الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقة الجدلية بين حقوق الإنسان وحقوق الأقليات

حسين عمر

2013 / 1 / 22
حقوق الانسان


ثمّة صلة وثيقة بين مفهومي حقوق الإنسان وحقوق الأقليات لجهة أنّ كليهما يأتيان في سياق مسعى يهدف إلى توفير الضمانات التي تكفل الأمان والكرامة لمن يمتلك الآهليات، سواءً كان فرداً مدرِكاً أو جماعة ذات هوية متمايزة تعبّر عن خصوصية ما، إلى جانب المشتركات الإنسانية العامّة.
وترتسم هذه الصلة بتجسيدٍ أوضح وأكثر ملموسية لدى محاولة وضع هذين المفهومين موضع الممارسة، إذ كيف يمكن الحديث عن تمتّع فردٍ ما بحقوقه ( كإنسان ) إذا ما كان محروماً من الحقوق التي تتّصل بهويته ( كفرد ) في جماعة متمايزة في هويتها؟
أبعد من هذا، يحضر مفهوم الحقّ بعموميته المجرّدة كمفهوم غير قابل للتجزيء، فهو يتّصل بالإنسان والهويات بأطيافها المختلفة من إثنية ودينية ومذهبية... والجماعات والمكوّنات وأنصار المناهج والمذاهب – حتى الفنية والأدبية منها -. وربّما يكون من السهل أن نقول هذا ونتقبّله في صيغته النظرية، لكنّ الصعوبة تتبدّى حينما نتلمّس الواقع ونبحث عمّا يحقّق التوازن والتكافؤ بيم مَن يُفتَرَض أنّهم موهوبون بالآهليات التي تمنحهم الحقّ في التمتّع بالحقوق المتساوية. فكيف يمكن شرعنة تمتّع هذا بالحقوق، وحرمان ذاك منها؟ ثمّ كيف يمكن – مثلاً – أن يكون من حقّ أحدٍ أن يلحد بينما يرى آخرٌ بأنّ من واجبه – بل وربّما من حقّه – أن يُقيم الحدّ على ذاك الملحد؟
ربّما من هنا يمكننا إعادة طرح سؤال العلاقة بين الشريعة المستمدّة من نصوص تُعَد مقدّسة لا يجوز المسّ بها، والقانون الوضعي المُصاغ كتعبير عن مستوى تطوّر المجتمعات وحاجتها إلى التمأسس في أطرٍ، يُنظِّم هذا القانون العلاقة بينها ويحدّد صلاحياتها من جهة، والعلاقة المتبادلة بينها وبين الأفراد من جهة أخرى. ولأنّ هذا القانون يتعالق مع التطور المجتمعي ويسعى إلى التكيّف معه، فهو منزوع القداسة، الأمر الذي لا تقبل الشريعة النصوصية الخضوع لمعاييره.
حينما يتعلّق الأمر بالهوية، أيّاً كانت، لا يتعلّق الأمر بالأقليات والأكثريات، وانّما بذوات لها ما يخصّها ويميِّزها. ولذلك عندما تُدرك كلُّ ذاتٍ بأنّ ما هو آخرٌ بالنسبة إليها، هو عبارة عن ذاتٍ تمثّل هي بالنسبة إليها آخراً، حينها يسهل القبول المتبادل بهويات بعضنا البعض.
وتختلف الرؤية إلى حقوق الإنسان وحقوق الأقليات حسب درجة الوعي الثقافي في المجتمعات ومدى إشاعة ثقافة التسامح كمفهومٍ يتسامى على التعصّب، ثقافة ترى في التنوّع ثراءً للمتّحد السياسي والمجتمعي لا تهديداً بتشظّيه وتذريره. وإذا كانت دولٌ عديدة، في مناطق مختلفة من العالم، تُعيد النظر، ليس في أوضاع وحقوق مكوّنات مجتمعاتها فحسب، بل وفي بنيتها ودساتيرها أيضاً بما يمنح صيغ وهياكل ووضعيات خاصّة بالمعنى الإيجابي لتلك المكوّنات، ويوسّع من صلاحية واستقلالية ما هو قائم وموجود منها، حتى أنّ العديد من هذه الدول باتت تتبنّى مفهوم التمييز الإيجابي حيال بعض مكوّناتها، وتتحدّث عن مفهوم «المجتمعات المتمايزة» و«دولة التعددية الثقافية»، فثمّة في مناطق عديدة أخرى، ومنها منطقتنا، ما هو أبعد من التنكّر لحقوق المكوّنات ذات هويات خاصّة قائمة على أسسٍ قومية أو دينية أو ثقافية... ثمّة انكارٌ لهذه الهويات نفسها ورفضٌ للقبول بها، بل ومنعٌ للحديث عنها والتمسّك بها والانتماء إليها، ناهيك عن تطويرها وتنميتها والبحث عن الصيغ المؤطِّرة لها والضامنة لتمتّعها بحقوقها.
كلّ ذلك في ظلّ هيمنات مركزية مزدوجة. فمن جهة، هناك مركزية دولتية منسوخة، بشكلٍ مشوّه، عن نموذج الدولة الممركزة الصلبة القابضة على جميع الأطراف، والممسكة بكلّ مفاصل الحياة العامّة. ومن جهة ثانية، هناك مركزية هويوية، عرقية أو دينية، تجهد عنوةً لابتلاع كلّ المكوّنات الفسيفسائية، لتُبرِز ذاتاً قوموية أو دينوية متضخمة وهماً. وبقدر ما تسعى هذه المركزية المزدوجة إلى جذب هذه المكوّنات المختلفة إليها وتشدّد من قبضتها عليها وتضيف مشتَركات مختَلَقة ومزعومة على ما تتشاركها معها طبيعةً، بقدر ما تتكوّن ردود فعل معاكسة ونابذة تجهد للانعتاق من هذه القبضة القامعة، وتنفخ في الجزئيات وتضخّمها، وتطمس المشتركات الطبيعية، وتطفئ الرغبة في إظهارها وانمائها، فيخلق وهمٌ موازٍ عن ذاتٍ مختلفةٍ تماماً عنوانها الخصوصية.
في ظلّ هذه المركزية، لا تتضرّر القوميات والأقليات، وتُهدَر حقوقها وتُنتَقَص من أهمية هويّاتها فحسب، بل وتُنتَهك حقوق الإنسان وتُهدَر كرامته بغضّ النظر النظر عن انتمائه الاثني أو الديني.
والنظر إلى مفهومي حقوق الإنسان وحقوق الأقليات برؤية نقدية متجرّدة عن نزعة تقديس المفاهيم والنصوص وبنود المواثيق، والتعاطي معهما تعاطياً عقلانياً ومنفتحاً ذهنياً، لا ينتقص من أهميتهما وإنّما، على العكس من ذلك، يحفّز على المزيد من إعمال الفكر فيهما وبذل المجهودات النظرية التي نفتقر إليها كثيراً في أعمال الباحثين في حقل علم الاجتماع السياسيّ في منطقتنا. كما أنّ توجيه النقد إلى هيمنة الغرب – باني العمارة الفكرية لحقوق الإنسان وحقوق الأقليات – بأبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية، وإلى ازدواجية التعاطي مع مسألة حقوق الإنسان واستغلالها لأغراض سياسية لا يبرّر انتهاك الحقوق ومحاولات إلغاء الهويات المغايرة للأغلبيات المهيمنة والمركزية.
والنظر في مسألة تعديل المواثيق المتعلّقة بحقوق الإنسان والأقليات – بغضّ النظر عن اتّجاهات التعديل – أمرٌ لا ينبغي التخوّف منه خاصّة إذا ما أُخِذّت بالاعتبار الاستجابة لتغيّر حاجات الإنسان وتعدّد عناصر تكوين ثقافته، بل وهوبّته في ظلّ هذا التداخل والتواشج الواسعين بين الثقافات والروابط والمصالح جرّاء تراجع الوظائف التقليدية للحدود أمام العولمة التي تُسخِّر الفضاء الذي لا يمكن إقامة الحواجز والفواصل فيه. الأمر الذي يطرح سؤال العلاقة مع الآخر ثقافياً، بل والموقف من الثقافة ذاتها. فهل الثقافة حقلٌ معرفيّ يمكن لثماره أن تكون صالحة في أيّ مكان ولغراسه أن تُزرَع في أيّ أرض؟ لماذا هناك تلهّفٌ على ما يُنتجه الغرب من تقنية ويُتّهم حينما يحجبه عنّا، بينما يُزدَرى ما ينتجه من معرفة ثقافية ويُتّهم بمحاولة غزونا من خلاله؟
ثمّة ضرورة في مضاعفة الجهد الفكري والتشريعي المنصبّ على مسألة حقوق الإنسان والأقليات يمليه المشهد السياسي الكوني الذي انختمت به الألفية الثانية وافتُتِحَت الثالثة والمتمثّل بتراجع مفهوم الدولة-الأمّة الممركزة والصلبة أمام تصاعد وتواسع الحركات والمطالب الهويويّة التي أخذت تطرح الأسئلة التشكيكية حول صلاحية أسس تلك الدولة وتفتح الطريق أمام تجزئتها وتأثننها، وذلك في ظلّ معادلة تتّسم بتناقضٍ شديد يتمثّل في سياقٍ عالميٍّ عامٍّ سائرٍ نحو الترابط والتوحّد يعاكسهٌ لا بل يتساوق معه مسارٌ متصاعد للتشكّلات والمطالب الهويوية وإحياءٌ للغات المهملة أو المهمّشة وإنعاشٌ للذاكرات التاريخية واستحضارٌ لأمجادٍ غابرة، حقيقيةٌ أحياناً وموهومةٌ في أحيانٍ أخرى.
أمام هذا المشهد، ثمّة سؤالٌ يطرح نفسه بإلحاح: هل يمكن أن يعيش الإنسان حياةً مشتركة مستقرّة مع الآخر المختلف في هويّته؟ الجواب يتوقّف على مدى الاعتراف والاحترام المتبادلين لهويّاتنا المختلفة، ومدى سيادة جملة من المفاهيم والقيم الإنسانية مثل التسامح، كفعل تحمّل الاختلافات، وكنوعٍ من الحكمة المتسامية على التعصّب، وكذلك بمدى توافر الإطار السياسي الممثِّل والضامن لجميع المكوّنات، كالدولة العلمانية القائمة على أساس المواطنة، مواطنة المواطنين الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات، ولكن، قبل كلّ شيء، التخلّص من الفهم الضيّق للهويّة، والعقلانية في التعاطي مع قضايانا ومشاكلنا ونبذ العنف في السعي إلى حلّها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 3 وكالات في الأمم المتحدة تصدر تحذيرا من أزمة سوء تغذية تضرب


.. إسرائيل على صفيح ساخن.. مظاهرات واعتقالات




.. موجز أخبار السابعة مساءً- رئيس تشيلي: الوضع الإنساني في غزة


.. الأونروا: ملاجئنا في رفح أصبحت فارغة ونحذر من نفاد الوقود




.. بعد قصة مذكرات الاعتقال بحق صحفيين روس.. مدفيديف يهدد جورج ك