الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمة كتاب -العنف السياسي في السرد القصصي العراقي-

عبد جاسم الساعدي

2013 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


العنف السياسي في السرد القصصي العراقي
المقدمة
دخل العالم القصصي إلى حياتي في وقت مبكر من اهتماماتي الثقافية والسياسية، حتى صار جزءا حيويا في القراءة والتحليل والمتابعة والمقارنة.
أغنته تجربة العمل الجامعي الشابة والممتلئة بالانفتاح على الشباب بطرائق تدريس حديثة.
كانت قاعات الدرس في جامعة "تيزي وزو" في الجزائر و "جامعة محمد الأول" في المغرب لاثنتي عشرة سنة، تتحول الى "ورش" ثقافية وفكرية، تشبع طموح الطلبة التواقين إلى الحرية والمعرفة والمشاركة بآفاق البحث والحوار وإثارة السؤال.
فانكسرت عندئذ مفاهيم "المنصة" وسلطة الأستاذ التقليدية، لوجود تفاعل قلّ نظيره في حياتي التدريسية، الذي وجدته "فاتراً" يبعث على الخمول في قاعات الدرس في الجامعة المستنصرية، بعد عودتي إلى العراق، مع وجود استثناءات جميلة تذكرني دائما بطلبة الجامعتين السابقتي الذكر.
وبدا لي ان عناصر التفاعل وقتئذ بين الطالب والنصّ القصصي كانت تعود إلى سببين متصلين هما: الانغمار في القراءة والسياسة، وكان الطلبة، يكتشفون عالمهم ومحيطهم العربي والعالم من خلال الرواية ويميلون بدرجة كبيرة الى الرواية السياسية التي احتلت مكانة مهمة في الحياة الثقافية بخاصة في دول المغرب العربي.
وتأخذ الصلة بالنصّ القصصي منحى آخر، في لندن حينما عكفت بشغف على القراءة المنظمة، فأصدرت كتاب: "الذاكرة والحنين في القصة العراقية القصيرة في المنفى العام 1995".
جاء في مقدمته: "نقلني ضجر السياسة وغثيانها للبحث عن زاوية نافذة، اطلّ منها على عالم آخر، يأخذني خارج المحيط وأسواره الملغومة بالمفردات والوحدات التي تسابق الزمن في الانحطاط والإحباط، في أركان وافتتاحيات وأعمدة تنسيق وتواصل وتناغم في اللغة، يوحد نفسه في صفحات ولقاءات وخطابات احزاب خربتها الغربة ولوثت سطورها وكسرت هيبتها الجميلة.
دخلت فضاءات القصّ العراقي في المنفى محمولاً بهاجس النظر في الإبداع والأطياف، لأجدد الحركة أقارن بين زمن الكتابة وزمن الأصوات، التي تنتمي إلى حقبة تاريخية واحدة، يجمع بينها النفي والتشرد وفاجعة الحرب والموت ودوائر الذاكرة والاستذكار،اقلبها طوال عامين، أعيد الصلة بها، هي النصّ والمرجع...".
لقد حملتني أجواء البحث في القصة العراقية القصيرة وبدعم زملاء مبدعين على تنظيم مهرجان القصة العراقية لأربعة أيام متتالية في تموز العام 1996، في قاعة "الكوفة" في لندن.
وكان حدثا ثقافيا استثنائيا على مستوى التنظيم والحضور والمشاركة واستقلالية الفعالية من دون قرارات او واجهات سياسية نمطية، تقف خلفها.
ولم تسلم من الاعتراضات والحنق على مبادرة ثقافية خرجت عن الأطر التقليدية، فرموها بشتى نعوت "الخيانة والخروج على الجماعة".
إلا ان كثافة المشاركة الحرة التي بلغت أكثر من ثلاثين مبدعاً وناقدا من العراقيين والعرب في المنفى والاحتفاء الثقافي والإعلامي بالفعالية اكد صدق التجربة وجدواها في شهادات قصصية نفضت غبار السنين الطويلة بحرية وأزاحت أعباء الماضي.
فأشاد بها الروائي الراحل "فؤاد التكرلي" (كنت اشعر بالاعتزاز وانا ابحث عن أخبار هذه الندوة الفريدة في بابها الذي لم يفكر احد من قبل بعقد مثيل لها غير العراقيين، ذلك ان طينتهم المختلفة، تحوي من عناصر التحضر وحب الثقافة ما يجعلهم مندفعين دوماً في طريق الاحتفال بالفكر والفن) وعدد من الكتاب والإعلاميين العرب، لاستقلاليتها وشجاعة المشاركين الذين اتوا من شتى دول العالم من دون "مكافآت" مالية...
وتوالت ندوات القصة العراقية بموضوعات فكرية وثقافية وتربوية كان منها: الأبعاد التاريخية والثقافية للازمة الجزائرية، في الدورة الرابعة لندوة القصة العراقية والثقافة العربية العام 1999 في قاعات جامعة لندن.
شارك فيها كتاب جزائريون ومستشرقون وعرب، كان منهم: "عبدي نور الدين وروبنزهيو ودوبي كوكس وعبد النور بن عنتر وزليخة ابو ريشة وازراج عمر وعبد الحميد بورايو وحسين هنداوي وزاهية صالحي وخديجة محمد صفوت وصبحي حديدي واحمد منور وعبد اللطيف اطيمش ونادية محمود ومحمد ساري...".
فأحيت الندوة التواصل الثقافي وجددت عناصر البحث والسؤال والمشاركة مع الأدباء الجزائريين الذين هم الآخرون شاركوا على نفقاتهم الخاصة.
يذكر ان ندوة "الجزائر" بموضوعاتها الثقافية النقدية والفكرية قد فرضت حضورها بفعل "العنف" السياسي والرعب الذي اجتاح الجزائر في مطلع تسعينيات القرن الماضي، اذ اخذ الرواية الجزائرية الى مناح جديدة في السرد والحوار منها: أعمال الروائي الراحل الطاهر وطار الأخيرة والجيلالي خلاص وواسيني الأعرج وآخرين...
وانتظمت الندوة الخامسة في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن العام 2000، بمشاركة احد عشر كاتبا عن "الدرس التطبيقي لمناهج التعليم في الدول العربية" أدار جلساتها: علي الربيعي ومنذر يونس وغطاس شريفة ورفيق عبد السلام شلاكة "وزير خارجية تونس الآن"، شارك فيها باحثون منهم: عبد القادر فضيل وغطاس شريفة وهيثم الناهي ووليد صالح...
وكانت السادسة :"اشكالية السلطة في الفكر العربي الإسلامي"، شارك في ادارتها: هيفاء زنكنة وعلي الربيعي ومصطفى صواك ومصطفى عبد العال، ومن الباحثين :شهيد العنف السياسي في العراق الراحل "كامل شياع"،وكذلك حسين هنداوي وكريم عبد وعبد النور عنتر وازراج عمر وموسى الحسيني وعبد الحسين شعبان وحسن حنفي ورفيق عبد السلام ومنذر جلوب يونس وابو يعرب المرزوقي وعامر النفاخ.
وقد اصدرت "جمعية الثقافة العربية" التي تولت إدارة وتنظيم الندوتين الأخيرتين كتاب :الندوة السادسة بدعم من منظمات المجتمع المدني في بريطانيا، وأصدرت ايضا ثلاثة أعداد لنشرة ثقافية بعنوان "الندوة" اشرف على العددين الأولين الصديق الكاتب "قاسم محمد غالي".
اما الدورة السابعة والأخيرة "فصل المقال في أطروحة الإسلام والغرب" العام 2002، شارك بتنظيمها الدكتور كاظم الموسوي والباحث علي الربيعي.
ومن المهم القول، ان الندوات السنوية السبع التي أشرفت عليها "جمعية الثقافة العربية" بعد حصولها على إجازة الموافقة من "مركز الجمعيات الخيرية في بريطانيا"، قد أنجزت قدرا كبيرا من الاستقلالية والتنظيم والبعد الثقافي وكانت بدعم وتنظيم عدد من الكتاب العراقيين والعرب في لندن منهم: الشاعر الراحل شريف الربيعي وهيفاء زنكنة وكريم عبد ولؤي عبد الإله وقاسم غالي وكاظم الموسوي وعلي الربيعي ومنذر يونس ومنى عبد الرزاق حسين وازراج عمر، والشاعر والإعلامي محمد فرحات الذي أدار جلسة افتتاح المهرجان الأول العام 1966... بفطنة ومعرفة خففت درجة الاعتراضات "الوهمية" والتشنج على الفعالية الثقافية...
وشارك الدكتور صلاح نيازي في كلمة الافتتاح مشيدا بالنشاط الثقافي الجديد في إعداده وتنظيمه وطرق التواصل به.
ذكرنا هذه المقدمة الطويلة للدلالة بان كتاب "العنف السياسي في السرد القصصي العراقي" قد اقترن بدراسة نقدية عن القصة العراقية في المنفى وفعاليات ثقافية في الدرس والبحث والقراءات النقدية والمقارنة من خلال تجربتنا في الأدب القصصي في الجزائر والمغرب والعراق.
وان ننس فلا يمكن ان ننسى جريدة "القدس العربي" في لندن التي رعت تلك الاهتمامات وأولتها العناية في صفحاتها الثقافية...
