الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الطريق

فيحاء السامرائي

2013 / 1 / 29
الادب والفن


يجد نفسه محشوراً وسط طوابير سيارات، يطفأ سائقوها محرّكات صدأة ويترقبون...لا رجوع ولا تقدم، حيث لا تقدم بتراجع، ولا تراجع ابتغاء تقدم...يمدّ يده الى تلفون نقال ليكلمهّا، يتلمس جيباً فارغاً...يتذكر ويزفر...لعنة الكون عليهم، يثيرون اشمئزازاً بروائحهم وصخبهم وأفعالهم، لم يكتفوا بسرقة محفظة المرأة العجوز، وأين؟ على باب غرفة الطبيب وفي مستشفى عام...
يلتصق لحمه بمقعد القيادة ويسيح، حين تتقافز في ماخور نهار عارٍ، عينا شمس وقحة كعيني عاهر نزقة، تخترق كل ما تحت جلده، وتصيباه بهذيان شاحب...
هناك، يتواصل بالكلام دون توقف، جالساً في ركنه اليومي، على مقعد تقعّر من الأعلى، آخذاً شكل رأسه وظهره، فيبدو وكأنه ولد من أحشاء قماشه ورحمه...يغمغم بصوت خافت، يخفق في جعله قوياً كما كان: - أنت ابني أنت؟ أين نتيجة الأشعة؟ أين الدواء؟، طول النهار عند الطبيب وترجع خالي اليدين...
يطلق أحدهم بوق سيارته بتواصل، يتبعه آخرون بالمثل، دون طائل وبلا وعي...ترتفع أصوات:
- ماذا حصل في الطريق، مفخخة لو عبوة؟
- تعرف طريق آخر؟ لنرجع، الى الوراء دُر
- نريد أن نتقدم مو نرجع، من منكم يرشدنا؟
- متى يصبح الدرب متاحاً؟ متى نتحرك؟
- يا جماعة اللـه شعليه؟ الكفر حرام
- أنعل صفحة أبو هيجي حكومة، لابو أبو هيجي دولة، وأنعل أبوه لماجد
من هو ماجد؟ أراد أن يسأله، ربما هو صديق دعاه ليلتقي به، أو صاحب السيارة، أو يكون...صوت طائرة هيليكوبتر يقطع أفكاره ويفزع سرباً من طيور مهاجرة...
الى أين؟؟ يسأل صديقه، فيجيب هذا:
- الى بلدان اللجوء، هاجر يا أخي هاجر، الحياة هناك بشكل وطعم آخر، حتى الحيونات بشر...
ينكمش في رؤية متواضعة ويطيب له أن يحلم...مستلقياً، يستمتع بكوب عصير بارد في ركن مبرّد، لا يقلق وينشغل باله حينها بربّ مولّدة، تشغيلاً وتوفير وقود وجهد تشغيل...
يوم طرح عليها الفكرة، نظرتْ اليه ملّياً ولبرهة بعينين مسلوقتين، كبيضتين متجحرتين في متحف وجهها، ثم صرفت نظرها عنه بحدّة، وبدون أن تنطق، عادت تكنس السجادة بقوة، فتهيّج غباراً مجنوناً...في الفراش، سرعان ما تنام لحظة تضع رأسها على الوسادة...يحّدق في وجهٍ تقطنه تقطيبة وانزعاج...من تلك المرأة؟ لم يعد يعرفها، قلّما يراها...تنهض غبشاً، تطبخ ، تلبس الولد، تأخذه للمدرسة، تذهب للعمل، تدخل مسرعة الى البيت ظهراً، تعدّ المائدة، تسمعه يتمتم حانقاً : كناين آخر زمن...تبتلع بصمتها نقّ أب زوج، عجوز متقاعد شكّاء جائع...تغسل صحوناً وملابساً ، تنظف الدار، تذهب للسوق، تهرع نحو دار والد عاجز ينتظرها، ترجع مساءً، تعدّ العشاء، تدرّس الولد، تحمّمه، تنومّه، تنام هي، تلقي بجسد كفر بها على سريرها، ثم تأخذ بالشخير...أنثى تشخر بجواره...
يصمت، ويصمت الجميع فجأة، يكفّون عن مسبّات وشتائم، يسود ماحوله هدوء أخرق، ويتخثر الطريق بسكون ومألوفية...قنطوا؟ هل تبخروا بفعل حر وقهر، فتشبعوا ببخار عجزهم؟ أم تراهم وجدوا الطريق؟
يتلفت حوله...طريق عدِم ملامحاً وارتبكت خطاه، حبلت بطنه بتشعبات وبطوابير سيارات...يتفحص السائقين عن قرب، ولدهشته يرى خرافاً على المقاود...يمتد كفه نحو عينيه، يفركهما تفادياً لحيرة، وحين يفتحهما، يُبصر يده وقد كساها صوف كثيف...يفزع...ولما يحاول الصراخ، تخرج من حنجرته مأمأة عالية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حصريا.. مراسل #صباح_العربية مع السعفة الذهبية قبل أن تقدم لل


.. الممثل والمخرج الأمريكي كيفن كوستنر يعرض فيلمه -الأفق: ملحمة




.. مخرجا فيلم -رفعت عينى للسما- المشارك في -كان- يكشفان كواليس


.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا




.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