الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موت الشيوعي ماقبل الأخير ..

ميثم محمد علي موسى

2013 / 1 / 29
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


موت الشيوعي ماقبل الأخير ..

(( اأنا وفيديل كاسترو آخر شيوعييّن في أمريكا اللاتينية)) كتب مرة أوسكار نيماير.
فمن هو هذا الرجل العبقري (أوسكار نيماير) الذي كان يحلم بغد أفضل للبشرية؟
ولد المهندس المعماري العبقري أوسكار نيماير البرازيلي في 7 يناير 1907 و توفي في 5 ديسمبر 2012 عن عمر ناهز 105 سنة ، ويعتبر أعظم مهندس معماري طليعي في العالم لأكثر من قرن ، وأقترن أسمه بأروع تصاميم المباني في العالم والتي بقيت شاهداً على عظمة الفن المعماري للرائد أوسكار نيماير. تميزه مرتبط بكونه من المعماريين الأوائل الذين أستخدموا الخرسانة المسلحة. كثيراً ماكان نيماير يستخدم مايسمى بالمنحنيات الحسية والحيوية في تصميم مبانيه مبدعاً و مبتعداً عن التقليد ولذلك سمي أحياناً بالنحات بدلاً من المهندس المعماري ، أما للأعجاب بعبقريته أوكنوع من النقد !
حياته نفسها تشبه مبانيه التي صممها ، وتبدو كقطعة معمارية فريدة في تميزها. ولد في شارع سمي فيما بعد بأسم جده ربيرو دا ألميدا (1) ، وقضى فترة صباه وشبابه المبكر كأحد شّبان ريوداجانيرو المتمردين الذين كان يطلق عليهم حينذاك ( كاريوكا) (2) . أنهى دراسته الثانوية وهو بعمر 21 عاماً وتزوج في نفس العام من أنيتا بالدو (3) أبنة مهاجر أيطالي من البندقية ، وأنجبا أبنة سمياها آنا ماريا. ما أن تزوج أوسكار نيماير حتى تغير مجرى حياته ، فشعر بالمسؤلية وقرر أن يكمل دراسته.
بدأ عمله في معمل صغير للجرافيك يمتلكه والده وسجل في معهد الفنون (4) حيث تخرج في 1934 كمهندس معماري. ورغم مصاعبه المالية فقد قرر العمل في مكتب معماري بدون مقابل (5) . كان شغوفاً بالتطلع الى المباني ودراستها ووضع علامات أستفهام على كل البنايات التي كان يصادفها في شوارع البرازيل ، متأملاً أن يحصل على جواب من مصمميها المعماريين مكتشفاً الكثير من العيوب فيها.
في عام 1945 بدأ أسمه يلمع في مجال الفن المعماري ، وفي نفس ذلك العام ترجم حماسه وأنحيازه الى الفقراء بالأنتماء للحزب الشيوعي البرازيلي ، وظل شيوعياً حتى مماته ! عاصرنيماير أحداث تأريخية عظمى : عاش زمن ثورة أكتوبر الأشتراكية والأتحاد السوفياتي ، وفي شبابه أندلعت الحرب العالمية الثانية وشهد نهايتها أيضاً وظهور مجموعة الدول الأشتراكية ، وعاصر الحرب الباردة ، ورأى تفكك الأتحاد السوفياتي و أنفراط عقد حلف وارشو ، وألتحاق البلدان الأشتراكية السابقة بمعسكر العدو الرأسمالي السابق ، وغيرها من أحداث تركت أثارها على مسار التأريخ الحديث لكنها لم تغير من قناعاته بالماركسية ، حيث ظل شيوعياً يفتخر بأفكاره ويرفض التراجع عنها . في 1964 وعندما سيطر الجيش في البرازيل على السلطة وحلت الدكتاتورية محل الديموقراطية هرب من بلده وعاش في المنفى في فرنسا ، وحينها مزح وزير الطيران البرازيلي قائلاً :" كان من الأفضل له الهرب الى موسكو " !
