الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساسة من غير سياسة

ياسر المندلاوي

2013 / 1 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


حالة الإستعصاء في العراق المأزوم شاملة وعميقة، يصعب معها الوثوق بجدوى المعالجات الجزئية،تنظيرا و/اوتدبيرا، في إصلاح ما أفسده الفاسدون من أمر البلاد والعباد في السياسة والإقتصاد ومن تبعهم بإفساد في المجالات الثقافية والإجتماعية والروحية. والعراق وفق هذا التشخيص في أزمة مجتمعية لا تجدي معها الإستجابة لمطالب مشروعة أو غير مشروعة لمتظاهرين تقطعت بهم سبل تحقيق العدالة الطائفية وفق المحاصصة المعروفة لإستحالة إمكانها إبتداءً وفق أية محاصصة بالمطلق. إن العدالة والطائفية قيمتان متنافيتان إحداها تنفي الأخرى وتبددها، في حين إن المحاصصة تنفي العدالة في سياق تأكيدها للطائفية وتجذيرها في المجتمع عبر مؤسسات دولتية وإجتماعية ودينية. وهي، علاوة على ذلك، تؤدي إما إلى الديكتاتورية أو إلى الحرب الأهلية بإعتبارهما نتائج أصيلة يتم إستحضارها بمفاعيل الحركة الذاتية للبنية الطائفية، وهي حركة خارجة عن إرادة الخطباء والواعظين ومن سار على نهجهم من المنظرين والمصلحين. وبالتالي لا يمكن الإطمئنان، بأي حال من الأحوال، إلى النتائج العرضية المؤقتة للتحاصص والمتمثلة في التوافقات والمهادنات والمساومات على إختلاف تقليعاتها في عراق اليوم، إذ أن جميع هذه النتائج الطارئة للتحاصص تحققت لبعض الوقت لا بعوامل التناغم البنيوي الداخلي والإنسجام المجتمعي وإنما بعامل التوازن الهش بين الأطراف لأسباب هي في الغالب الأعم خارجية، أقليمية ودولية، سرعان ما أطاحت هي ذاتها بهذا التوازن ولا سيما بعد الإنسحاب الأمريكي من العراق ولاحقا التغيرات العميقة في المحيطين العربي والأقليمي. وعليه فإن القراءة الصحيحة للأزمة الراهنة في العراق تستوجب تتبع الآليات المنتجة للأزمات المتتابعة وتشخيصها كما هي بعيدا عن المناورة والمداورة أو تمويه الأسباب بدواعي الحرص المزيف على وحدة النسيج الإجتماعي والسلام الأهلي.

ديكتاتوري أم طائفي
في متحف إثنوغرافي مثل العراق(وفي غيره من الدول) حيث تتعدد الإنتماءات القومية والدينية والطائفية، يصعب على المرء إدراك ما إذا كان الحاكم ديكتاتورا أو طائفيا أو الإثنين معا. ومرد الصعوبة تكمن أولا في التداخل الوظيفي بين منهج الحكم وشخص الحاكم الفرد المنتمي لقومية ودين وطائفة. و تكمن ثانيا في تعاقب الظهور والضمور بين الديكتاتوري والطائفي بمعنى أن تكون ديكتاتورية الحاكم سافرة وطائفيته مضمرة أو العكس. و تكمن ثالثا في قدرة الطائفية على إنتاج الديكتاتورية بإعتبارها إحدى النتيجيتين الحتميتين للطائفية: حتمية الديكتاتورية أو حتمية الحرب الأهلية. وتكمن رابعا في خاصية إنكفاء الديكتاتورية، في لحظة تأريخية محددة، إلى طائفية سافرة لإنقاذ ديكتاتورية متهالكة.
إن الإقرار بصعوبة المسألة لا يعني إستحالة معرفتها وتحليل عناصرها المتداخلة ومن ثم تبيان بواعث إختلافات الرأي فيما إذا كان الحاكم ديكتاتوراً فحسب، أم إنه طائفي وحسب، وكذا إن كان طائفيا في هيئة ديكتاتور أو كان ديكتاتورا في هيئة طائفية. ولعل أقرب الأمثلة على هذا الإختلاف في ماهية الحكم والحاكم مثال حكم (الأسدين)، الأسد الأب و الأسد الإبن في سوريا، ومثال حكم (أبو الليثين) في العراق. والمؤكد إننا على موعد مع إختلاف مماثل حول ماهية حكم دولة رئيس الوزراء (أبو إسراء) المتهم بالديكتاتورية من الشركاء وبالطائفية من الأعداء.
ففي كل من سوريا والعراق مجموعة من الهويات الفرعية حافضت على قدر كبير من تميزها في إطار الهوية الوطنية العامة، أو لنقل بصيغة أدق إن الهوية الوطنية في البلدين أقرب إلى التشكيل وتجميع الكتل منها إلى التركيب البنيوي العضوي، ولعل من علامات فشل الدولة الوطنية الحديثة في البلدين إخفاقها في التحول من دولة المكونات إلى دولة المواطنة والنتيجة هو هذا الإبتلاء بالديكتاتوريات المتعاقبة والطائفيات المتوثبة للبطش بالبشر والحجر. ففي دولة المكونات يقبع سعي حثيث لكل مكون من المكونات نحو السيادة بغض النظر عن النسبة العددية للمكون إلى مجموع السكان، الأمر الذي يتم توظيفه من جانب الأقليات السياسية للإستئثار بالسلطة أولا وبالدولة لاحقا في توطئة لقيام الحكم الديكتاتوري في أبشع صوره. والمثال السوري في هذا المقام سيعيننا كثيرا في فهم الآليات التي جلبت الخراب إلى العراق قبل وبعد الإحتلال الأمريكي لإعتقادنا بوجود، فضلا عن المتشابهات، علاقة من نوع خاص بين ما جرى ويجري في سوريا مع ما جرى ويجري في العراق. لذا سنتناول هذا المثال بإختصار شديد توطئة للخوض في تفاصيل الشأن العراقي.
1- الحكم الأسدي
العلويون في سوريا مكون مجتمعي بعنوان طائفة، نسبتهم العددية لا تتجاوز 17% من السكان، وهم بذلك في عداد المكونات الموصوفة بالأقلية ما دامت الدولة ليست دولة مواطنة، وبالتالي فإن تحقيق سيادة هذا المكون إعتمادا على الهوية العلوية الطائفية ينطوي على إستحالة الإمكان. لذا تم الإهتداء إلى هوية أخرى يشترك بها المكون العلوي مع غالبية السكان ليكون جزءً من الأكثرية، وحركته للسيادة جزءً من حركة تصحيح أوضاع الأكثرية ليس إلا. فكانت الهوية القومية هي المشترك الذي يسمح بولوج السيادة وتحويلها من سكة الإستحالة إلى سكة الإمكان، والأحزاب القومية ولاسيما حزب البعث أداة الشروع في مشروع السيادة بإنضمام العديد من الناشطين العلويين مدنيين وعسكريين إلى حزب البعث وكان من بين العسكريين صلاح جديد من جبلة وحافظ الأسد من قرداحة. وسرعان ما بادر الإثنان مع آخرين إلى تشكيل اللجنة العسكرية التي قادت لاحقا إنقلاب 8 آذار 1963 لتبدأ مرحلة السيطرة على المؤسسة العسكرية بتسريح الضباط غير الموالين للبعث من (إنفصاليين) وإشتراكيين وناصريين ليلحق بهم الحريريون نسبة إلى اللواء الحموي زياد الحريري (أغلبهم من السنة). وتمت الإستعاضة عن هؤلاء بضباط من الطائفة العلوية. بعد إحكام السيطرة على المؤسسة العسكرية تشكل تحالف داخل اللجنة العسكرية عرف بتحالف عدس أي علوي-درزي-إسماعيلي لعب دورا مهما في سيطرة اللجنة العسكرية على حزب البعث بإنقلاب 23 فبراير 1966 والإطاحة بعفلق(مسيحي) وأمين الحافظ(سني)، ليتبعهما كل من سليم حاطوم(درزي) وعبد الكريم الجندي(إسماعيلي، قيل إنه مات منتحرا) لتكون السيطرة المطلقة للكتلة العلوية في الحزب والجيش والدولة على يد الثنائي صلاح جديد وحافظ الأسد. وبعد أقل من أربع سنوات أطاح العلوي حافظ الأسد قرداحة بالعلوي صلاح جديد جبلة في الحركة التي أسماها تصحيحية وتحولت السلطة من الثنائية إلى الواحدية الديكتاتورية بركائز عائلية وقبلية تسندها حفنة من التابعين من مختلف الطوائف والأعراق ليستقر الأمر بعد ذلك بتوريث السلطة والدولة والوطن والقومية من الأب إلى الإبن الذي ما إنفك يجاهد في سبيل الحفاظ على إرثه من أبيه ولسان حاله يقول الأسد أو نحرق البلد بسنته وعلوييه.
من الواضح إن تركز سلطة القرار وإستقرارها في يد حاكم فرد إستنادا إلى شبكة العلاقات العائلية والعشائرية والطائفية هو الذي أوحى للكثيرين بأن النظام في سوريا علوي طائفي لا يمكن نفيه إلا بإستحضار الدواء من صنف الداء، أي بالطائفية السنية المقابلة للطائفية العلوية. ولو قدر لهذا الدواء أن يسري في شرايين الدولة السورية والمجتمع السوري لأصبحنا في دوامة إعادة إنتاج الديكتاتورية بالطبعة السنية بدل الطبعة العلوية الراهنة ولن تكون تلك ديكتاتورية سنية مثلما ليست هذه علوية. إن الأنظمة الديكتاتورية شأنها شأن الأنظمة الديمقراطية عابرة للقوميات والأديان والطوائف مع فارق جوهري، الأولى تقوم على مبدأ السيادة بالقمع والثانية تقوم على مبدأ المواطنة بالنفع. إن الديكتاتورية في مرحلة الصعود تستعين بكل ما يقع في متناولها من أجل إزاحة العقبات من الطريق، وما القومية والدين والطائفة سوى أدواة في سياق تدعيم ركائز النظام الديكتاتوري، بتعبير آخر إن الهدف هو ديكتاتورية النظام لا أدواتها والإنتقال من أداة إلى أخرى تحكمها الظروف الأقتصادية والإجتماعية والسياسية في كل لحظة من لحظات الصراع نحو الهدف.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جهود مصرية لتحقيق الهدنة ووقف التصعيد في رفح الفلسطينية | #م


.. فصائل فلسطينية تؤكد رفضها لفرض أي وصاية على معبر رفح




.. دمار واسع في أغلب مدن غزة بعد 7 أشهر من الحرب


.. مخصصة لغوث أهالي غزة.. إبحار سفينة تركية قطرية من ميناء مرسي




.. الجيش الإسرائيلي يستهدف الطوابق العلوية للمباني السكنية بمدي