الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بهيه

أحمد أمين نصر

2013 / 1 / 24
الادب والفن




المشهد الأول ؛............
بهيه ، بهيه، بهيه........
صرخت الأم منادية علي إبنتها ، فإرتعشت جدران المنزل و كأنها خائفة أن تعيد أي صدي لندائها، خجلا من دموع أم ملهوفة .
إرتعدت و صرخت مرة أخري ثم إندفعت فاتحة باب الغرفة الكبري و تسبقها دموعها متوسلة للسرير و الوسادة و الأغطية المهجوره أن تبوح بسر إختفائها. لم يبقي شيء حتي فستان زفافها فأخذت تحاكي كل ركن و حائط و فتحت النافذتين علْ نور الصباح يغشي الليل و إظلامه فيظهر الحق و يعود الغائب.
إلتهبت العروق في وجهها و إختلطت دموعها بدماء سالت من فمها، و صاحت للمرة الثالثه مخاطبة السماء راجية من الله عودة بهيه.
أمسا كان عرسهما، و ظهرت بهيه زهرة من جنة السماء في جمال القمر عند تمامه، و تلئلئت و حولها فستانها الأبيض حينما إحتضنها أيوب وقبلها أمام أعين أولاد الحاره و فرح دموعهم، و سارا الإثنين معا من رأس الحاره و يفسح لهما الناس الذين تجمعوا من كل شوارع المدينه و الحاره القديمه، حتي وصلا إلي قلب الملايين من البشر فحملوهما و طافو بهما حول الأهراملت الثلاثه ، و عرفوا سكتهم ناحية الجامع الكبيرفصلوا صلاة الحاجه في يوم الجمعه وأمن علي دعائهم من وقفوا بالباب ، ثم إنطلقوا رافعين العروسين ، داعين الله بالمولود و رزقه حتي وصلوا جميعا الي باب الحاره مهللين و مستبشرين حيث ظهر نور الغرفه الكبيره علي إستحياء في بيت أم بهيه التي تقدمت لتهمس في أذنها بأنها حفظت لها كثيرا من الماء لزوم الفرح و البهجه، ثم إحتضنتها و قبلتها و دعت لها و صافحت أيوب و سلمته كيسا به حبات القمح ليزرع في الصباح سنبلة عن كل قُبلةٍ في الليل، ثم همست قائلة نلتقي عند صلاة الفجر بالجامع الكبير.
خرج عم حزين جامع الكتب القديمه من دكانه فحياه الجميع ثم ساد الصمت و نظروا إلي بهيه التي إعتدلت في وقفتها و أمسكت بيد أيوب ثم تناولت لفافة من صدرها ، و أخذت تفتحها في رقة و حرص واضحين، ثم بدأت في قرائة كلمات أيوب ؛ أشهد ، أقسم ، حبا و حياة، قبلات و سنابل قمح ،صبيان و بنات، خبز و كرامه، وطن و عداله و توالت الحروف و تداعت الصور، فكانت بهيه في القلب بهية، فقبلت أيوب ، و إحتضنته ثم سلمت الكلمات لجامع الكتب الذي أخذها إلي دكانه و وضعها في خزانته ليقرأها أطفال المدينة و الحارة القديمة حينما يأتي الصباح.
حملها أيوب بين يديه كطائر يهم أن يحلق بجناحيه و كطفل يقترب من ثدي أمه بيديه، فخجلت و إحمرت وجنتيها وسالت في نشوة دموع عينيها، و أخذ يجري بها حتي وصلا الغرفه الكبيره فظلت أمها للبيت حارسة و لكل كتب الله حاملة، تتمتم بأيات من هذا و تراتيل من ذاك .
غاب جهاد ، فإختلطت دموع فرحها بدقات حزينة من قلبها لإبن رفض حضن أمه و تجاهل أحلام أخته ليرغمها علي الزواج من صديقه العمدة، إستوت فرحتها ثم رجت له من الله كل خير، و بللت الدموع وجهها و باتت تحلم بليلة يصحو فيها أحلي نهار.
إطمئن البشر، و رفعوا أزهار الحارة تيجانا فوق جبينهم، و كتبوا بهية أعلاما علي صدورهم، و صاحوا بهيه نشيدا من قلوبهم ، بهية من السماء عطيه بعد طول عناء و أمنيه...
رقصوا للحياة و الأمل و أخذوا يضحكون حتي الثماله، و غنوا جميعا كلمات أيوب ، يصيحون، يتكلمون، يهمسون بهيه ، بهيه، بهيه، بهيه......................

المشهد الثاني ؛..........
إندفعت الأم خارجة من الباب منادية علي بهيه أمام كل الجيران، و إحتار أبناء الحاره فإنطلقوا حولها و دموعهم إجابة لندائها، و صمتهم خجلا من أحزان قلبها.
وقف عم حزين يغطيه دخان الحريق سوادا طال كل شيئ و عيناه باكيتان إلي السماء رافعا زراعيه و قابضا يديه ثم إنتفض صائحا “ أماه، أماه، أماه” مناولا إياها اللفافة ، “إحفظوا كلمات أيوب فقد حرقوا كل الكتب القديمه، إمسكوا كل حروفها مفتاحا لقلب بهيه”......
تسللوا ليلا إلي الجامع الكبير ، أشاعوا الفوضي و هاجت الحمير فداست رقاب الطيبين وإختلط الأمر علي الناس فجري بعضهم ناحية الحاره القديمه حينما ظهر العمده و أحس الناس بالخديعه. اسرع أيوب إلي جلبابه و جرت وراءه بهيه ثم ألقت علي جسدها فستان زفافها. تسابق الجميع، مهللين، منشدين، صائحين، وحينما وصلوا ذأر أيوب و تقدم نحو المنبر و معه بهيه و أخذ يؤذن بأن الصلاة جامعه.
وقف العمدة و بدأ الحديث عن بهية مما أغاظ الناس الذين تدافعوا جميعا نحو المنبر و لم يفلح الجنود في حمايته فسقط في أيدي البشر فأرغموه علي تسليم مفاتيح المدينة للجنود الذين أهدوها لجهاد أمام أعينهم، فهدأت حناجرهم و سكنوا فإنتفض أيوب رافضا صائحا “ خرائط المدينة,آسرار الحارة، من زهب و من جاء، إحموا مدينتنا بأنفسكم، بالصبية الصغار و أحلام الكبار” وإندفعت بهيه تحتضنه حينما رأت الشر في عيون جهاد.
زاد الهلع و غاب الأمان وإختلف الناس و فجأة طالت الحريق مقدمة الجامع فجري البعض لإخمادها، و خرج الأخرون وسط ألسنة النيران التي إمتدت إلي مدرسة الفنون و مصنع الورق.أخذ الناس يجرون من هنا و من هناك، يمسكون الخراطيم و المواعين، رافعين الماء من يد إلي يد، في صف يبدأ من خزان الماء لينتهي مع إطفاء الحريق، و وقف الصغار بأبواب مساكنهم حماية من إنتشار اللصوص.
تنقل أيوب و بهيه بين مجموعات الناس فتارة يساعد في الإطفاء، و أخري يجد الماء و مرة يطمئن طفلا يبكي بحثا عن أمه، و أخري ينظم الناس حينما يدب الخلاف.
إصطف الناس وزادت عزائمهم وصبروا علي الحريق حتي أخر قطرة ماء بخزانات المدينة ، فتقدم أيوب نحو النهر و بدأ يحمل مياهه وإذا برصاصة تغدر بقلبه، فيندفع شلالا من دماءه إلي صدر بهيه التي تضمه إليها ليلتحما مرة أخري ، فأخذ يتحسس جسدها حتي إستقرت يداه علي بطنها.
“ أماه، أماه، أماه “ صاحت بهيه و حملت أيوب ثم سارت ناحية الحارة القديمه و تبعها الناس و حولهم دخان الحريق و تجمعهم دموعهم علي حزن صامت.

المشهد قبل الأخير؛..........
بالحارة القديمه، علي أرض الجنينه ، في ركن الأطفال ، خلف الأرجوحة الوحيده ، تضع بهيه أيوب، ثم تحفر في طينها و تقبل يديه و عينيه ثم تواريه الأرض.
تأتي بسبع حبات من القمح في التراب حول رأسه ثم تناولها أمها ماجمعته من المياه في ليلتها فتقف شامخة ، مرفوعة الرأس، نصف عارية و فستانها أحمر حول صدرها بدماء أيوب، أبيض حول بطنها كحين دخلتها، أسود الذيل بالحريق، تداعب سنابلها السبعه بأحضان من الماء، و تغني لأطفال الحاره كلمات أيوب.


الطبيب غير الفصيح
د/ أحمد محمد أمين نصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?صابة الفنان جلال الذكي في حادث سير


.. العربية ويكند |انطلاق النسخة الأولى من مهرجان نيويورك لأفلام




.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي