الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأثر أحكامنا بالجمال

نافذ الشاعر

2013 / 1 / 23
حقوق الانسان


طوال سنوات عمرنا نخضع لتقييم مستمر من الآخرين، فنجد أن الجاذبية البدنية من أكثر الأشياء المؤثرة في هذا التقييم، ونحن نلمح في بداية هذا القرن احتفاء كبيرا بمكانة الجسد، حيث امتدت هذه النزعة الجسدية إلى مجمل مجالات الحياة اليومية: في الموضة، وفي الإعلانات، وفي المجلات، وفي السينما.. وكلها تعرض الجسد وتحتفي به بوصفه موضوعا حسيا مثيرا..
ولا شك أن الجمال يمارس سلطته رغما عنا، في حين أننا ندرك أن دوره غير ذي شان بالمقارنة بخصائص أخرى أكثر جوهرية، لكن في مجال التطبيق نجد الأمر مختلفا؛ فالآباء والمعلمون والقائمون على التعيين في الوظائف يرفضون الاعتراف بتأثير جمال طفل أو تلميذ أو متقدم لوظيفة على تقييمهم وقراراتهم. لكننا نعلم جيدا أنه عندما يكون المرء جذابا، من الناحية الجسمانية، يكون لذلك تأثيره الإيجابي على مستوى انطباعات الذات وعلى مستوى السلوك الفعلي وفقا للقاعدة النفسية القائلة: "الجمال يجذب ويفتن، في حين أن الدمامة تؤدي إلى الإبعاد".
وهناك شعار نمطي آخر يقول: "ما هو جميل فهو حسن" يعني الأفراد الذين يتمتعون بالجمال يوصفون بأنهم أكثر حرارة، وأكثر تعاطفا، وأكثر حساسية، وأكثر توازنا، وأكثر تجاوبا وانفتاحا من الأشخاص الأقل جاذبية، ونتوقع لهم حياة عائلية ومهنية أكثر نجاحا وسعادة..

إن مثل هذا التصور النمطي يمارس تأثيره بطريقة ماكرة، لأن الافتنان بالجمال يعمل فعله رغم إرادة المفتون، ولا يكون من السهل أن نعترف إلى أي مدى يعمينا الجمال ويصمنا.
فعلى سبيل المثال: منذ الميلاد يُنظر إلى المولود الجميل أكثر، ويلمس أكثر، كما يستثير الكثير من الابتسامات والكثير من الكلام، ويؤدي إلى استجابات أكثر أهمية من الوليد غير الجميل، وقد بينت دراسات أن أمهات المواليد ذوي الحظ من الجمال أكثر حنانا، ويلعبن مع أطفالهن أكثر من الأمهات ذوي الأطفال الأقل جاذبية، حيث يبدين اهتماما بالأشخاص الحاضرين أكثر من اهتمامهن بطفلهن. حتى ممرضات المواليد في تقضي بصورة ملحوظة وقتا أطول مع الأطفال ذوي الجمال.

وهل يحكم علينا الآخرون بإنصاف فيما يتعلق بأخطائنا، وهناك حكم نمطي شائع محابي للأفراد ذوي الجاذبية يظهر على الدوام؟
فدوما نجد أن انتهاكا يقوم به طفل جميل يتم تفسيره غالبا باللجوء إلى عوامل خارجية، ويتم جزاؤه بشيء من الرأفة، في حين أن نفس هذا الانتهاك يعتبر علامة على استعدادات غير اجتماعية، ويعاقب بصورة أشد قسوة لو كان مرتكبه طفلا دميما، فنجد أن الأطفال ذوي الشكل الدميم يتعرضون أكثر من غيرهم لسوء المعاملة من الكبار.
وفي الحضانة ورياض الأطفال نجد أن جاذبية الأطفال في سن ما قبل المدرسة لها تأثير على سلوك المربين. فالعاملون الذين يهتمون بهؤلاء الأطفال يعزون إلى الطفل الرقيق والجميل فضائل وكفاءات متنوعة ويفضلونهم على غيرهم.
كذلك نجد أن الطفل الجميل أكثر شعبية بين أقرانه من الطفل الدميم، أما من جانب المعلمين فإن الأطفال الأكثر جمالا يحظون بتقدير يفوق واقع الحال فيما يتعلق بالكثير من القدرات.. فلماذا دائما هناك اعتقاد يقول: "تلميذ جميل، إذن تلميذ جيد"؟!.
كذلك في مجال الصداقة والحب نجد أن جمال الطفل له تأثيره على شعبيته بين أقرانه من الجنسين، والأفراد الأكثر جمالا هم الأكثر شعبية لدى الجنس المخالف، وهم المرغوب فيهم رفاقا وأصدقاء وشركاء وأزواجا، من الأفراد الأقل جمالا.
وفي مجال المقبلات الشخصية فإن المرشح ذا المظهر الجذاب يتم تقيمه بصورة محابية، في حين أن المرشح ذا المظهر غير المقبول يكون ضحية لحكم نمطي سلبي.
وفي الحياة اليومية يتم مكافأة الأفراد الأكثر جمالا باستمرار، حيث ننظر إليهم ونبتسم لهم، ونقرضهم نقودا بسهولة، ونساعدهم إذا احتاجوا المساعدة ونتكفل بهم، ونغدق عليهم عبارات التشجيع، وكل منا مستعد لأن يشمر عن ساعديه ليساعد شخصا جميلا. على عكس الشخص الدميم الذي يمر بظروف قاسية.
والطبيب يمنح وقتا أطول واهتماما أكبر ويكون أكثر مجاملة مع المريضات الجميلات، وغالبا ما يقيم علاقة أكثر دواما مع مريضة جميلة أكثر مما يفعل مع مريض دميم.
كذلك في بعض المستشفيات نجد التمييز يشوب عملية الرعاية، فالأشخاص الأكثر جمالا يتلقون توصيفات شفاهية للمرض أقل قسوة ويمكثون في المستشفى فترات اقل ويحظون بزيارات من الأطباء أكثر..

وللأسف هذا هو الملاحظ أيضا في تعليقات القراء على الأعمال المنشورة في المجلات الالكترونية، عندما ترفق بالمقالة صورة جميلة لكاتبة المقال، فنجد التعليقات والإطراءات تنهال من القراء على الكاتبة، ودوما يكون الإطراء على حساب النقد البناء وأهمية الموضوع.. والله عزوجل خاطب نبيا من الأنبياء قائلا له: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ، وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (سورة ص26)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تأثير منعكس
ميسر ( 2013 / 2 / 11 - 09:43 )
نعم .. معك حق .. ولكن يمكن ان نلاحظ ان الذين يتأثرون بالجمال .. غالبا ما يكون الجانب الجمالى ذو اهمية عندهم هم انفسهم .. !


2 - رد الكاتب د.نافذ الشاعر
د.نافذ الشاعر ( 2013 / 2 / 11 - 13:46 )
ليس بالضرروة أن يتاثر بالجمال أصحاب الوجوه القبيحة، وهذا ما يصدقه الواقع، فنجد أن الجميع يتأثرون بالجمال بلا استثناء ، سواء القبيح أو الجميل..؟

اخر الافلام

.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: عملية رفح سيكون لها تداع


.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: أميركا عليها أن تقول لإس




.. الشارع الدبلوماسي | مقابلة خاصة مع الأمين العام للأمم المتحد


.. اعتقال متضامنين وفض مخيم داعم لفلسطين أمام البرلمان الألماني




.. الحكم بإعدام مغني إيراني بتهمة «الإفساد في الأرض»