الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وسائل الاتصال الطائفية بالعراق

محمد لفته محل

2013 / 1 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تستخدم وسائل الاتصال في هندسة الوعي السني والشيعي طائفيا بالعراق عبر قنوات الإعلام الفضائية، والانترنيت، وفيديوهات وتسجيلات الهواتف النقالة المتعددة الوظائف، وعبر الوسائل الشفهية كالإشاعات والمنابر والمقاهي، هذا الإعلام يتولى تكريس القطيعة والعداء والتخوين والانغلاق والتطرف والإلغاء للرأي الآخر وكل ما هو دونه، انه إعلام طائفي إسلامي يسوق نفسه على انه الحق ضد الباطل الخير ضد الشر النور ضد الظلام الهدى ضد الظلال.
ففي المناطق العراقية ذات الأغلبية السنية أي عملية تفجيرية أو اغتيال تحدث تنسب تلقائيا للحكومة الطائفية الموالية لإيران التي بدورها متحالفة مع أمريكا وإسرائيل سرا ومتخاصمة معها علنا! لمجرد تأخر أمريكا بضرب إيران عسكريا! لتنفيذ مخطط إسرائيل بالقضاء على الإسلام! بل إن تنظيم القاعدة بالعراق لم يُحارب ويطرد من مناطقهم بعد أن احتضنوه لمحاربة الاحتلال والصفويين إلا بعد اتهامه بالتعامل مع إيران وتنفيذ أجندة لها؟ فأشيع إن القاعدة الحقيقية كانت تحمي المناطق ضد الاحتلال وليس لها علاقة بالقاعدة التابعة لإيران! وإن الحرب الطائفية بدأها الشيعة أولا! في حين إن الإعلام الطائفي الشيعي يُحمّل كل مشاكل العالم على الدولة السعودية الوهابية التي صنعتها المخابرات البريطانية والإسرائيلية عن طريق تجنيد الشيخ (محمد عبد الوهاب) لصالحها، ويعتقدون أنهم في حلف سري مع أمريكا وإسرائيل للقضاء على الشيعة والإسلام لأنهم الفرقة الناجية المنصورة من الله، وان السعودية دولة غير مسلمة أصلا! ويصور هذا الإعلام إن تنظيم القاعدة صناعة أمريكية تمدهم بالسلاح بل وتنقلهم بالطائرات والهمرات لقتل الشيعة بالعراق أثناء الحرب الطائفية! وتطلق سراحهم لو اعتقلتهم الشرطة أو الجيش العراقي! وإن الحرب الطائفية بدأها السنة وانه لولا الميليشيات الشيعية لأبيدت الشيعة من العراق على أيدي الوهابية! وهكذا ما إن تستمع لرأي مواطن واحد في منطقة سنية أو شيعية حتى تعرف انه يمثل وعي جمعي مُعلب من وسائل الإعلام والاتصال الأخرى، رغم إن كل شخص ناقل للروايات الطائفية يُقسِم ألف يمين أنه شهد بنفسه الحادثة أو أن شخصا مقربا له أو صديق أمين رأى هذه الحادثة بعينه ورواها له، دون أن تعلم بها أي وسيلة إعلامية! والقَسم لا يمكن أن يؤخذ كدليل حتى في المحاكم الإسلامية وهناك مثل بليغ (قالوا للحرامي احلف، قال: اجاك الفرج) وهذا يُبين لنا أهمية الوعي الإعلامي للفرد والمجتمع الذي يشمل المتعلم مثلما الجاهل.
أول ملاحظة على هذه التصورات أن لم نعتبرها خرافات أصلا، هو تهافتها أمام المنطق المحايد، وافتقارها لأي دليل، فالحرب الطائفية بدأتها الدول الإقليمية بواسطة الساسة وليس الشعب العراقي، أما تحالف أمريكا وإسرائيل مع إيران المفترض فيكفي أن العقوبات الاقتصادية ومنع استيراد النفط الإيراني الذي اضر حتى ببعض الدول الأوربية واضر الاقتصاد الإيراني؟ وليست الحرب لعبة تشنها أمريكا على إيران كما يتصور الناس دون اعتبارات وتبعات اقتصادية وسياسية وعالمية، ودون توفر الوقت المناسب والحجة المناسبة والتحالف المناسب، أما تحالف السعودية مع أمريكا ضد الشيعة فالمعروف أن السعودية عارضت الحرب على العراق، ورفضت استخدام القواعد الأمريكية منطلقا لقصف العراق، وحلفها مع امريكا في حقيقته ضد طموح إيران التوسعي وليس الشيعة، أما تصور إن الميليشيات الطائفية التي حمت المناطق من الطائفة الأخرى فالكل يدرك إن هذه الميليشيات قتلت من أتباعها بقدر ما قتلت من الطائفة الأخرى، وإن المناطق السنية استطاعت بمجهود العشائر وأبناء المناطق حماية أنفسهم وطرد ميليشيات القاعدة دون الحاجة إلى ميليشيات تحميها؟ لأن هذه الميليشيات ذات أجندة خارجية وليست وطنية، وهكذا إن هذا المنطق ضد المنطق بل إنه بالأحرى عيّنة مُحمّلة بمضامين اجتماعية نفسية وسياسية وتاريخية تتيح لنا دراستها وفهم أسبابها ونتائجها بدلا من مناقشة منطقها الفارغ.
إن الصورة النمطية بين السنة الشيعة، التي تُصور السنة للشيعة إنهم يكرهون سلالة (محمد عبد الله) ويحبون (معاوية أبي سفيان) وابنه (يزيد معاوية)؟ وتصور الشيعة للسنة أنهم عملاء لإيران يكرهون السنة ويعبدون القبور، متخلفون يعانون عقدة النقص، هذه الصورة النمطية لها دور كبير في الانقسام الاجتماعي بعدما غذاها الساسة ووسائل الإعلام والاتصال الأخرى، وهذه الصورة تحجب عن رؤية أن في السنة والشيعة أكثر تيار واحد فهناك المتطرف والمعتدل والليبرالي والعلماني في كلا المذهبين، وهذا ما نصب جدار اجتماعي ونفسي فصل المجتمع إلى فئتين سنة وشيعة صنعته الدول المجاورة بواسطة الساسة الذين كانوا بالخارج، سيقود العراق حتما إلى التقسيم طائفيا وقوميا، سنة شيعة أكراد إذا استمر الحكم الطائفي على نهجه الطائفي، فبعد الحرب الطائفية تركت أثارها على ذاكرة الناس حيث شاهدت العراقي يهجر العراقي ويصادر ممتلكاته ويقتله ويعذبه أبشع تعذيب بفن يعجز العقل عن استيعابه، فلم تعد عائلة أو منطقة لم تفقد أخ أو قريب أو صديق، بعدما كان الاستبداد الصدامي طائفيا على مستوى النخبة السياسية والاستخبارية فقط، إن العراق عند مفترق طرق أما التقسيم أو ثورة أو انقلاب داخلي بدعم خارجي كما حصل مع سوريا.
وقد بينت لنا الإحداث مرة تلو المرة كم إن مجتمعنا هش التلاحم مدنيا وسهل الاختراق، وآخر هذه الاختراقات ظهور الجيش العراقي الحر، تأثرا بالجيش السوري الحر وقبله كان ومازال مخترقا من إيران بالأحزاب السياسية كحزب الله بالعراق والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وعصائب أهل الحق، وجيش المهدي، والحزب الإسلامي التابع للإخوان المسلمين المصرية وتنظيم القاعدة بالعراق التابع لأسامة بن لادن، وهكذا كل هذه الاختراقات تبرهن لنا ضعف المجتمع العراقي أمام الإيديولوجيات السياسية والدينية التي سهلت قيام العملية السياسية على أساس طائفي وقومي إقليمي، ومهدت لنشوب الحرب الطائفية عام 2006 وبررت تبادل الأحزاب الاتهامات بينها بالعمالة والخيانة للخارج، وهذه حقيقة مؤلمة ومريرة تعكس ضعف مناعتنا من التدخلات الخارجية، فبد عشرة سنين من الآلية الديمقراطية لازال مجتمعنا مهدد بالانقسام الطائفي ولا زالت الأحزاب الحاكمة والعملية السياسية مخترقة من دول المجاورة ولا زالت الدولة مهددة بالانهيار بحرب طائفية وتدخل خارجي مثل النموذج السوري.
إن المجتمع العراقي بنظامه الأبوي ألذكوري المتسلط لا يمكن أن تترسخ فيه الثقافة الديمقراطية أبدا، بل تبقى محصورة بالانتخاب فقط، أي آلية انتخابية فقط، هذه الأبوية المقدسة المتسلطة نجدها منسوخة في المعلم والأستاذ والمسؤول والمدير والوزير والقائد ورب العمل والشيخ، تجعل الفرد سلبي يتلقى الأوامر بخنوع وخضوع ويطيع، ينظر إلى الأب المنسوخ بإجلال وخضوع وحسد، فيمارس هذه الأبوية المنسوخة المتسلطة على كل ما هو أدنى منه كأسرته وأصدقائه في تربيته وتعاملاته، فكيف يتسنى لهكذا فرد أن تتغلغل في حياته الثقافة الديمقراطية القائمة على الحوار والرأي الآخر والمساواة والمواطنة والعدالة والحرية والاختلاف، في حين المجتمع الأبوي ينسخ الأب الأوحد بالفكر الأحادي المتسلط، والحقيقة المطلقة المقدسة! فيعتبر الاختلاف فتنة، والتمنطق تزندق، والرأي الشخصي هوى الشيطان، والخروج عن الجماعة فرقة، وهذا سبب عبادة الفرد في مجتمعنا وظهور أصنام معبودة تلو الأصنام، لكنها أصبحت تأتي بالانتخاب، وما لم تترسخ قيم التسامح والاختلاف والمساواة وحرية الرأي ابتدأ من تقنين الأسرة من التسلط والقهر والعنف إلى المدرسة والمؤسسات الأخرى فلن ندخل المجتمع المتحضر لا بالديمقراطية ولا بأي وسيلة أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا تقر قانونا لتسهيل طرد مؤيدي الجرائم الإرهابية | الأخ


.. أردوغان لا يستبعد عقد اجتماع مع الأسد: هل اقتربت المصالحة؟




.. قراءة ميدانية.. معارك ضارية وقصف عنيف على حي الشجاعية بمدينة


.. -من الصعب مناقشة كاذب-.. هكذا علق بايدن على -التنحي- | #عاجل




.. -لكمات- بين بايدن وترامب .. والأميركيون في مأزق ! | #التاسعة