الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاجر البندقية .. إعادة تفكيك

يوسف رزين

2013 / 1 / 29
الادب والفن


قبل أربعة قرون كتب شكسبير مسرحيته الشهيرة "تاجر البندقية" ، لكن كما هو واضح من ردود النقاد فإن عمله تعرض لسوء فهم كبير .. نعم لقد أسيء فهم عمله المسرحي هذا سواء من طرف النقاد الغربيين أو العرب . فالغربيون رأوه متحاملا على اليهود و لولا أنه شكسبير لاتهموه بمعاداة السامية و منعوا مسرحيته ، و أما العرب فقد رأوا فيه فاضحا لليهود و مخططاتهم الصهيونية ! لدرجة أن هناك من أطلق عليه اسم الشيخ الزبير ! . لكن هل فعلا عالج شكسبير الموضوع الذي انتهى إليه إدراك النقاد (الصراع اليهودي المسيحي) أم انه قصد معالجة إشكالية أخرى ..إشكالية أعمق ؟ هذا ما سنراه في هذا المقال .
بداية تقوم أحداث المسرحية حول انطونيو المسيحي الذي يستدين من اليهودي شايلوك فيشترط عليه انه إذا عجز عن سداد الدين في وقته أن يقطع رطلا من لحمه . فلماذا أراد شايلوك اليهودي أن يقطع لحم انطونيو المسيحي ؟ ما السر وراء ذلك ؟ و ماذا أراد شكسبير أن يقول من خلال هذه القصة ؟ هنا يكمن مربط الإشكالية ..هذه الإشكالية التي عجز النقاد عن تحديدها لأنهم انساقوا وراء أحداث المسرحية التي انتهت نهاية سعيدة فاعتقدوا أن شكسبير كتب ملهاة لتسلية الجمهور يدين من خلالها اليهودي الحقير مقابل المسيحي الطيب .. إن شكسبير في هاته الحالة يكون كاتبا مسرحيا عاديا و ليس ذلك العبقري الذي نعرفه . شكسبير باختصار عبقري ارتفع إلى مصاف الأنبياء . شكسبير كان مهموما بمشاكل حضارته الغربية ، لذلك شخص مشاكلها بدقة و وصف لها العلاج .
إن مقابلة يهودي/مسيحي التي وضعها شكسبير في مسرحيته هي مقابلة مضللة للقارئ العادي و الناقد السطحي أيضا . إنه لا يهدف من خلال عمله المسرحي إلى معالجة أسباب الصراع اليهودي المسيحي بل إلى معالجة صراع آخر. فأنطونيو في المسرحية لا يملك من المسيحية إلا الاسم ، فثقافته هي إغريقية رومانية فضلا عن انه ايطالي . إذن نحن أمام مقابلة أخرى يمكن أن نجعلها كالتالي : يهودي/روماني ، لكن لكي تتضمن هذه المقابلة عنصر الصراع و التوتر علينا أن نغوص إلى مقابلة أعمق ..مقابلة يكون العرق هو محددها الأساسي فتوفر لنا بذلك شرط التطابق و التناقض بين عنصريها . فاليهودي شايلوك في هذه المسرحية يمثل العرق السامي و انطونيو المسيحي الروماني هو ممثل للعرق الآري . إذن المقابلة هنا تصبح كالتالي : العرق السامي/ العرق الآري .
لكن لماذا يوجد صراع بين هذين العرقين ؟ لماذا لا يتعايشان بسهولة ؟ للجواب على ذلك نغوص إلى مقابلة أعمق و هي مقابلة الأنثى/الذكر . فالعرق السامي هو عرق أنثى و لهذا تظهر عقليته الأنثوية في معماره المتميز برقته و سواريه الرشيقة ، أيضا في حروبه التي تعتمد على استدراج العدو و محاصرته ، و أما العرق الآري فهو عرق ذكوري يتميز بمعماره الضخم و المتجهم بسواريه العريضة و استراتيجياته العسكرية القائمة على الهجوم المباشر .
إذن كما قلنا فهذان العرقان (السامي و الآري) يطبعهما الصراع الأنثوي الذكوري و هو بالمناسبة صراع دموي كما يعلم بذلك العارفون بخبايا علم النفس، و شكسبير من خلال مسرحيته (تاجر البندقية) يحاول أن يعالج هذه الإشكالية التي تنتظر الحضارة الغربية .
إن شكسبير هو ابن عصر النهضة الأوربية ، و قد شهد بنفسه صعود الحضارة الغربية ذات الأصول الإغريقية الرومانية و بحثها عن الاكتمال و الامتلاء و الذروة ، لكن هذه الحضارة هي بالأساس حضارة عرق آري ، و إذا لم تجد حلا للصراع الآري السامي فإنها ستقع حتما في مجازر رهيبة و الأخطر من ذلك أن مسيرتها ستتعرض للتوقف لان استمرار دورانها رهين باحتوائها للعرق السامي و اتحادها معه .
إن اليهودي شايلوك/السامي/الأنثى حينما يرغب في قطع لحم أنطونيو/الآري/الذكر ، فذلك كرد فعل على اعتداءات انطونيو عليه . إن شكسبير يتعاطف مع شايلوك /السامي/الأنثى على عكس ما ذهب إليه النقاد و يدين أنطونيو/الآري/ الذكر و يدعوه إلى تغيير معاملته و إلا سيظل الصراع الآري/السامي قائما .
إن المشكلة التي عالجها شكسبير في مسرحيته هي مشكلة حقيقية يعاني منها العقل الغربي . إنه لحد ألان لا زال لا يستوعب الوجود السامي على هذا الكوكب
و لهذا بعد أربعة قرون من كتابة مسرحية تاجر البندقية سيأتي شخص يدعى هتلر بإيديولوجية ساذجة سيقنع من خلالها الألمان بإبادة ستة مليون يهودي . إذن شكسبير لم يكن يعبث حينما كتب مسرحيته . لكن يبقى السؤال : هل فعلا وعى العقل الغربي أزمته كما وعاها شكسبير ؟
الجواب من خلال ممارسات هذا الغرب هو انه قام بالتحايل على أزمته و لم يعها بعد ! صحيح انه بعد الفظائع المرتكبة في حق اليهود على يد النازيين قام بسن قانون معادة السامية لكنه في العمق استمر في عدائه للساميين بأشكال ملتوية . فهو أولا أخرجهم من أوربا بدعوى إيجاد وطن قومي لهم في فلسطين ! ثم حولهم إلى سكين يقطع به أرطال اللحم السامي ..العربي هذا المرة .
و تستمر الملهاة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال اكثر من رائعة وعميقة
وليد مهدي ( 2013 / 1 / 30 - 12:37 )
رغم اختصارها

لكنها بحق تصلح كمنطلق لدراسة

ملاحظتي عليها فقط ان شكسبير على الارجح لم يكن بوعي يرغب بالمعالجة كما ذكرت

لكنها انثالت من وعيه الباطن بهذه الطريقة

هذه دراسة تحليلية في المخيال الجمعي لمجتمع عصر النهضة , وهي هامة جدا كتشريح لثقافة اوربا في ذلك الحين وكما تفضلت بدوافعها الملتوية لكنها لا تعبر عن راي شكسبير كفرد ، وانما تواصله الثقافي الجمعي

كم اتمنى ان افتح الحوار المتمدن كل يوم لاجد مثل مقالتك ولو واحدة فقط يا زميلي العزيز ؟؟

دمت بالف الف خير

اخر الافلام

.. مختار نوح يرجح وضع سيد قطب في خانة الأدباء بعيدا عن مساحات ا


.. -فيلم يحاكي الأفلام الأجنبية-.. ناقد فني يتحدث عن أهم ما يمي




.. بميزانية حوالي 12 مليون دولار.. الناقد الفني عمرو صحصاح يتحد


.. ما رأيك في فيلم ولاد رزق 3؟.. الجمهور المصري يجيب




.. على ارتفاع 120 متراً.. الفنان المصري تامر حسني يطير في الهوا