الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرقة فى القلب لا تنطفئ

مجدى زكريا

2013 / 1 / 27
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


بالامس قرأت قصيدة على الحوار المتمدن لشاعرة مبدعة ترثى فيها ابنتها التى فقدتها منذ شهور. وقد كتبتها فى ذكرى ميلادها السابع فى هذا الشهر (يناير). لذلك سيكون مقالى عن الموت الذى يأتى فيزلزل حياتنا, ونقف امامه مذهولين , عاجزين , عديمى الحيلة.
منذ فترة قصيرة , اجرى رجلا بحثا ليعرف كيف يؤثر مرور الوقت فى مشاعر الذين غيب الموت احد احبائهم. فأرسل مجموعة من الاسئلة الى عدد من الوالدين الذين فقدوا احد اولادهم منذ عدة سنوات. لكنه لم يتلق جوابا من الجميغ. فقد اوضح اب يدعى فلاديمير انه لا يزال يصعب عليه جدا التحدث عن ابنه رغم مرور خمس سنوات على وفاته.
ليس مستغربا ان يلازم الشعور بالاسى الوالدين المفجوعين. فثمة اب يدعى وليم كتب بعد مضى عشرة سنوات عن موت ابنه غرقا وهو فى ربيعه الثامن عشر : " مازال الالم الذى سببه موت ولدى يعتصر فؤادى و ولن يفارقنى ماحييت ". وكتبت لوسى بعد خمس سنوات من موت ابنها الذى قضى بمرض مفاجئ : " بقيت اناجى نفسى بضعة ايام واقول : يستحيل ان يكون ذلك صحيحا. وشعرت انه مجرد كابوس مريع سيزول حالما استيقظ من النوم. ولكننى ما لبثت ان ادركت الحقيقة المرة , وهى ان ابنى لن يعود ثانية الى البيت. لقد خطف الموت ولدى منذ خمس سنوات , لكننى ما زلت حتى الان ابكيه احيانا عندما اكون وحدى ".
فلماذا يلازم الوالدين المفجوعين و امثال فلاديمير ووليم ولوسى , شعور عميق بالالم والحزن ؟ لنتأمل معا فى بعض الاسباب.
حين يولد طفل فى العائلة , تغمر الوالدين مشاعر لا مثيل لها فى اية علاقة بشرية اخرى. فمجرد احتضان الصغير , اختلاس النظر الى وجهه وهو نائم , او رؤية ابتسامته المشرقة يزرع فيهم سعادة عميقة واكتفاء ما بعده اكتفاء. والاولاد المحبون يحنون على اولادهم. كما انهم يربونهم على التهذيب وحسن السلوك. وحين يكبر الاولاد ويتجاوبون مع الجهود المبذولة لتربيتهم , يمتلئ الوالدون فخرا واعتزازا ويعلقون عليهم امالا كبارا.
اضف الى ذلك ان الوالدين المحبين يعملون بكد ليؤمنوا لفلذات اكبادهم ما يحتاجون اليه فى الحياة. حتى انهم لا يكفون عن ادخار المال والمقتنيات لكى يساعدوهم على انشاء عائلتهم الخاصة عندما يحين الوقت.
هذا الفيض من العاطفة والجهد والمال الذى يغدقه الوالدون على اولادهم انما يشير الى حقيقة واحدة : ان الوالدين يربون اولادهم ليحيوا لا ليموتوا. لذلك حين يموت ولد من اولادهم , لا يكتمل عملهم وتتحطم امالهم. ويقف جدار الموت عائقا امام نبع الحنان والعاطفة الذى يتفجر من اعماقهم. ويملأ الفراغ المكان الذى كان يحتله الولد فى قلبهم. فيغمر كيانهم اسى شديد يأبى ان يفارقهم بسهولة.
يؤكد الكتاب المقدس ان الوالدين المفجوعين ينتابهم ألم شديد لا يهدأ. ففى وصفه لما حدث للاب الجليل يعقوب يعدما سمع عن مقتل ابنه يوسف. يقول " شق يعقوب رداءه , ووضع مسحا على حقويه , وناح على ابنه اياما كثيرة. فقام جميع ابناءه وجميع بناته ليعزوه , فأبى ان يتعزى وقال " انزل الى ابنى نائحا الى المدفن. " وبعد سنوات كان يعقوب ما يزال يبكى على ابنه الذى ظنه ميتا.
يزودنا الله الاحتمال والتعزية : منذ 2,000 سنة تقريبا قال بولس , ان " الله الذى يزود الاحتمال والتعزية ". وهو يزودها بطرائق عديدة للذين يحتاجون اليها. يعطى الله القوة للذين يلتمسون مساعدته بالصلاة. كما ان الاصدقاء الحقيقيين يستطبعون ان يمنحون التعزية. وايضا عن طريق الكتاب المقدس الذى يزودنا بروايات عن اشخاص مروا بهذه التجربة المؤلمة.
غالبا ما يحتاج الوالدون المفجوعون بولدهم الى الاختلاء بانفسهم فترة من الوقت ليبكوا فقيدهم ويستوعبوا المشاعر التى تنتابهم. لكن ليس من الحكمة ان يتجنبوا رفقة الاخرين فترة طويلة. فالاية فى الامثال 18 عدد 1 تقول ان " المعتزل " قد يؤذى نفسه. لذلك ينبغى ان يحذر الاشخاص الحزانى لئلا يقعوا فى فخ الاعتزال.
والاصدقاء الاتقياء يمكن ان يكونوا خير سند للذين يواجهون الشدائد.
نحن الان تعيش فى ايام صعبة , تكثر فيها الالام وتهدنا الشدائد. ويصبح العالم رويدا رويدا من الخطر العيش فيه , ولا نعرف ماذا سيأتى به الغد من اخطار وبلاء. وفى كثير من الاحيان الاحيان تنتابنا مشاعر الخوف مما هو سيأتى , لذلك نغبط احبائنا الموتى , الذين نالوا الراحة والسكينة من الامهم ومن المخاوف القادمة.
عندما تفقد العائلة ولدا , يشعر الاصدقاء بشئ من الخشية والارتباك. فهم يرغبون فى دعم العائلة , لكنهم يخشون ان يزيدوا الطين بلة اذا تفوهوا بكلمة غير مناسبة او قاموا بمبادرة فى غير محلها. فلا تتجنب العائلة المفجوعة لمجرد انك لا تدرى ماذا تقول او ماذا تفعل. فوجودك بحد ذاته يقويهم ويشجعهم. وهل تخونك الكلمات ؟ ان معانقة ودية وكلمة تعزية من القلب تجعلانهم يعرفون انك تهتم لأمرهم. وهل تخاف ان تبدأ بالبكاء فتزيد من تعاستهم ؟ يقول الكتاب المقدس : " ابكوا مع الباكين " فدموعك تظهر انك تشاطرهم احزانهم , وهذا امر معز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اطفال الشطرة يرسمون لغزة


.. غانتس يهدد بانسحاب حزبه من حكومة الائتلاف ما لم يصادق نتانيا




.. مراسلتنا: استهداف موقع الرمثا الإسرائيلي في مزارع شبعا |#الظ


.. السعودية تشترط مسارا واضحا نحو إقامة دولة فلسطينية مقابل الت




.. الجيش الإسرائيلي يواصل تصعيده ضد محافظات رفح والوسطى وغزة وا