الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوائم الإنتخابية العديدة في الأردن عكست حب الظهور، لا حب الوطن

منعم زيدان صويص

2013 / 1 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


بينت الحملات الإنتخابية للبرلمان السابع عشر بوضوح أحد الخصائص العامة للمجتمع الإردني، وأعني بها حب الظهور والشهرة والزعامة لمن استطاع اليها سبيلا، وهذا يتمثل أكثر ما يتمثل بالعدد الهائل لمرشحي القوائم الإنتخابية وعدد هذه القوائم، والذي لا يمكن تبريرة إلا بالقول بأن الغالبية العظمى من هؤلا المرشحين تعرف أنها ستخسر ومع ذلك تصر على الترشح، وان غاية المرشحين ليست سوى تعليق صورهم على الحيطان ورفعها على أعمدة الكهرباء.

من 61 قائمة عدد أعضائها الكلي 819، نجح 27 مرشحا معظمهم من قادة القوائم. قائمة واحدة حصلت على ثلاثة مقاعد، وثلاثة فقط حصلت كل منها على مقعدين، و 18 قائمة أخرى نجح رؤساؤها في الدخول إلى البرلمان. هذا يعني أن 22 قائمة ستكون ممثلة في البرلمان، و39 قائمة، تضم 797 مرشحا، غير ممثلة على الإطلاق. ولا شك أن أغلبية هؤلاء كانوا يتوقعون مثل هذه النتيجة، ومع ذلك رشحوا أنفسهم. الفائدة الوحيدة الممكنة التي سيجنيها هؤلاء هي أن صورهم ستصبح مألوفة للناس وسيكون لهم فرصة أكبر بقليل إذا رشحوا انفسهم في المرات القادمة.

لا شك أن بعض المرشحين لديهم تاريخ جيد في العمل السياسي وعندهم المقدرة على تمثيل الناس وخدمة البلاد، ولكن هناك مئات المرشحين ذوي المستوى المتوسط والمنخفض، الذين ليس لهم حظ، وهم يعرفون ذلك، فلماذا يخلقون هذه الزحمة التي تعيق الحركة، كما وصفها الملك الراحل الحسين، ولماذا يعطلون حظوظ القديرين ويحرمونهم من كثير من الأصوات التي يستحقونها؟ وأنا اتصور لو أن وظيفة رئيس الوزرا خاضعة للإنتخاب لتقدم آلاف الأردنيين ليملأوا هذا الموقع. هل لدى كل القوائم أو المرشحين برامج إنتخابية فريدة ومستقلة تمتاز عن برامج غيرهم وتستحق قوائم منفصلة؟

على مدى العقود السابقة لم يستطع أحد أن يجيب بوضوح على السؤال: لماذا يعزف الشعب الأردني عن الدخول في العمل الحزبي، ولماذا لم تتكون في البلاد أحزاب قوية مثل جبهة العمل الإسلامي، التي تجمعها مبادىء الأسلام السياسي؟ والجواب على ما أعتقد واضح، فالأفراد ذوي الطموح السياسي في المجتمع الأردني لا يؤمنون بالتعاون والتضحية ويفضلون، نتيجة حبهم المفرط للظهور والشهرة، أن يشكلوا أحزابا مستقلة "يفرطونها" لاحقا عندما يبلغون أهدافهم في الزعامة. كثيرون منهم من النوع الذي يهوى العمل السياسي في البلاد ولكن هدفه ليس مصلحة الوطن بل مصلحته ومستقبله السياسي، ولهذا السبب تجد أنه يميل إلى تكوين قائمة ليترأسها ويجمع حوله عددا من الأصدقا على أمل أن تربح القائمة كلها مقعدا في البرلمان يحتله هو، وهو مستعد أن يتحمل كل مصاريف القائمة في سبيل ذلك. فكل شخص في القائمة له أقارب ومعارف ويستطيع أن يقنعهم بالتصويت لها، وهذا يعني ان كل الأصوات تذهب أولا لرئيس القائمة. قلة من المرشحين مستعد للتضحية بمصلحته السياسية الشخصية لإنجاح حزب أوكتلة لها مبادىء مشتركة وثابته، فروح الفريق الضرورية لإنجاح أهداف، أو أيديولوجية، الحزب معدومة، وهذا السبب الرئيس لضعف الأحزاب في الأردن.

هل 61 قائمة تعني أن هناك في هذا البلد 61 أيديولوجية مستقلة، لكل منها مبادىء معينه وأهداف وطنية أو قومية خاصة؟ ترى هل يؤمن الشعب الأردني ب 61 أيدولوجية؟ هل هذا يثبت حقيقة أننا في الاردن لدينا 61 برنامج إنتخابي مستقل وكل برنامج يتميز عن الآخر ويستحق الدراسة والإهتمام؟

دعنا ننظر إلى ديمقراطيتين عريقتين في العالم: بريطانيا والولايات المتحدة. هناك حزبان رئيسيان في كل منهما، ويتداول هذان الحزبان السلطه منذ قرون ومعظم الناس النشيطون سياسيا -- على الأقل 95 بالمئة منهم -- يتبعون أحد هذين الحزبين أو الآخر، وينقسم الناس إلى قسمين رئيسيين: قسم مع هذا الحزب وقسم مع ذاك، ولا تجد أن حب الظهور الرخيص أو الزعامة الفارغة الناتجة عن الغرور تدفع بعض قادة هذه الأحزاب العظيمة أو أعضائها لينشقوا عن الحزب الأم ويشكلوا أحزابا هزيلة سرعان ما تختفي وتذروها الرياح، لأنهم يعرفون أن الناس لن يؤيدوهم. ولكننا نلاحظ مثل هذه الإنقسامات في كل الأحزاب والتكتلات في بلادنا، فتجد انشقاقات عديدة تنتهي بتشضي الأحزاب واندثارها، فكلٌ يريد أن يكون زعيما وهو غير مستعد أن يضحي بمصلحته الشخصية، حتى ولو مؤقتا، في سبيل مصلحة حزبه وبلاده، وهو مستعد أن يترك حزبه إذا وجد فرصة سياسية أفضل، فقادة الأحزاب ومعظم أعضائها لا يؤمنون بأحزابهم بل بمصالحهم الشخصية.

الإنتخابات في أمريكا وبقية دول العالم لها طعم ورائحة وتأثير، وتقرر مصير الشعوب. وعراقة الأحزاب هناك مصدر إلهام وفخر للمواطنين. وبعد الإنتخابات وعدّ الأصوات يقبل الجميع بالنتائج ويؤيدون الرابحين ولا يشككون في نجاحهم. أما الخاسرون فيشكلون معارضة محترمة تكمل الصورة الديمقراطية، ويبدأون بإصلاح أنفسهم ليربحوا الإنتخابات القادمة. وبذلك يدعمون إستقرار الدولة والبلاد ويحمون التقدم. أنظر إلى الهند مثلا، فحزب المؤتمر، الذي أسس عام 1885، وقاد النضال في سبيل الإستقلال بقيادة غاندي ونهرو وأبو الكلام آزاد، شكل معظم الحكومات في البلاد منذ الإستقلال عام 1947 وهو يمثل كل الهند ولا يتبنى أي دين أو قوميه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج