الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام المحلي يقود تونس إلى الكارثة

محمد الحمّار

2013 / 1 / 27
الصحافة والاعلام


إنّ الجرائد التونسية، ورقية كانت أم الكترونية، عدا قلة قليلة ستتعرف عن نفسها من خلال هذا العرض، ومعها جل الإذاعات والقنوات التلفزية، لا علاقة لها بالمشكلات الحقيقية للشعب لا من بعيد ولا من بعيد. وتبرز هذه الإعاقة من خلال فشلها الذريع في اختيار المادة التي تعرض المشكلة على أنها مشكلة والحل على أنه حل. فهي تبدو واثقة كل الوثوق من نفسها بخصوص اختياراتها ضمن ما يسمى بـ"الخط التحريري".

إنّ الذي يحدد المشكلات ويحدد الحلول إن وجدت ويحث على التفكير في إيجاد الحلول إن لم توجد هو المثقف والمربي والكاتب أي الممارس لمهنة تخول له أن يرصد الأفكار والسلوكيات وأن يضيء الطريق نحو رؤية أفضل للمسائل والقضايا ونحو السبل المؤدية إلى الحلول. و من واجب الجريدة و الإذاعة و التلفزة أولا أن تفتش عمن يثق بهم الناس في مجال اختصاصهم كراصدين للحاجيات الحقيقية للشعب، ثم أن ينقلوا نقلا وفيا ومسترسلا لما يعرضه هؤلاء من تشخيص للأدواء ومن أدوية لها.

في هذا الصدد نلاحظ آسفين أنّ العديد من الجرائد انحرفت عن مسارٍ انفتاحي دشنَته إبان سقوط الحكم النوفمبري وذلك بأن ابتعدت شيئا فشيئا عن سبيل البحث عن مصادر الاستقصاء السوسيولوجي والنفسي والتربوي والفلسفي قبل أن تنصب نفسها من جديد أجهزة للرصد وللتفكير وللتشخيص وللمعالجة. بينما الإعلام الذي يحترم نفسه ويحترمه الناس هو الإعلام الذي يستقصي الخبر لا السلوك، والذي يحلل الحدث لا المشكلة التي ينطوي عليها الحدث، والذي يدل الناس على منابع الفكر والمقترحات لا على أفكار صاحب أو مدير الجريدة أو الإذاعة أو القناة التلفزية.

لقد كتبنا وما زلنا نكتب، بكثير من الأمل، عن أزمة التعليم في تونس قبل أشهر من اندلاع غضب القاعدة الأستاذية وإقرارها بشرعية إضراباتها هذه السنة، وحررنا صفحات من التحذيرات ومن المقترحات في الشأن التربوي المتأزم. ولولا المواقع الاجتماعية والجرائد الالكترونية العربية، وقلة قليلة مشكورة من الجرائد المحلية، التي أبت إلا أن تنفتح على ما نعرضه على القراء، لخِلنا أننا نعيش في تونس افتراضية ذات مشكلات افتراضية ولا حاجة لها إلا لحلول افتراضية. وها هي نتائج التقاعس الإعلامي واضحة للعيان: جمهور من المستمعين والمشاهدين والقراء يعتقد أنّ الأستاذ عالة على المجتمع، يحسب خطواته بالمليم والدينار، ويقيم تلاميذه بالذهب والفضة، ويقدر المعلومة والمعرفة على سلم بورصة الصرف و القيم المقولة.

كما كتبنا وما زلنا نكتب، و بكثير من الأمل أيضا، عن الموت السريري للسياسة في المجتمع التونسي والعربي عموما وقلنا إنّ تحرير التواصل والفكر الديني والمدرسة، بغية تجديدها، وبطرق علمية (بعضها متوفر لدينا) هي الكفيلة بتأسيس فكر سياسي معاصر يطور ويتحدى ويتجاوز ويعوض الفكر السياسي الموروث عن مراكز العلم الأجنبية المهيمنة سياسيا وإيديولوجيا. لكن قلة قليلة من أجهزة الإعلام المحلية كانت قادرة على تعديل ساعتها على ما يخالج أذهان أهل الذكر. وكانت النتيجة تعاقب الاحتقان المجتمعي تلو الاحتقان، والدوران في حلقة مفرغة إلى أن وصل بنا الأمر إلى إعلان رئيس الحكومة عن عدم الإعلان عن أية تشكيل حكومي منتظر، واضطراب المجتمع وارتفاع نسبة خيبة الأمل لديه وازدياد مخاطر الانفجار لديه.

بالنهاية إن لم يكن الجسم الإعلامي قادرا على مشاهدة نفسه في مرآة الصحيفة والمذياع و الشاشة ليرى أنه يقصي المفكر والمثقف والمربي مثلما يتنفس وأنه، في محاولة يائسة للتفريج عن كُربته، يستبدل المحامي والحقوقي والداعية مكان هؤلاء في برامجه وتحقيقاته وتقاريره، فسيأتي اليوم الذي تقول فيه المدرسة والمسجد وجهاز الإعلام معًا وبصوت عالٍ: تبّا لإعلام يربي الشعب على الامتثال، لا للقانون، وإنما لقانون الخنوع لسلطة بلا صلاحيات شعبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا