الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طفولة مسروقة ...

محمود عساف

2013 / 1 / 24
الادب والفن




كنت ارافقها في طفولتي في ذلك اليوم فرحا وكأنني ذاهب الى مدينة الملاهي وكانت تمسك بيدي وبيدها الآخرى تمسك بسلة بلاستيكية مشبكة اذكر لونها الأخضر واسير بجانبها وتلتقي بالنسوة الآخريات ومعهن اطفالهن ايضا ويسرن معا نحو ذلك السوق الكبير الذي كنت اعتقده سوقا وارى طوابيرا ممتده على عدد من الشبابيك المغلقة بأحكام عدا عن فتحة مربعة يسمح من خلالها باخراج المواد ، ونقف بالطابور واحيانا اترك يدها واذهب والهوا مع اطفال بمثل عمري واحيانا انظر الى هذا التجمع الكبير من النسوة يتحادثن وعلى وجوههن كل ألم وقهر وفي عيونهن كل تحد وجبروت ، وانظر الى الساحة فاذا فيها كثيرا من العربات الخشبية التي تجرها الأحصنة وفيها ايضا عددا كبيرا من الحمير ويتدلى عن ظهرها اشولة من الطرفين ، ويطول الأنتظار فاراقب الشبابيك عندما تقف النسوة عليها فيصيح الموظزف بالداخل بصوت عال ومنفر اين الكرت فتعطيه اياه بخوف ووجل فيبدأ الموظف الجلف بتكديس اكياس ومعلبات واكياس سكر واحيانا تكون مكعبات سكر افرح فيها واكياس حليب صغيرة ورائحتها كريهة وقناني من الزيت الذي لم يكن له لون الزيت اساسا ويخرجون كيسا من الطحين ومواد اخرى لا اذكرها فتبدأ امي بتعبئة سلتها البلاستيكية الخضراء بالمعلبات وقناني الزيت وما تستطيع ان تضعه في السلة ،ومن ثم تبدأ بمفاوضة صاحب الحمار على اجرة النقل الى مكان سكننا ويبدأ ذاك بتحميل الأكياس الأخرى وافرح انا اذا اركبني على الحمار اسوة بحمولة الأكياس ، وهكذا كان الأمر يكون على سنوات وسنوات عديدة .
وما زلت اذكر الألم في وجه امي والقهر على عز كان وقد مضى بفعل خيانات وتخاذلات من العرب ، كنت اراها وهي تتسخ ملابسها بالطحين والزيت ........ كنت ارى في عيونها دمعات تأبى ان تذرفها حتى لا تطعن عزعا الذي مضى وتجعل مني رجلا يعرف معنى المعاناة ويقسوا عليها لا تقسوا عليه اي المعاناة ...........
كنت اراها هذه الأم العظيمة تفلسف هذا الأمر على انه ليس ضعفا فينا وانما خيانة وتخاذلا من اخوتنا العرب ......... كنت اسمع والدي يقول لها لن تعود تيك الأيام فتصبري فكانت تبتسم بمرارة وترد عليه ان القادم اصعب بكثير ولكنه سيكون الأجمل بما نزرعه بابنائنا ............
ادركت مع مرور السنوات هذه الطفولة التي سرقت مني عنوة وادركت وقتها ان هذا ليس سوقا وانما هو الذل الذي اراده لنا من تقاعسوا وخانوا وطني وباعوه بثمن بخس .........
ادركت انني ابن نكبة ونكسة وانني لاجي ء ...............
وعلمت ان هذه هي المؤن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل


.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا