الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلاغة التفاصيل في رواية - الذرة الرفيعة الحمراء -

هويدا صالح

2013 / 1 / 24
الادب والفن



بعد فوز الروائي الصيني مو يان بجائزة نوبل للآداب لعام 2012 عن روايته " الذرة الرفيعة الحمراء " قام الأكاديمي حسنين فهمي حسين بترجمتها للعربية، وقد صدرت عن المركز القومي للترجمة، ليتعرف القارئ العربي لأول مرة على عالم روائي يقدم لنا خطابا ثقافيا جديدا ومختلفا في قالب جمالي وفني محكم. ويأتي الاختلاف والتمايز من خلال التعرف على أدب الشرق الصيني بعد أن اقتصرت ترجماتنا على الرواية الأوربية واللاتينية.
تحكي رواية " الذرة الرفيعة الحمراء" تحكي قصة عائلة صينية ريفية تمتلك فرنا لصناعة النبيذ في قرية دونغ بيي بمقاطعة شان دونغ شمال شرق الصين. ينضم جد سارد الرواية ، الطفل الذي يتذكر الأحداث إلى عصابات قطاع الطرق التي ناضلت عبر حرب الشوارع المحتل الياباني.تعمد الرواية إلى تقديم تاريخ حرب المقاومة من خلال قصص يو جان آو ، زعيم عصابة قطاع الكرق ، وحكاياته ومغامراته المثيرة. يمتد زمن الرواية عبر ثلاثة أجيال ، هي رواية أسطورة أسرة صينية .. تصور أحداث الرعب المذهلة ضد الغزاة اليابانيين ، هي رواية الخرافة والأسطورة . يبدأ زمن الرواية من منتصف الثلاثينات ، وحتى عام 1945.
الراوي أو السارد شاب يحكي قصص والده، وجده، وقطاع الطرق الذين قادوا هذه المقاومة بجوار الجيش الشويعي الصيني. لكنها ليست رواية الحرب والمقاومة فقط ، بل هي رواية عن الحب والعشق. يستعيد الطفل حكايات عن العائلة والقرية، وما أحاط بعالمهم من أساطير، وحكايات عجائبية .
كانت ذاكرة الكاتب حية وممسكة بالتفاصيل، ما بين لحظة التذكر لأحداث بعيدة أو قريبة عبر الفلاش باك، لينسج في النهاية ملحمة كبيرة وخالدة، فقد كتب مويان ما لم تكتبه كتب التاريخ ، أرّخ للمهمشين ، وحاول أسطرتهم.
لكن يتناوب السرد مع السارد الطفل سارد آخر هو الأب ، فثمة أحداث لم يرها الصغير ، لكنه يعطي مقاليد السرد للأب لكي يحكي له ما لم ير من تفاصيل وحيوات، وهنا يستعين الكاتب بذاكرة الأب أيضا . في الحقيقة ثمة ذاكرات عدة تتناوب السرد ، وتنثال منها الحكايات الصغيرة والأساطير والذكريات:" عندما حاصرت القوات اليابانية القرية كنت في الخامسة عشرة من العمر ، وكان جدك وجدتك لأمك قد أودعاني وخالك الصغير في بطن البئر، ولم نرهما بعد تلك اللحظة إلى الأبد .كنت قد عرفت بعد ذلك أنهما قتلا في صباح ذلك اليوم الذي تركانا فيه في بطن البئر"
استطاع الكاتب عبر هذه الملحمة التي تقف على تخوم الأسطورة، والواقع، واقع القرية وأسطرته،أن يرسم لنا صورة مقربة لعادات الصينيين و تقاليدهم وممارساتهم الغرائبية، ولم يقف الأمر عند الإنسان بتفاصيله، بل حتى النبات والطيور والحيوانات، فالذرة التي هي البطل في الرواية تشير إلى أهمية التفاصيل التي يحرص عليها الكاتب.
ظل الكاتب طوال هذا النص الطويل الذي امتد لأكثر من ستمائة صفحة محافظا على ذاكرة الطفولة الطازجة التي تمسك بخيوط التفاصيل، ليصور حياة تلك القرية الصغيرة التي أراد مو يان أن يكتب لها الخلود. صنع نصا محكما يعبر عن وعي سياسي وأيديولجي يدرك خصوصية الهوية الصينية التي جاءت واضحة بقوة وراء كثير من مشاهد الرواية.
عرف الكاتب كيف يرصد الحياة من جيل إلى آخر في نفس المكان الذي ينتمي إليه إلى اليوم، فقد كتب ما هو اجتماعي وسياسي في شكل جمالي وبناء درامي محكم، فقد اعتمد الكاتب السرد بضمير الأنا، وأحدث تماهيا بين المؤلف والسارد، وجاء التماهي منذ الإهداء الأول في الرواية، حيث أهدى روايته للمهمشين والمظلومين وعدهم أبطالا وتمنى أن يقطع قلبه ويوزعه على حقول الذرة الرفيعة الحمراء التي أصبحت رمزا لوجودهم وتموضعهم في الأمة الصينية :" إلى هؤلاء الأبطال المظلومين الذين ترفرف أرواحهم وسط حقول الذرة الرفيعة في مسقط رأسي؛ فأنا لست حفيدا بارا لكم جميعا ، وكم أود لو أنتزع قلبي الذي تشرب بزيت الصويا ، وأقطعه إربا إربا ، وأضعه في ثلاثة أوان، وأوزعه على حقول الذرة الرفيعة ، تكريما لكم أيها الأبطال ! تكريما لكم أيها الأبطال " .
إذن يرى الكاتب أنه مقصر في حق أبطال طفولته وشبابه ،فيقرر أن يأتي بهم جميعا في فضاء سرده ليعيد لهم اعتبارهم عبر السرد. لم يكن وفيا فقط للمهمشين القرويين ، بل كان منحازا ايضا لتفاصيلهم وثقافتهم، فقد استطاع أن ينقل الثقافة المحلية.
عاش سارد الرواية معاناة بين الجوع والوحدة والحرب مثلما عانى كل أهل شمال شرق الصين بعامة وقريته التي تقع في مدينة قاو مي بصفة خاصة، وهذا ما جعل الكاتب يشعر بالمسؤولية تجاه أهل قريته كما أشرنا في الإهداء الذي صدرت به الرواية.
تدور حبكة الرواية حول الحرب، في وصف واقعي يصل إلى حد العنف لما مرت به بلاده، على امتداد تاريخ طويل يصل إلى الماضي القريب، واختار أن يجسد من خلالها الواقع الذي يؤرخ للحياة في المجتمع الريفي الذي ينتمي إليه. وتتميز رؤية الكاتب للعالم أو الخطاب الثقافي الذي يكمن وراء هذا النص السردي الطويل بالنظرة الفلسفية التأملية التي حاول من خلالها أن يغوص في داخل شخوصه ،ليصل إلى جوهر الحياة الإنسانية، والكشف عن مزايا ومسالب النفس البشرية .
يكشف مو يان من خلال النص عن سعيه في أن يعيش مهمشو وفقراء وطنه حياة آمنة ومستقرة وفيها عدالة اجتماعية ومساواة، حيث يهتم بتمجيد الحياة والبقاء لمناهضة التقاليد القديمة البالية، والنموذج السياسي الحالي الذي يتسم بالقهر والظلم للنفس البشرية، وربما هذا ما دفعه إلى استخدام الرمز والأسطورة والغرائبية هروبا من منع السلطة السياسية لأدبه، فمزج ما هو واقعي بما هو خيالي غرائبي يمكنه من التنصل من مواجهة السلطة التي ربما تدينه ، لأنه يعري ويكشف المسكوت عنه في بلده.
الزمن في الرواية هو زمن استراجعي ، لكنه يفيد أيضا من الزمن الاستباقي حيث يشير عبر السرد إلى أحداث سوف تقع مستقبلا .
كذلك اللغة التي استخدمها الكاتب ـ حسبما أشار المترجم ـ هي أقرب للغة المحلية التي تخص أمثر ما تخص شمال شرق الصين ، وربما يمكن قراءة هذا الانحياز للغة محلية غير مطروقة أنه ينحاز إلى التركيز على خصوصية هذا العالم الذي يقدمه لنا. وقد وصف المترجم اللغة بأنها :" لغة محلية شاعرية جميلة ".
وفي الحقيقة شعرية الرواية لا تكمن فقط في شعرية اللغة ، بل تكمن أكثر في شعرية التفاصيل التي هي رغم كثرتها لم تفلت القارئ ولم تشعره بالملل .
يعتبر مو يان من رواد تيار " البحث عن الجذور " ، وهو تيار أدبي ـ بحسب المترجم ـ ظهر في الساحة الصينية في في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ، حيث عمد كتاب هذا التيار إلى كتابة الموضوعات التي تتعلق بالوعي بالقومية الصينية ، تكريسا للهوية الخاصة بالأمة الصينية .
استطاع مو يان أن يفيد من ميراث السرد الصيني ، لكنه أفاد كذلك من النظريات الأدبية الغربية، وخاصة مذهب الواقعية السحرية التي قارنه المترجم فيها بالكاتب اللاتيني غابريل جارثيا ماركيز ، وكذلك قارنه بالروائي المصري خيري شلبي.
الجدير بالذكر أن هذا النص الذي يترجم للعربية لأول مرة كان قد تحول إلى فيلم سينمائي بعنوان " الذرة البيضاء الحمراء" وهو الفيلم الذي أحرز في أعقاب مهرجان برلين السينمائي عام ألفين وثمانية جائزة " الدب الذهبي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نابر سعودية وخليجية وعربية كرمت الأمير الشاعر بدر بن عبد الم


.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24




.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو