا وكاليباري

عبد الكريم أبازيد

2005 / 3 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


جوليانا وكاليباري
عبد الكريم أبا زيد
جوليانا صحفية إيطالية يسارية، أرسلتها جريدة (مانيفيستو) إلى بغداد لتغطية أحداث العراق. وبحكم توجهها اليساري فقد كانت متعاطفة مع المقاومة. في الرابع من شهر شباط الماضي غادرت الفندق الذي تقيم فيه لإجراء تحقيق صحفي حول نازحي الفلوجة، فاختطفتها جماعة مسلحة واقتادتها إلى مكان مجهول. قالت لهم أنا صحفية يسارية أتعاطف مع المقاومة وأرسل أخبارها إلى صحيفتي في روما، وأفضح جرائم المحتلين الأمريكيين. وقد وقفت ضد إرسال قوات إيطالية للقتال إلى جانب قوات الاحتلال الأمريكية في العراق. طلبوا منها أن تتوجه بنداء متلفز إلى حكومتها تطالبها بسحب قواتها من العراق. قالت لهم إن في هذا إهانة لي لأنني سأبدو كما لو أنني أوجه هذا النداء تحت الضغط بينما كنت مع المشاركين في المظاهرة الضخمة التي اجتاحت شوارع روما احتجاجاً على إرسال قوات إلى العراق. كما أنني غطيت أخبار انتفاضة الحجارة عام 1987، وسافرت إلى أفغانستان بعد احتلالها وفضحت خلالها جرائم الأمريكيين. ولكنهم أصروا عليها ففعلت والأسى يملأ قلبها.
بعد أن طال احتجازها إلى ما يقارب الشهر أرسلت الحكومة الإيطالية رئيس شعبة العمليات في المخابرات العسكرية الإيطالية الضابط كاليباري إلى بغداد للتفاوض مع المختطفين، فنجح في مهمته وأطلق سراحها دون قيد أو شرط. وقد صرحت أنهم عاملوها معاملة حسنة بعد أن تأكدوا من توجهها السياسي، ولكنهم حذروها من الأمريكيين بعد إطلاق سراحها. وقد أخبرتها فيما بعد إحدى الإيطاليتين المختطفتين سابقاً أن للأمريكيين موقفاً مختلفاً تجاه المختطفين الذين يطلق سراحهم. وكما أكدت مصادر إيطالية فيما بعد أن الأمريكيين قرروا قتلها لاعتقادهم أن في حوزتها معلومات محرجة لواشنطن.
وبينما كانت متوجهة إلى المطار برفقة ضابط المخابرات كاليباري، والفرح يغمر وجهيهما بهذه النهاية السعيدة، انهمرت على السيارة زخات من الرصاص أطلقها جنود أمريكيون عمداً دون سابق إنذار. ألقى ضابط الاستخبارات العسكرية الشهم والشجاع كاليباري بجسده على جوليانا ليحميها من الموت، فاخترقت الرصاصات الغادرة جسده ومات على الفور، ونجت جوليانا من موت محتم بأعجوبة خارقة بعد أن أصيبت ببعض الشظايا.
لقد تعهد هذا الضابط الشهم الشجاع صاحب المروءة أن يوصلها إلى وطنها وأهلها سالمة، فأوفى بوعده.
وقفت مشدوهاً أمام هذا الحدث. ليس حدث إطلاق النار عليها ولا على ما جرى لها مع المختطفين الذين أطلقوا سراحها بعد أن أهدوها قلادة للذكرى، والذين قالت عنهم إنهم على مستوى رفيع من الوعي السياسي، ليس هذا ما أثار دهشتي. إن ما أثار دهشتي واستغرابي هو أن يضحِّي ضابط مخابرات بنفسه لإنقاذ صحفية يسارية. لقد تعودنا في بلداننا العربية من رجال مخابراتنا أن يلاحقونا ويعتقلونا ويجلدونا ويلقون بنا في غياهب السجون سنين طويلة دون محاكمة، لا أن يضحوا بأنفسهم في سبيلنا. إنهم في ذاكرتنا كما هو الإقطاعي في ذاكرة حنا مينه. فقد جاء في إحدى رواياته أنه كان يظن وهو صغير، أن مهنة الإقطاعيين هي جلد الفلاحين لأنه لم يرهم يفعلون غير ذلك.
لقد جعلني هذا الحدث أفرِّق بين مهام رجال المخابرات في البلدان الديمقراطية والبلدان القمعية. فمهمتهم في الأنظمة الديمقراطية حماية أمن الوطن والمواطن وليس أمن السلطة، لأن السلطة يحميها البرلمان. فهو الذي يعطيها الثقة وهو الذي يحجبها عنها، ولا حاجة لقوات الأمن للمحافظة على ديمومة السلطة. أما في الأنظمة القمعية فإن مهمة أجهزة الأمن الحفاظ على السلطة. والأجهزة الأمنية ملكية للسلطة وليس للدولة. وتنظر إلى المواطن بصفته عدواً للسلطة يجب وضعه تحت المراقبة الدائمة. ولهذا يفرضون حالة الطوارئ والأحكام العرفية بصفتها الحالة الطبيعية وليس الاستثنائية. ولهذا السبب تكون مهام أجهزة الأمن في الدول الديمقراطية مختلفة على خط مستقيم عن مهامها في الأنظمة القمعية.
فتحية لك يا كاليباري يا ضابط الاستخبارات العسكرية الشهم الشجاع، تحية لك أيها الإنسان!

540 كلمة
دمشق في 24/3/2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأرمن في لبنان يحافظون على تراثهم وتاريخهم ولغتهم


.. انزعاج أميركي من -مقابر جماعية- في غزة..




.. أوكرانيا تستقبل أول دفعة من المساعدات العسكرية الأميركية


.. انتقادات واسعة ضد رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق لاستدعائها




.. -أحارب بريشتي-.. جدارية على ركام مبنى مدمر في غزة