باكورة أعماله كان في فترة عمله بلا مقابل ، حيث طلبت وزارة التعليم من المكتب المعماري (5) الذي يعمل فيه تصميم بناء وزارة التعليم والصحة في ريودا جانيرو . وقد كان هذا المشروع جزء من خطة مايسمى ( بالجمهورية الجديدة(6))حين أراد رئيس الجمهورية آنذاك ( جيتوليو فارجاس (7)) أن يستخدم الفن المعماري لأعمار البرازيل وتطويرها و عكس الأتجاه الجديد للأمة البرازيلية في التطور الصناعي و تصدير منتجاتها الزراعية وخاصة البن !
عام 1939 زار نيماير نيوورك مع المعماري البرازيلي الشهير وصديقه لوسيو كوستا ( الذي عمل نيماير في مكتبه) ليصمم جناح البرازيل في المعرض العالمي ، ذلك في الوقت الذي كانت أوربا وأمريكا مشغولة بأمر الحرب العالمية الثانية في حين أنشغلت البرازيل بتطوير الهندسة المعمارية .. من هناك من نييورك تحول نيماير الى نجم معماري محدث وطليعي على المستوى العالمي بفضل مواهبه الفذه ، وظل حتى آخر لحظة من حياته كذلك !
تجنب نيماير في تصاميمه قدر الأمكان الخطوط المستقيمة ، تشهد على ذلك البنايات التي صممها وكان أولها في بناية ( بامبولا 1940-1943) في البرازيل.الظريف في الأمر أن الكنيسة الكاثوليكية هاجمت هذا التصميم لأنه لايحمل أشكالاً ورموزاً أرثوذوكسية !
ويعرف الكثير من زوار نييورك وبناء الأمم المتحدة أن مصمم المقر الرئيسي للأمم المتحدة هو هذا المهندس المعماري الشيوعي نيماير ، الذي بلغ ذروة شهرته عالمياً في 1974 بتصميم هذا المقر . من الطريف ذكر أنه و قبل عام من هذا التاريخ وجهت له دعوة من قبل جامعة أمريكية ( وهي جامعة
(Yale University
لكن السلطات الأمريكية ورغم ( الديموقراطية !) رفضت منحه التأشيرة بسبب من أفكاره الماركسية والأنتماء للحزب الشيوعي البرازيلي !
أنتخب في عام 1956 رئيساً للبرازيل ( وكان نيماير قد تعرف Juscelino Kubitschek
عليه في عام 1940 ) فدعاه هذا الرئيس ( كوبيتشيك) ليعود ويصمم بناء أهم مباني العاصمة الجديدة (برازيليا) في منطقة غير مأهولة وسط البرازيل . وهكذا صمم مع رب عمله السابق وصديقه كوستا أهم وأشهر البنايات في العاصمة التي ماتزال من معالمها . لقد صمم هذين المعمارين العاصمة بأروع أساليب الحداثة المعمارية الخيالية : شوارع بدون تقاطعات ، بنايات مرتفعه وقائمة على ركائز بحيث يمكن أستخدام المساحات تحتها كأماكن عامة لتندمج المدينة بالطبيعة ! لقد تم تصميم وتنفيذ برازيليا خلال أربعة أعوام ، وهي فترة حكم الرئيس الذي تبنى المشروع ! بعد الأنتهاء من بناء العاصمة ، تم تعيينه منسقاً لكلية الهندسة المعمارية في جامعة برازيليا العاصمة وفي عام 1963 أصبح عضو شرف في المعهد المعماري الأمريكي ، في مفارقة ظريفة ، حيث حصل في نفس العام على جائزة لينين للسلام !
عام 1964 قام الجيش بأنقلاب عسكري وتم عزل الرئيس المنتخب وتحولت البرازيل الى الديكتاتورية ..
في فترة الحكم العسكري الديكتاتوري تعرض الحزب الشيوعي البرازيلي للملاحقة والمضايقة ، وتم رفض تصاميم نيماير ، ودُمّر مقر المجلة التي كان نيماير مدير تحريرها . وهرب زبائن نيماير خوفاً من التعرض لمضايقات النظام الدكتاتوري. في 1965 يستقيل 200 بروفيسور من جامعة برازيليا ومن ضمنهم نيماير . في نفس السنة يسافر نيماير الى فرنسا الى اللوفر حيث تم تنظيم معرض لأعماله هناك . يبقى هناك في باريس حيث يبدأ مرحلة جديدة من حياته و يفتح مكتباً في شارع الأليزية ليأتيه الزبائن من كل أنحاء العالم . وهناك يصمم المقر الرئيسي للحزب الشيوعي الفرنسي والمركز الثقافي في لوهافر (8) كما يصمم المقر الرئيسي لمطابع الموندادوري في أيطاليا.
أستمر النظام الدكتاتوري 21 عاماً في البرازيل ، وفي الثمانينات أنتقلت البرازيل نحو الليبرالية ، فكانت فرصة لعودة نيماير الى وطنه ، حيث أعتبر هو نفسه أنها المرحلة الأخيرة من حياته ، فوضع العديد من تصاميم البنايات الشهيرة في البرازيل ، كما صمم نصباً تذكارياً للرئيس كوبيتشيك ( صديقه السابق) . وحين كان عمره 89 سنة في 1996 صمم متحف الفن الحديث في نيتيروي والذي يعد واحداً من أبدع وأهم أعماله .
في عام 2003 طلب منه كاليري السربنتن في لندن أن يصمم جناح كاليري الفن . كاليري السربنتن يدعو كل عام واحداً من مشاهير المعماريين في العالم ليصمم جناحاً له ! وبالمناسبة فأن المعمارية عراقية الأصل والعبقرية زهى حديد كانت قد صممت عام 2000 جناحاً فيه أيضاً .
وفي سبتمبر من عام 2003 أفتتح متحف أوسكار نيماير في مدينة كوريتيبا البرازيلية .
رغم أن نيماير أصيب في 2009 بسرطان الأمعاء ، فأنه عاد ليصمم عدد من المباني في نيتيروي بعد الأنتهاء من العلاج و مغادرة المستشفى ، وفي عام 2010 أفتتح هناك متحف الرسوم والتصاميم التي وضعها طيلة حياته.
من تصاميمه في البلدان العربية جامعة القسطنطينه في الجزائر وجامعة هواري بومدين والقاعة البيضاوية للمركبة الأولمبية في جويليه بالعاصمة الجزائرية .
قبل موته بفترة وجيزة ، وفي أحدى المقابلات مع قناة تلفزيونية ، أكد وهو يدخن سيجاراً كوبياً أنه لم يتخل في حياته عن الفكر الماركسي ، وأن الفقراء والكادحين ظلوا همه الأساسي طيلة حياته ، وهو يتحدث من مكتبه ويتطلع الى تلك البنايات العظيمة التي تحمل أسمه.. ورغم أن أوسكار نيماير أسطورة الهندسة المعمارية قد رحل عن عمر 105 سنوات فقد ترك وراءه للبشرية ثروة من تصاميم هندسية معمارية تعد بحق تحفأ يتباهى بها البرازيليون و تعد تراثاً للأنسانية جمعاء. أنه أيقونة البرازيل الوطنية و الذي يفتخر به كل مواطن برازيلي !
----------------------------------------------------------------------------------
(1) Ribeiro de Almeida
(2)Carioca
(3) Annita Baldo
(4) Escola Nacional de Belas Artes
(5)Lucio Costa and Carlos Leão مكتب المعماريين الشهيرين
(6) República Nova ("New Republic")
(7) Getúlio Vargas
(8)Cultural Centre Les Volcans in Le Havre
ملاحظة:
يمكن مشاهدة صور البنايات التي صممها نيماير على الرابط التالي:
http://www.google.nl/search?q=oscar+niemeyer+buildings+photos&hl=en&tbo=u&rlz=1C1GGGE_nlNL360NL360&tbm=isch&source=univ&sa=X&ei=RiQIUYGWEOSd0QXw8YCgAw&ved=0CCkQsAQ&biw=1440&bih=805








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يتسبب بإقالة سفير بريطانيا لدى #المكسيك #سوشال_سكاي


.. فيديو متداول لطرد السفير الإسرائيلي من قبل الطلاب في جامعة #




.. نشرة إيجاز - مقترح إسرائيلي أعلنه بايدن لوقف الحرب في غزة


.. سلاح -إنفيديا- للسيطرة على سوق الذكاء الاصطناعي




.. -العربية- توثق استخدام منزل بـ-أم درمان- لتنفيذ إعدامات خلال