الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحديّة القاتلة , وغياب العقل

ياسر محمد أسكيف

2013 / 1 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الحديّة القاتلة , وغياب العقل
ياسر محمد اسكيف
أخيرا ً يجب دفن قميص " عثمان " وانتزاع مسمار " جحا " للخلاص من متاهة " البادئ أظلم " كمواجهة للذرائعية التي باتت تغيّب كلّ عقلانية وموضوعيّة في تشخيص الحال السوري اليوم .
لقد كانت السلطة هي البادئة في الاعتداء . ولأنها كذلك تحوّل هذا البدء إلى قميص " عثمان " , وباتت الثأرية عنوانا ً لكل ممارسة , وصارت " الغاية تبرّر الوسيلة " حصانة حتى لما هو غير أخلاقي , وغير إنساني . وبدأت الحديّة التي تأسست على الممارسة القمعية للسلطة تدفع باتجاه نوع من البربرية التي تسم الجميع , بعيدا ً عن أي تفكير عقلاني . وكأنما السوريين باتوا حقيقة طرفين متمايزين امتلك كلّ منهما ما يكفي من التجانس ليغدو تعريفا ً .
ان الحديّة التي بدأت تمارس على الأرض بين ( المُعارضات ) السورية , والسلطة , قد أفرزت , أو أنتجت , مكافئها السياسي والثقافي , هذا المكافئ الذي لا يقلّ وحشيّة وفتكا ً . فالسلطة , من جهتها , تعتبر كلّ من يعترض على سياساتها ورؤيتها لحلّ الصراع هو هدف مشروع للملاحقة , والاعتقال , وربّما القتل . و ( المعارضات ) من جهتها تجد كلّ منها في وجهة النظر التي تتبناها منتهى البصيرة والمعرفة , وتجد في سلوكها السياسي منتهى الحنكة والتدبير , وتجد في الوقت ذاته بأن كلّ من لا يبصم بالعشرة على صحّة ممارستها , كما على وجهة نظرها , واحد من إثنين : إما عميل للسلطة , أو متآمر على ( الثورة ).
وهكذا يجد الصوت , الذي يصدر عن محاولة تستحضر العقل في قراءة الصراع الدموي الدائر , صعوبة بالغة في الوصول إلى هدفه , نتيجة الإقصاء والشك والتخوين . وهنا يتبدى الجوهر المشترك لآليات التفكير عند طرفي الصراع في سوريا . والإقصاء الأهم هنا هو الناتج التلقائي على شكل غياب لصوت العقل , ولعدم صحّة ما يمكن تسميته طرفا ًثالثا يتمايز كوجهة نظر فاعلة , إذ أن تمايزا ً كهذا شبه مستحيل في لحظة الصدام الدامية , لأن صوت العقل يقع في مساحة التقاطع , وليس في مساحته الخاصة التي يمكن اعتبارها حيازة نهائية الحدود . وهنا لا بدّ من التنويه إلى أن الحديّة المقصودة والموصوفة قد غيّرت , بلاعقلانيتها , شروط الاصطفاف وقواعد الاجتماع , بحيث باتت المعارضة والموالاة مكانين لا انتماءين . وباتت المشكلة في مكانية الاصطفاف انها تعيد انتاج ذهنيّة ( من ليس معي فهو ضدي ) التي تعيد هي الأخرى انتاج ( الكلّ في الواحد ) أو ( الواحد الذي يتعرّف الكل به ) أي الطاغية .
قد تكون الكيفيات , بما لها من خصائص إجرائية , هي الكاشف الأهم للحديّة الغاشمة التي قد تستعصي في انكشافها على المواقف والآراء , وذلك لما تمتلكه هذه الأخيرة من إمكانية التحوّل والتبدل . ودوما ً نرى قرارات الإدانة , كما بطاقات الثناء والشكر , تأتي بعد إعلان الكيفية في الوصول إلى تحقيق الهدف . ف(المعارضات ) السورية متفقة جميعها , على أن السلطة السورية بتركيبتها الحالية يجب أن تكون من اختصاص الفعل الماضي , لا الحاضر , أو المستقبل . وأن تغييرا ً عميقا ً في بنية المجتمع والدولة أمر لا نقاش فيه . وحينما يصل الأمر إلى طرح الكيفيات تبدأ صكوك البراءة وقرارات الاتهام سيّدة المشهد .
وهنا أجد بأنه على الديموقراطيين السوريين أن ينتبهوا إلى أن مجريات الصراع قد جعلتهم , من حيث لا يدركون , أولئك العقلانيين المقصيين على هامش الفعل , وذلك لقبولهم بنهائية الشكل الذي وصل إليه الصراع . وباتت الثورة التي كانوا يحلمون بها مجرّد صراع دام بين قوّتين طاغيتين . وبات العالم كله , بما فيه طيف واسع من المعارضة الديموقراطية , وكأنه قد نسي الأهذاف الحقيقية التي تحرّك الشعب السوري من أجلها , مؤججا ً للصراع , بانتظار المنتصر الذي سيدفع الفاتورة . وفي الحالة السورية سيدفعها الخاسر , الذي لم يكن طرفا ً , وهو الشعب السوري .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون الموريتانيون يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد • ف


.. سكان بلدات لبنانية تتعرض للقصف الإسرائيلي يروون شهادتهم | #م




.. أمريكا ترسل 14 ألف قنبلة زنة ألفي رطل لإسرائيل منذ السابع من


.. هل ستتجه إيران لجولة انتخابية ثانية؟




.. شركة بيانات: مشاهدات مناظرة بايدن وترمب أقل من المتوقع بكثير