الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب الديني من جيفارا إلى راسبوتين

مجاهد عبدالمتعالي
كاتب وباحث

(Mujahid Abdulmotaaly)

2013 / 1 / 25
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الخطاب الديني الصرف، خطاب عادي وغير مؤثر على الجماهير، ولا يتميز بأي فاعلية أيديولوجية أو تأثير اجتماعي، ويمكننا التنبه لهذه الحقيقة من خلال السؤال: لماذا اكتسح الفكر اليساري الشارع العربي في الخمسينات والستينات بينما فشل الإسلاميون في ذلك؟ وهل الجماهير غير الجماهير؟ والناس غير الناس آنذاك؟
يوجد هناك قواعد أساسية لأي خطاب جماهيري من أمسك بها أمسك بزمام الجماهير، وهي ذات أبعاد (مادية تاريخية إنسانية صرفة) ذات أركان سياسية واجتماعية واقتصادية، فمن يحرك هذه الأبعاد ستستجيب له الجماهير سواء لبس قبعة جيفارا أو ثوب راسبوتين، ولنتناولها بالتفصيل
أولا البعد السياسي: فالإنسان بوضعه الطبيعي غير المؤدلج متململ من الهيمنة والتسلط والظلم والاستبداد، وخضوعه الطبيعي لأي سلطة سيكون قائماً على المنفعة المتبادلة لا على العبودية.
ثانياً البعد الاجتماعي: رابط الفرد بمجتمعه يعتمد على التعبئة ضد الآخر بتاريخ أسطوري خاص، يجعله يشعر بالتميز عن باقي التجمعات الإنسانية الأخرى، وهذا يعطيه العصبية اللازمة في فترات الخوف بوجهيه الخارجي (العدو الخارجي) والداخلي (انقسام المجتمع وتفتته) والعدو الخارجي أيام (جيفارا العربي) كان إسرائيل وأمريكا ومن تحالف معها، أما العدو الخارجي أيامنا هذه أيام (راسبوتين العربي) فهو الاتحاد السوفياتي سابقاً وتدعمه في ذلك أمريكا!!!، ثم أمريكا، ثم الشيعة بالنسبة لراسبوتين صاحب العمامة البيضاء، والعكس بالنسبة لراسبوتين صاحب العمامة السوداء ثم المسيحيين العرب، ثم الأقليات الأخرى العرقية والطائفية، ولا نعلم عن راسبوتين العربي إلى أين يريد المسير وقد اختفت إسرائيل من خارطة اهتمامه حسبما يظهر، مع الفرق طبعاً في مستوى التقدمية والحرص عليها لصالح جيفارا العربي، الذي نعذره فقد اهترئت حتى قبعته منذ أربعة عقود وأكثر.
ثالثاً البعد الاقتصادي: الإنسان يكره السحق الطبقي تحت مفاهيم رأسمالية، وهذه الطبيعة موجودة في كل الثقافات منذ القدم، ولهذا فالمجتمعات تفرز ممانعتها الخاصة بما يتناسب وعصرها، ولهذا نجد في تراث ما قبل الإسلام عروة بن الورد كصعلوك ثائر يأخذ من الأغنياء ليعطي الفقراء، وبعد الإسلام الصحابي أبي ذر الغفاري ـ الذي عاش بين الصحابة، وسبب نفيه أنه لمس البعد الاقتصادي في خطابه، أكثر من كونه خطاباً دينياً بين فئة تملك شرعيتها الدينية أكثر منه، كالصحابة القرشية وأبناءها في المدينة ـ وحتى في تراث الانجليز كان هناك روبن هود، ولهذا فالمسألة إنسانية عامة وليست خاصة بدين أو عرق أو زمن معين.
وعلى هذه الأسس الثلاثة نستطيع أن نكتشف أسرار الثورات والتمزقات في التاريخ العربي من (حلف الفضول) مروراً بمقتل عثمان، وثورة العباسيين، وسقوط الدولة العثمانية، وثورة الخمسينات، حتى الإجابة على سؤال: لماذا يستجيب بعض المسلمين الغربيين للخطاب الديني المتطرف، الأنه يحرك في داخلهم نوازع الترافع ضد إحدى هذه النقائض الثلاث التي يعيشونها في مجتمعاتهم؟!!.
ولهذا فلا نستغرب عندما نعرف أن الخطاب الديني لا يمكن أن يكون مؤثراً أبداً، ما لم يتلبس هذه المعطيات المادية التاريخية التي عمل عليها اليسار من قبل، ولهذا نستطيع الإجابة على من يسأل: لماذا يستجيب الناس للخطاب الجماهيري الديني العام أكثر من استجابتهم للفتوى المستندة للأدلة الشرعية والتي تصدر مثلاً بتحريم اللاقط الفضائي/الدش، لأن الخطاب الجماهيري الديني يلمس في داخلهم إحدى النوازع الثلاث ويدغدغها ويستجيب لها، فإن تخلى عن إحدى هذه الثلاث سيصبح خطاباً فارغاً من المعنى، وسيتحول إلى موضة يحرص عليها البعض لبعض الوقت، ثم تنتهي وتضمحل.