واحتوى الكتاب على مقدمة ثقافية سياسية، كانت خلاصة قراءة وتجربة وتحليل طوال أربعين عاماً من العنف وثقافة الاحتواء والإذلال التي مارسها "البعث" على مستوى الأفراد والجماعات والسلطة وشعارات "التضليل" القومية، والوحدوية في حروب واقتتال محلي وانتهاك الحريات التي نجد مضاعفاتها النفسية والاجتماعية والثقافية على الإنسان والمجتمع، بضعف المبادرة والعزوف عن العمل الجمعي والشعور بعدم جدوى التغيير...
واستفادت الدراسة من ظاهرة العنف في الأدب القصصي في الجزائر والمغرب ومصر، وشكلت منظومة الأفكار الإنسانية في التحرر ومقاومة الاستبداد والطغيان السياسي محاور السرد في الحوار واللغة والذاكرة، وكأنها واحدة في بلدان عربية تعاني شعوبها وقوى التحرر فيها الخوف والقمع.
وطغت التجربة الذاتية بقدر كبير على البناء الفني بخاصة في مراحل الكتابة الأولى للأدباء، لأنها بصدد إزاحة أعباء الماضي ونفض غباره الملوث بالوحشية وسحق مشاعر الإنسان التي ظهرت بالعراق بصورة منظمة طوال ثلاثة عقود ونصف العقد من سلطة "البعث" الحاكم...
حتى وجدنا تأثيراتها على كتاب عرب، اعادوا قراءة تجربة الموت في العراق، كما في رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر والمواقف التاريخية التي عبر عنها الشاعر الفلسطيني "معين بسيسو"...
اذ وصلت إليه آهات وانين المعتقلين في "قصر النهاية" وزنزانات الاعتقال في سجن بغداد و "الخيالة" و "النادي الاولومبي" الرياضي ونقابات العمال التي حولوها الى قاعات تعذيب على الطريقة "البعثية".
فحرصنا على اجتزاء بعض المشاهد المأسوية لمعتقل قصر النهاية من تجربة الصديق فياض موزان هناك، لتكون وثيقة تاريخية، لعلها تسهم بخاصة مع القراء العرب لكشف حقيقة الموت في العراق طوال حكم "البعث" القومي و "القائد الضرورة"!
فأثقلت التجربة الذاتية الحادة جداً في معانيها وصورها السرد القصصي في القصة القصيرة والرواية.
ابتداء من رواية: الوشم والوكر والأنهار لعبد الرحمن الربيعي والقلعة الخامسة وكوميديا الأشباح لفاضل العزاوي وعشرات القصص القصيرة في المنفى واعمال غائب طعمة فرمان ورواية "الرجع البعيد" لفؤاد التكرلي، التي اتسمت بقدر عال من الفنية والحوار ومتعة القراءة عند الدخول إلى الأبعاد النفسية والاجتماعية لنزعات العنف الأولى عند أفراد "حزب البعث".
هكذا بدا، ان الأدب القصصي في العراق، تشم منه رائحة الموت والوحشية بمرحلتين تاريخيتين لحزب البعث هما: انقلاب 8 شباط العام 1963 والانقلاب الثاني في تموز العام 1968 حتى احتلال العراق في نيسان العام 2003...
ويتجدد السرد القصصي في العراق في مرحلة حكم البعث الثانية في روايات "مكان اسمه كميت" ومقامة الكيروسين و "خريف البلدة" و "الحلم العظيم" ورواية "الحياة لحظة".
وتوالت روايات التجربة والذاكرة بحرية، بعد عقود الخوف والديكتاتورية، وان طغت عليها المباشرة والوضوح والعودة الى الذات و "المكان".
حاولت الدراسة الدخول الى عالم "السجن" والاعتقال والمطاردة من خلال شهادات وتجارب قصصية في مصر وسورية والعراق والمغرب، لعلها شكلت اهم التحولات الفنية في فضاءات السرد القصصي عند العرب، بخاصة لدى الادباء والمبدعين الذي عانوا الاضطهاد والحصار والنفي، وخرجوا بنصوص ابداعية جمعت بين الفن والخيال واخذت موقعها الثقافي في القراءة والانتشار والتحليل، وتجاوزت عندئذ "السياسي"، الثقيل في خطابه ولغته وسلطة القوة والاستحواذ.
وظهرت "الحانة" في الرواية السياسية بوصفها مكاناً تتنوع فيه مصادر الحوار بحسب اشكال العنف السياسي على "اليساريين".
وبعد... فالدراسة ركزت على البعد الانساني والثقافي لظاهرة العنف السياسي وفق نماذج روائية وقصصية، كانت تؤكد على صدق التجربة والمعاناة وشعارات "التضليل" وكيفية صنع "الديكتاتور" بوسائله ومؤسساته الاعلامية والثقافية والعسكرية والتعليمية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا