الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن العنف والحوار والإنقاذ

هانى جرجس عياد

2013 / 1 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


من أول كلمة فى أول سطر لا حوار مع الطغاة والديكتاتوريين، وليس ثمة خيار ثالث بين إنقاذ الإخوان المسلمين ورئيسهم وإنقاذ مصر وشعبها، وعلى الجميع –دون استثناء- أن يدركوا أن ما يرفضه الشعب لا يفرضه الحاكم، وكلمة الشعب فى الشوارع والميادين أقوى وأمضى وأعلى من حوارات الغرف المغلقة فى القصور.
عاد الشعب إلى الشوارع والميادين فى موجة ثورية جديدة، صحيح أنها تتسم بدرجة من العنف، لكن الصحيح أيضا أنه عنف الشعب فى مواجهة عنف وهمجية السلطة، فليس من الضرورى أن كل موجة ثورية يجب أن «تستحمى وتسرح شعرها» قبل النزول للشارع، وخاصة عندما يتأكد الجميع أنهم تخلصوا من سلطة مبارك الغاشمة ليسقطوا أسرى سلطة مكتب الإرشاد الديكتاتورية، والتى كشرت عن أنيابها منذ اللحظة الأولى ضد القانون والقضاء، وسعت جاهدة لإغلاق كل منافذ التعبير وأصبح تكميم الأفواه هو هدفها الأول، بينما الأزمات تتفاقم والمشاكل تزداد حدة، والجماعة الحاكمة لا يشغلها سوى مشروع التمكين.
(على سبيل تنشيط الذاكرة فقط نشير إلى أن الموجة الثورة الأولى، بنعومتها وسلميتها، قد أسفرت عن حرق مقرات الحزب الوطنى فى مختلف المحافظات، بداية من مقره الرئيسى على كورنيش النيل، دون أن يكون بوسع أحد اتهام الثوار بالتخريب).
ارتكبت سلطة الإخوان فى ستة أشهر ذات الجرائم التى ارتكبتها سلطة مبارك فى ثلاثين عاما، وبدرجة أعلى فى الفجور والغباء، تجاوزت حدود تكميم الأفواه وتزوير الانتخابات، وصولا إلى محاصرة المحكمة الدستورية العليا، وتحصين لجنة كتابة الدستور ومجلس الشورى المطعون فى شرعيتهما، وظهرت ميلشيات الإخوان المسلحة تقتل المعتصمين أمام القصر الرئاسى، وميلشيات أبو إسماعيل المسلحة تحاصر مدينة الإنتاج الإعلامى وتروع الإعلاميين وتعتدى عليهم وعلى ضيوفهم (الصحفى خالد صلاح والمخرج خالد يوسف – نموذجان)، وتقتحم مقر حزب الوفد وتهدد علنا باقتحام مقر حزب الوفد ومقر التيار الشعبى وقسم شرطة الدقى، بينما القانون فى إجازة والقضاء معطل، والرئيس لا يتحرك.
والحاصل أن الموجة الثورية الأولى بسلميتها، أو نعومتها كما يطلق عليها البعض، قد أفضت إلى الانقضاض على الثورة وسرقتها، لتحل عصابة الإخوان محل عصابة مبارك، مع فارق أن الشارع بات يترحم على أيام هذا الأخير، وبما يعنى ضمنا –وإن كان بوضوح- أن حكم الإخوان أسوأ من حكم المخلوع، على الأقل لم يكن لدى هذا الأخير ميلشيات مسلحة تمارس القتل والترويع فى الشارع «وعلى عينك يا تاجر».
وكذلك انتقلت الثورة من مرحلتها الناعمة إلى طور الخشونة، دون أن يعنى ذلك على الإطلاق أن الثوار بلطجية أو مجرمون، فالذين أقاموا السلاسل البشرية وحموا بأجسادهم المتحف المصرى من السرقة والنهب فى الموجة الثورية الناعمة، هم أنفسهم الذين عادوا –فى الموجة الثورية الخشنة- لحماية فندق سميراميس بأجسادهم، ومطاردة اللصوص الذين اقتحموه، سواء داخل الفندق أو خارجه، وإعادة ما استطاعوا الوصول إليه من مسروقات إلى إدارة الفندق. الثوار قد يمارسون العنف، لكنهم بالقطع ليسوا بلطجية ولا لصوص ولا قتلة.
وربما كان على من يحدثوننا عن عنف الثورة أن يقولوا لنا ما الذى كانوا ينتظرونه من شعب دخلت ثورته «السلمية» إلى نفق مؤامرة التمكين الإخوانى؟ وما الذى كانوا ينتظرونه من شعب أسقط سلطة كانت تسرق الوطن سرا وليلا وبنعومة، ليجد نفسه فى مواجهة سلطة تسرق الوطن علنا ونهارا وبالإكراه؟
لقد كان من الطبيعى أن تنتقل الثورة من النعومة (أو السلمية) إلى الحدة أو الخشونة، وما لم تنجح هذه الموجة «الخشنة»، فى إسقاط سلطة الإخوان، فانتظروا موجة أخرى تتجاوز حدود الخشونة أو العنف وصولا إلى التدمير والتخريب، لأنها بكلمة واحدة «ثورة جياع» بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.
فى هذه الأجواء يطل علينا الدكتور محمد مرسى القائم بأعمال الرئيس ملوحا بإصبعه للشعب، مهددا بإجراءات عقابية، ثم داعيا إلى الحوار!!، والأدهى أن هناك من يبدو جاهزا دائما لتلبية أى دعوة حوار، حتى ولو كان حوارا فى أجواء التلويح بالإصبع والتهديد بالعقاب، وفى ظل حالة طوارئ وحظر تجول، وكأن الحوار قد أصبح وظيفة فى ذاته. (دعك الآن من قدرة الدكتور مرسى على القول إنه يحترم القانون والدستور وأحكام القضاء، دون أن يرف له جفن، ناهيك عما يسمونه حمرة الخجل، ودعك أيضا من أن جماعته الخارجة على القانون لم تلتزم -فى مجلس الشورى- بما أسفرت عنه جولات حوار سابق من نتائج!!).
التاريخ لا يعيد نفسه، لكن الأحداث تتشابه أحيانا، والذين استجابوا، أو سوف يستجيبون، لدعوة محمد مرسى للحوار، بينما الثورة فى الشارع، لا يختلفوا كثيرا، ولا قليلا، عن هؤلاء الذين استجابوا لدعوة حسنى مبارك للحوار، فى فبراير 2011.
فخ الحوار أصبح مكشوفا إلى درجة الفضيحة منذ حوارات صفوت الشريف مع رموز وقادة المعارضة فى زمانه، وحتى حوارات مرسى فى زمن الإخوان. ومنذ حوار عمر سليمان مع «أركان المعارضة» فى فبراير 2011، وحتى الآن، أصبحت حوارات السلطة مع المعارضة تجرى بينما دماء المصريين تسيل فى الشوارع، وبما أحال الفضيحة إلى خيانة، ومن يختار السقوط فى الفخ عليه أن يتحمل وزر الفضيحة وعار الخيانة.
يتخفى الجميع وراء شعار «إنقاذ الوطن»، لكن سؤال: إنقاذ الوطن مِن مَن؟ يكشف النقاب عن معسكرين متناقضين، ثورة فى الشارع تستهدف إنقاذ الوطن من سلطة مكتب الإرشاد، وحوار فى القصر الرئاسى يسعى لإنقاذ الوطن من المصريين.
الثورة فى الشارع والحوار فى القصر الرئاسى، ولا مجال للمساومات ولا مكان للموائمات ولا متسع للحلول الوسط، فليس ثمة طريق يصل بين الاثنين، حيث لم تخترع البشرية –حتى الآن- حلا وسطا بين نقيضين، فعلى كل طرف أن يختار طريقه ويحدد موقعه ويكتب مصيره.
لكن على الجميع أن يعرف مسبقا أن الثورة لا تموتـ وأن ما يرفضه الشعب لا يفرضه الحاكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتصرف الألمان عندما يمرضون؟ | يوروماكس


.. لمى الدوري: -العراق يذخر بالمواقع الأثرية، وما تم اكتشافه حت




.. الهدنة في غزة على نار حامية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مسلسل المانغا - بون- : وحدة تسافر عبر الزمن وتحي الموتى




.. -طبيب العطور- بدبي.. رجل يُعيد رائحة الأحبة الغائبين في قارو