الثوابت الغربية لا تقوم على أيديولوجيا بقدر قيامها على أمرين في عالم المصالح المادية:
الثوابت السياسية: حماية إسرائيل، وقبول الامبريالية بوجهها الناعم/العولمة.
الثوابت الاقتصادية: تأمين الأسواق الاستهلاكية لبضائعه/ انضمام دول العالم الثالث شبه القسري لمنظمة التجارة العالمية، وتخصيص الاقتصاد في هذه البلاد لصالح شركاته، مع تأمين منابع النفط وأسعاره طبعاً.
يقوم راسبوتين العربي حالياً بتقسيم الإسلام إلى إسلامين، إسلام متطرف لا يعرف معنى المعاهدات ولا الأعراف الدولية (وفق الثوابت السياسية الغربية)، وإسلام حقيقي قادر على التعاطي المثالي مع الغرب (وفق الثوابت الاقتصادية الغربية)، ليتيح الغرب لراسبوتين العربي الفرصة في إثبات قدرته على صدق هذا التقسيم، ومن ثم يتفرغ الخطاب الديني من معناه، ليتحول خطابه مع الزمن إلى موضة كموضة الخطابات الناصرية التي خلبت الألباب في عزها الذهبي، والتي اتكأت على الإرث اليساري، وإلا لما استطاعت الحصول على كاريزما الخطابة.
وعليه فلن نتفاجأ براسبوتين العربي وقد تخلص من الخطاب الديني المعادي للغرب محتفظاً بزخم العداء للتيارات المعادية له من بني جلدته، لتأكل الثورة أبناءها على يد راسبوتين الذي سيكتشف خطأ إستراتيجيته في الاتكاء على الغرائز الجماهيرية، ولهذا فالثورات العربية (الربيع العربي) يحتاج إلى وقت كي ينضج دون الدخول في أخطاء جمال عبدالناصر رحمه الله عندما فصَّل في النضال العربي بين ما هو شرعي ومقبول/قومي وما هو ممنوع ومحظور/شيوعي، وليقع راسبوتين العربي في نفس الخطأ مع الغرب وتفصيلاته في هذا العصر بين الإسلام المتشدد/الإرهابي، والإسلام (الحقيقي)!!، وليعود في تهذيب خطابه ضد الثوابت الامبريالية، ليوافق المقاس الداخلي لشعبه فقط، فيقوم بتصفية هذا، ومحاسبة ذاك.
قد يسأل سائل: هل يجب أن ترمى إسرائيل في البحر؟ اليس في ذلك مزايدة؟ لا يجب أن ترمى إسرائيل في البحر، فالمحيط العربي المجاور لها، إن تجاوز أزماته الغرائزية، واصبح فوق غرائزه، لا خاضعا لها، ستنتهي مشكلته مع اسرائيل، لأن مشكلتنا معها عرض لمرضنا، وسيجد اليهود عندنا صدراً رحباً لن يجدوه في الغرب، كما وجدوه من قبل في الأندلس، لكن أفعالنا الحالية من مخرجات الضعف، ومخرجات الضعف ليست فيصلا في المسألة، وما ذُكِر عن الخطاب الديني، هو محاولة للتفكيك وليس لإعادة إنتاج خطاب تعبوي، لا يستجيب ومعطيات الواقع الذي أخضع السوفييت للبرويستريكا، واوروبا الشرقية للتفكك، ولكنه بالمقابل وحد بين شطري اليمن، وفكك السودان لإثنين، فقد بدأت الإنسانية بمفاهيمها الحديثة حول (حقوق الإنسان) تعيد إنتاج مفاهيمها حول (حق تقرير المصير)، إذ كان في السابق يدور حول التخلص من الاستعمار، أما الآن فهو أكثر تنوعاً وتعقيداً ويحتاج إلى طرح وبحث آخر.
في الختام: هل يعيد التاريخ نفسه؟ والجواب: لا... لن يعيد التاريخ نفسه حتى مع الحمقى والمغفلين، ونواة الثورة في الربيع العربي لم تكن دينية، بل كانت عارية بلا أي ثوب، وها هي تلبس ثوبها الراسبوتيني الفضفاض حسب المقاس الامبريالي، وقد تقرر قلعه من جديد حتى تكتسب خيارها الخاص ونضجها الخاص وما يؤلمني أن حركة الشعوب تقاس بالعقود، ونهضتها تقاس بالقرون، فقد أدركها ولا أدركها، والنار في بعض أوجهها نور ودفء، ولعل في نار الثورات العربية مع الرشد العربي القادم نور الأمل ودفء النهضة ما دام الانفراج السياسي موجود، حتى ولو أخرج لنا كل قيح وصديد أورام الرجعية العربية بسبب الانسداد السياسي القديم، فالحرية والعدالة والمساواة أفق إنساني يجب أن لا تكل الشعوب عن الركض إليه، واللعنة على من يقول لها: إن ذلك سراب، والأقبح منه من يزين لها واقعها المر، فالقناعة كنز البؤساء الذي لا ينفد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران