الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا نتذكّر؟ كيف نتذكّر؟

أوري أفنيري

2005 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


كان ذلك موقف مثير: سكرتير الأمم المتحد، رؤساء دول، رؤساء حكومات، وزراء ووجهاء من أربعين دولة اجتمعوا في القدس للمشاركة بافتتاح متحف الكارثة الجديد في "ياد فشيم" في القدس، وذلك بعد عدة أشهر فقط من اجتماع كبار زعماء العالم لذكرى تحرير أوشفيتس.

ابتداء بكلماته الثاقبة، كما عوّدنا، التي ألقاها يوشكه فيشر وزير الخارجية الألماني، وانتهاء بوجه إيلي فيزل المتقطب، كما عودنا هو أيضا وهو الكارثي المهني، كان ذلك بمثابة تذكير بتلك الجريمة التاريخية.

إلا أن هذا كان أيضا انتصار كبير للدبلوماسية الإسرائيلية. فقد تفاخر القائمون على وزارة الخارجية بهذا الإنجاز السياسي. لقد التقى الضيوف الأجانب بزعماء الدولة ومنحوا دعما غير مباشر ولكن واضح لسياسة أريئيل شارون.

هذا الأمر يلقي الضوء على ازدواجية معنى تخليد ذكرى الكارثة في أيامنا هذه.



أحد أبرز النازيين الذي سمع عن حجم الكارثة وهو في سجنه في نيرنبرغ فقط، قال: "سيتذكر العالم ذلك بعد ألف سنة أيضا!" لقد صدق. الكارثة جريمة لم يسبق لها مثيل.

من الصعب على الأجانب أن يفهموا، أنه من ناحيتنا نحن الإسرائيليين، أن الكارثة ليست حدثا من الماضي فقط. إنها جزء من الحاضر. مثلا: في ذلك اليوم الذي تم فيه افتتاح المتحف، عدت إلى البلاد في رحلة جوية من أوروبا. في الطائرة،لطارجوية من أوروبا حف، عدت إين، أن الكارثية للكارية. لقد الية الألماني، وانتهاء بوجه إيلي فيزل المتقطب جرى حديث بيني وبين بروفيسور إسرائيلي لم أكن أعرفه. لقد روى لي مراحل مختلفة من حياته. انتبهت إلى أنه يتخطى بعض سنوات طفولته. سألته عن السبب، فقال لي أنه كان في معسكر طرزيينشطاط، ولم يدل بتفاصيل أخرى، ولذلك لم أسأله عما حدث لأبناء عائلته.

كان معظم المعتقلين في معسكر التجميع طرزيينشطاط في تشيكيا يرسلون إلى معسكرات الإبادة. عمتي انتحرت هناك. وزوجها أرسل من هناك إلى أوشفيتس حيث اختفت آثاره. أتذكر ذلك العم الذي ضحك من والدي عندما قرر الهرب من ألمانيا عام 1933. "ماذا يمكن أن يحدث لنا هنا؟" سأله باستغراب وأضاف "ألمانيا هي دولة متحضرة!".

لا يقتصر تأثير الكارثة، كما هو معلوم، على جيل الناجين. لقد روت لي أديبة شابة ذات مرة أن والديها قدما من معسكرات الإبادة، وقالت: "لم يحدثوني في أية مرة من المرات عن ذلك، ولكن عندما كنت طفلة عرفت بأن هناك سر خطير مكتوم في البيت. سر شديد الخطورة إلى درجة يمنع السؤال عنه. هذا الأمر ملأ طفولتي بالخوف. ما زلت حتى اليوم أحس بالخوف وعدم الأمان."

نحن نسمع روايات متعلقة بالكارثة كل يوم تقريبا. لا يمكن التملص من هذه الروايات، ولا يجدر بأن أيضا أن نتملص منها. جميعنا يشعر بأن قمع ذكرى الكارثة هو بمثابة خيانة للضحايا.

والسؤال هو كــيـــف نتذكر ومــاذا نتذكر.



بعد الحرب العالمية الثانية، تحوّلت الكارثة إلى لب الإدراك اليهودي. يشعياهو ليبوفيتش، وهو الفيلسوف الذي يقيم الوصايا، قال لي ذات مرة أن الدين اليهودي قد مات منذ 200 سنة. لا يوجد ما يوحد اليهود الآن في العالم كله سوى الكارثة." هذا أمر طبيعي، لأن اليهودي يعلم أنه لو سقط بين أيدي النازيين، لكان من المحتمل أن ينهي حياته في حجرات الغاز. نحن، في فلسطين آنذاك، كنا قريبين جدا من ذلك، عندما كان فيلق روميل الأفريقي على مشارف البلاد.

لم تكن هناك أية حاجة لمؤتمر يعقده "حكماء صهيون" ليقرّوا تحويل الكارثة إلى أداة مركزية في النضال من أجل إقامة دولة إسرائيل. كان ذلك أمر مفروغ منه. لقد ادعى الصهيونيون منذ البداية أن لا حياة لليهود إلا في دولة خاصة بهم. وقد منحت الكارثة هذا الادعاء قوة هائلة.

لقد حذت باليهود في دولة إسرائيل، التي قامت ودافعت عن نفسها، إلى التطلع إلى الأمن التام. وهكذا تحولنا إلى قوة عسكرية عظمى. لا يمكن فهم إسرائيل، بأعمالها الإيجابية والسلبية، دون أن يؤخذ بالحسبان تأثير الكارثة على إدراكنا القومي والشخصي. هذا ما قاله أيضا المفكر الفلسطيني المرحوم إدوار سعيد لأبناء شعبه.

مركزيّة الكارثة في الإدراك اليهودي أدّت إلى مطالبة اليهود بالحق الحصري عليها. نحن نثور ونغضب عندما يحاولوا تذكيرنا بأن النازيين أبادوا فئات أخرى أيضا، مثل الغجر، مثيليي الجنس والمرضى النفسيين. نحن نغضب أيضا عندما يقارنون بين "كارثتنا" وإبادة شعوب إخرى: الأرمن والكمبوديون، الطوطاسيون في روندا وغيرهم. ماذا حدث؟ كيف يمكننا المقارنة؟

بالفعل كانت الكارثة حدث لم يسبق له مثيل من العديد من النواحي. لا شيء يشبه إبادة منظمة لشعب بأكمله بوسائل صناعية وبمشاركة كافة أذرع السلطة في مجتمع متحضر. من الممكن أن ستالين لم يقض على أقل ممن قضى عليهم هتلر، وربما قتل أكثر، ولكن ضحاياه كانت من كل الشعوب والفئات في الاتحاد السوفييتي. ولم يتعرضوا إلى إبادة صناعية.

إلا أن مفهوم حصرية الكارثة يؤدي، أكثر من مرة، إلى انحرافات مبالغ بها. لدينا كثيرون ممن لا تنطبق عليهم المعايير الأخلاقية المعمول بها، وذلك لأنه بعد "ما فعلوه لنا" لا يمكن لأحد أن يعلّمنا ما هو مسموح وما هو ممنوع. "بعد الكارثة" فُرض علينا أن نفعل أي شيء لإنقاذ حياة اليهود، وبوسائل مرفوضة أيضا. لقد عدنا لاستخدام ذكرى الكارثة كأداة في سياستنا الخارجية، فإسرائيل هي "دولة الناجين". يسمح لنا باستغلال الكارثة لوأد أي انتقاد لما نفعله. ومن الواضح تماما أن أي منتقد هو "معاد للسامية". ويسمح لنا بتضخيم أي حادثة غير هامة لرسم صليب معقوف على شاهدة لضريح يهودي، لنثبت أن هناك "ازدياد في معاداة السامية في العالم"، فمن الواجب علينا أن نذكر بذلك دائما قبل فوات الأوان.



أقول أن علينا الآن، بعد ستين سنة من انتهاء الكارثة، أن نترفّع عن هذا كله.

حان الوقت لتحويل ذكرى الكارثة من الملكية اليهودية إلى ملكية الإنسانية قاطبة.

يجب تحويل الأسى، الغضب والعيب إلى رسالة شمولية، ضد أي نوع من إبادة الشعوب.

يجب تحويل النضال ضد معادي السامية إلى جزء من الحرب العالمية ضد العنصرية بكل أشكالها. حتى وإن كانت موجهة ضد المسلمين في أوروبا أو السود في أمريكا، أو الأكراد في تركيا أو الفلسطينيين في إسرائيل، أو ضد العمال الأجانب في أي مكان.

لا يجب على حقيقة كون اليهود قد عانوا في الماضي من ملاحقة عنصرية فتاكة أكثر من أي شعب آخر، أن تركعنا في طقوس الشفقة الذاتية، بل على العكس، يجب أن تستحثنا تصدّر النضال العالمي ضد العنصرية، الآراء المسبقة والمقولبة، التي تبدأ بتحريض من قبل ديماغوغيين منحطين وتنتهي بإبادة شعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|