الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تغُرَك هالعمايم...أكثر الركَي فُطير

رشيد كرمه

2005 / 3 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كان الأستاذ رشيد الجبوري مُعلمنا لمادة اللغة العربية للصف السادس الاعدادي في إعدادية الكرخ –بغداد- وكان أُستاذا ًفاضلاً وكريماً ومربياً من الطراز الأول. ومؤمناً يؤدي فرائض الاسلام في أوقاتها دون إشعارٍ ودونما إستعراضٍ لأحدٍ إذ كان يشرح لنا إن الصلاة مناجاة بين الإنسان وبين خالقه . وإن الإنسان بناء الله لعن الله من هدمه ( حديث نبوي ) . وكان يساعدنا نحن (المشاغبون ) في كل شئ وعلى كل شئ وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بفرض من فروض الدين. كان سلساً ومطواعاً وداعية الى الحق والخير يستحضر سوراً من القران في أي لحظة يرغب معززاً أحاديثه الجمة بوقائع أخلاقية تنتصر للشجاعة والتضحية والمساواة والعدالة الإجتماعية , حتى بات الجميع يعتقد إن النفحات ألإشتراكية عند بعض المسلمين الأوائل مصدرها القران فلا غرو في شيوعية أبو ذر الغفاري ولا غرابة في مادية التيار المعتزلي . ولا عجبَ في تضحية الحسين بن علي وصحبه في سبيل المبادئ. وقد طغت أخلاق وثقافة المعلم رشيد على حرفيته في اللغة العربية مما أكسبه شعبية أنعكست بالتالي على تأثر عددا غير قليل من الطلبة بأفكاره سرعان ماأصبحت سلاحهم في المعركة بين الحق والحرية والباطل والعبودية طيلة قرون ثلاث عاندوا الدكتاتورية بكل جبروتها , فمنهم من أستشهد ومنهم من بقى على قيد الحياة يصارع بقوة المُثل والمبادئ أدعياء الإسلام الجديد والبدع المستوردة والأزياء القميئة ليبعثوا أفكاراً في غاية الخسة والدنائة والرجعية.
ولقد كتبت موضوعاً في مادة ألإنشاء يومها مقارناً بين أسلوبه وسلوكه وبين جارنا المربي الفاضل ألأستاذ ( محمد الحسين الأديب ) الذي أختارني كأحسن من يرتل ويُجَود القران يومياً في ألإ صطفاف المدرسي أمام أكثر من 500 طالب الأمر الذي سهل من ( تمثيلي ). للمدرسة في مسابقة الخطابة السنوي لمدارس العراق .وقد تميز الأستاذ الأديب بمنهج يختلف كلياً , إذ فرض على طلابه إقامة صلاة العصر جمعاً في قاعة المدرسة بعد أن فرض زياً موحداً في اللباس الخارجي وحلاقة ( نمرة 4 ) لجميع المراحل وكأن الجميع في وحدة عسكرية تابعة للجيش العراقي.
وكان يؤمنا معلم اللغة العربية الجديد ( المعمم ) الذي أثار بملابسه التاريخية ذي الطقوس الدينية فضول الطلبة وإستغرابهم إذ تعودنا مشاهدتهم في الجوامع والأماكن المقدسة ودور العبادة وليس في المدارس ولكن النظام العارفي البغيض إستعان بهؤلاء للنقص الكبيرللمعلمين والمدرسين الذين زُج بهم في غياهب السجون والمعتقلات ناهيك عن حملات الإعدام الهمجية وحمامات الدم التي عمت العراق بعد 8 شباط عام 1963 . وكان هذا المعلم ذو سلوك عدواني وإنتقامي ضد الطلبة بشكل عام وذوي المعتقلين وشهداء ثورة 14تموز من الشيوعيين وأنصارهم بشكل خاص. وليت الصديق ( كاظم جبر ) شقيق (علي جبر) أحد شهداء بشت آشان حياً يرزق ليروي بنفسه الحادثة التي وقعت في شتاءٍ من شتاءات العراق حيث كان (كاظم) بألاضافة كونه طالباً كان يعيل عائلته الكبيرة وأبوه المريض والعاجز. وكان يبيع الصمون عصراً بعد إنتهاء المدرسة وفجراً قبل إبتداء المدرسة وكان الواجب البيتي لذلك اليوم حفظ قصيدة ( على ظهر الغيب ) عنوانها ألإيمان بالله ومطلعها... راح يقوي على المدى إيماني فبربي قد إمتلى وجداني
ولِحَظِهِ العاثر إختاره المعلم ذو العمة البيضاء أول الطلاب لقراءة الواجب البيتي ولأنه لم يحفظ الدرس فقد إستل المعلم عصاه التي كان يخبئها في ردائه العريض وبدأ بالضرب والتلقين بأول بيت القصيدة وبين توسل الطالب وبكائه وقسمه بأن يحفظ واجبه مستقبلاً وبين إستلذاذ المعلم بالضرب وإرهاب الطلاب ورعبهم حفظ (كاظم ) القصيدة كاملة على مدى 45 دقيقة من الضرب المبرح والنشيج العالي والبكاء المر مردداً .. راح يقوي على المدى إيماني فبربي قد إمتلى وجداني
وعندما دق جرس ا لمدرسة لوح لنا المعلم ذو العمة البيضاء الملائكية طبقاٍ للحديث ( تعمموا فإن العمامة من سيماء الملائكة ) بعصاه التي خبأها في ملابسه العريضة ليشهرها مرة ثانية ليس في وجه الطلاب هذه المرة وإنما بوجه كل الشعب العراقي حينما أصبح إسمه الرفيق الشيخ (محمد حسن الصغير ) وكيلاً لأحدى دوائر الأمن البعثية التي عاثت في الأرض فساداً .
واليوم إذ يعود هؤلاء بصفة مبعوثيين شرعيين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويشهرون العصا بوجه المتنورين من طلبة العراق وثغرها الباسم أجد لزاماً علي القول من أن الواجب الشرعي يستدعي عدم فرض الدين بالأكراه والقوة الغاشمة والعنف .
وكما أن ليس كل من إرتدى الملابس الأنيقية العصرية متنوراً وحضارياً , فليس كل من إرتدى العمامة ملاكاً وطاهراً والهوسة الشعبية لم تأتي من فراغ ,,, ولا تغُرَك هالعمايم أكثر الركَي فطير.

رشيد كرمه السويد 24 آذار2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة